ايلي خوري

أسهم مصوّبة الى الخارج وجذور لبنانية عنوانها الصمود

الوجود… هو ذاك الذي نسعى اليه دوماً، فترانا نبحث عما يضمن استمرار وجود اسمائنا حتى بعد غيابنا. هذا الاستمرار يبحث السيد ايلي خوري، الرئيس التنفيذي لشركة التأمين العربية ، عنه حتى في ظل غياب الاستقرار عن لبنان، كي يبقى اسم الشركة موجوداً في المستقبل.. هو يفخر بالابقاء على هوية الشركة وجذورها اللبنانية التي امتدت لأعوامٍ طويلة بلغت الـ٧٨ سنة. ولضمان كفاءةٍ اعلى تسعى الشركة الى تبني خطواتٍ داخلية مستحدثة داعمة لرأس المال وللمعيار المحاسبي الجديد وللملاءة المالية التي تمتاز بها.

لطالما اثنى السيد ايلي خوري على تميّز قطاع التأمين في لبنان، ولعل صموده ونموه وسط التحديات الأخيرة هو دليل قاطع على صلابته وتميّزه لا سيما بعد حادثة انفجار المرفأ الذي لا يزال يدوي حتى اليوم. وينوّه الى أنّ اعادة الهيكلة التي ستُجرى في القطاع المصرفـي لا بد أن تطال قطاع التأمين المزدهر والملتزم الذي يندرج تحت مظلة القطاع المالي ايضاً.

 

يُستثنى قطاع التأمين اللبناني من القطاعات المالية التي غرقت في مستنقع الازمات، واستطاع تخطي كل العقبات وعاد بالتالي لتأدية دورٍ اقتصادي مالي اساسي فاعل في لبنان. ما السر وراء هذا الاستقرار والنمو؟

لطالما أثنيت على تميّز قطاع التأمين عن القطاع المالي الذي يخضع له، لاسيّما وأن المصارف توقّفت عن القيام بواجباتها والوفاء بوعودها فيما بقي قطاع التأمين مستمراً في أعماله بصدقٍ وشفافية، هذا يعود لعوامل عدة منها الدور الفاعل للجنة مراقبة هيئات الضمان الراعية لهذا القطاع والداعمة لوصوله الى بر الامان والتي تساهم بشكل رائد إلى تنقية هذا القطاع من كل الشوائب. كذلك، اريد أن اشدد على دور شركات اعادة التأمين المصنفة من الدرجة الأولى والتي تُعد السند الاساسي لشركات التأمين المباشر. هذا السند بقي داعماً لتلك الشركات دون تلكّأ مما اعطاها قوّةً وحافزاً للاستمرار بتأدية واجباتها قدر الامكان وسط الصعوبات البارزة لاسيما بعد حادثة انفجار المرفأ. بالاضافة الى أن عدداً كبيراً من شركات التأمين يتمتّع بحرفية عالية مترافقة بخبرةٍ وعراقة تمتد لسنواتٍ طويلة. كل هذه العوامل الايجابية اجتمعت سوياً لتُنتج ازدهاراً تأمينياً والتزاماً بالعهود وخدمةً متواصلة قدر المستطاع. اريد التنويه الى ان هذا القطاع قدّم خدماتٍ اضافية لا سيما في الفرع الطبي، حيث قام بالتفاوض مع المستشفيات والصيدليات في ظل غياب الدولة، هادفاً بذلك الى ضمان الاستمرارية في العمل والتغطيات. قام القطاع بذلك بخطوةٍ جبارة اضيفت اليها خطوةً جبارة اخرى متمثّلة بكارثة انفجار المرفأ وقت ما حاولنا الوقوف الى جنب عملائنا قدر الامكان، واريد أن أشكر هنا شركات اعادة التأمين على مساندتها لشركات التأمين المباشر في خضم هذه المحنة. واقع قطاع التأمين اليوم يبدو مستقيماً، الاّ أنّ المستقبل يبقى الأهم.

يُحكى في اعادة هيكلة القطاع المصرفـي. هل من الممكن اعادة هيكلة قطاع التأمين ايضاً بما يضمن استمرارية هذا القطاع في المستقبل؟

بما أن قطاع التأمين تابع للقطاع المالي فأي اعادة هيكلة للقطاع المصرفـي لا بد أن تصيب أيضاً قطاع التأمين. رساميل شركات التأمين سوف تذوب وأي تصحيحٍ لسعر الصرف سينعكس سلباً على هذه الرساميل، الأمر الذي يستدعي معالجة لهذه المشكلة. لا أرى أن عدد البنوك المتواجدة اليوم سيبقى على حاله، كذلك وبالتوازي سينخفض عدد شركات التأمين ايضاً لا سيما في ظل العوامل الضاغطة بشدة والتي ستقود قسراً الى عمليات الاندماج، اعادة تكوين رأس المال والاحتياطات المتأثرة سلبياً بسعر الصرف. بحكم الأمر الواقع والظروف الصعبة، سيُجبر قطاع التأمين على اعادة الهيكلة، الاّ ان ذلك ليست بالأمر السيئ، فلا يمكننا أن نبقى مشرذمين وسنضطر الى الالتحاق بالاندماج السائد في المنطقة. من المفترض أن تنشأ شركات متينة لناحية الرساميل وقادرة على الاستمرار وتحقيق الربحية واستقطاب الاستثمارات من الخارج. بناءً على ذلك، ارى أنه يُفترض حدوث بعض الدمج والتوحيد داخل القطاع بغية ضمان الاستمرارية.

ما هي ابرز الخطوات التي تُقدم عليها الشركة اليوم؟

في العام الماضي كنا نتحدث عن وضع استراتيجية واضحة وسليمة، أما في الـ ۲۰۲۲ فبدأنا تنفيذ هذه الخطة على ارض الواقع. هذه الخطة قابلة للتعديل طبعاً وفق تغيرات ومعطيات المنطقة، لكنني أعتقد أن الاستراتيجية التي كنا قد وضعناها صائبة وسليمة مراعية للتحولات الحاصلة، حيث هيئات الرقابة في المنطقة تسعى الى غربلة الشركات والابقاء على المليئة والمتينة منها وذات المناعة والربحية العالية. من هذا المنطلق، سرنا بنهجٍ قائم على اعتماد اللامركزية بحيث يصبح كل فرع في الخارج كمركز ربح مستقل، هادفين بذلك الى تحويل فروع الشركة الى شركات تابعة عبر دمجها مع شركات أخرى تشبهنا لناحية الفلسفة والثقافة والمحفظة التأمينية أو مع مجموعات تشاركنا الأفكار ذاتها والرؤية المستقبلية. بملخّص هذا هو هدفنا من هذه الاستراتيجية التي نسير بتطبيقها.

بالاضافة الى ذلك، نعمل داخلياً على تطوير الشركة، اذ بدّلنا النظام الأساسي لتكنولوجيا المعلومات بحيث يصبح مرقمن وأكثر مرونة وممنهج وفق المعيار IFRS١٧ الجديد وقليل الرموز محرّك من صاحب العمل وليس من تقنيي تكنولوجيا المعلومات.

في منحى آخر، ومن اجل المحافظة على مصالح مساهمي الشركة، اتّخذنا قراراً مهماً جداً في مجلس الادارة وفي الجمعية العمومية قضى بتأسيس شركة قابضة في السوق العالمية لأبوظبي (Abu Dhabi Global Market (ADGM، غايتها ان تتملك الأسهم في الشركة من خلال تفرغ (Swap) المساهمون عن الأسهم التي يملكونها في رأسمال شركة التأمين العربية ش.م.ل مقابل أسهم في رأسمال الشركة الجديدة المؤسسة في السوق العالمية لأبوظبي، وإن إنجاز العملية المذكورة أعلاه مشروطة على الإستحصال على الموافقات اللازمة من قبل لجنة مراقبة هيئات الضمان على عمليات التفرغ هذه. وقد بدأنا بالفعل في هذا الاطار بالقيام بالمعاملات والتنسيق مع لجنة مراقبة هيئات الضمان في لبنان ووزير الاقتصاد لأخذ الموافقات اللازمة.

إن هذا الاجراء هو من باب اعادة هيكلة ملكية الشركة من اجل المحافظة على استمرارية وتطوير اعمالها بالإضافة إلى خلق قيمة مضافة للمساهمين وتطوير الاعمال والمساعدة في انتشار الشركة.

وجودنا في لبنان ناهز الـ ٧٧ عاماً وان الشركة مصرّة على البقاء كشركة لبنانية، إلا ان مساهميها الحاليين سوف يملكون شركة في السوق العالمية لأبوظبي. واجبنا كإدارة الحفاظ على مصلحة المساهمين وعلى اصولنا التي تشكّل اسس عملنا وديمومتنا، لذلك أُرغم المساهمون على التوجّه الى أبوظبي حيث الاستقرار يحفّز الاستمرار والنمو والأمان وحيث التمويل يبدو اسهل وامكانية ادراج الشركة في سوق الاسهم. كل هذه العوامل المغرية تدفعنا للانتقال ولتركيز اسهم الشركة واستراتيجيتها في الخارج وتأمين النمو والربحية والاستمرارية على المدى البعيد.

خطوة الانتقال هذه تتطلّب رساميل كبيرة. كيف استطعتم تأمين هذه الرساميل؟

التأمين العربية شركة قوية ومليئة جداً وصاحبة ميزانياتٍ صلبة تمكّنها من الاقدام على مشاريع وخطوات كهذه.

أريد الاشارة الى أننا قمنا بزيادة رأس المال لاستثماراتنا في السعودية Arabia Insurance Cooperative Company، وذلك بهدف المحافظة على حصتنا في السوق التي تبلغ ١٩،٢٪، وهي نسبة مرتفعة. ضخّينا الأموال ونحن على استعداد للقيام بأية خطوات اضافية متعلّقة بالملاءة المالية والحد الأدنى لمتطلبات رأس المال والاحتياطات الحسابية في فرع الحياة التي تتعدّى في كثير من الأحيان المستوى المطلوب، كل ذلك بهدف المحافظة على مكانة الشركة في السوق وسمعتها الطيّبة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها.

اضف الى أنه لدينا سيولة نقدية ايجابية وفيرة حيث تحقق الشركة ما يقارب ال۲٧۰ مليون دولار سنوياً مما يسمح لنا بالقيام بالاستثمارات وخوض تجاربٍ جديدة دون اللجوء الى تمويلٍ خارجي بل الاعتماد على اصول الشركة وقدراتها المالية.

قمنا في العام ۲۰۲۱ ببعض الهندسات المالية الصحيحة الهادفة الى تنظيف الميزانية العمومية وابعادها عن تقلبات سعر صرف العملة. بالاضافة الى تركيزنا على التحصيل الضامن للسيولة، ضغطنا جيداً وفريق العمل على هذه النقطة واستطعنا بذلك تخفيض معدّل حسابات القبض بشكلٍ ملفت. اريد هنا أن اتوجّه بالشكر الى كل المجهود التي قام به الفريق الذي ساعدنا كثيراً في تسيير اعمالنا وتحقيق أهدافنا والقيام بالخطوة الانتقالية بأسرع وقت في ظل اوضاعٍ اقتصادية ضاغطة على قطاع التأمين وشركاته.

هل أن عملية نقل الاسهم الى ابو ظبي هي بمثابة مقدّمة لنقل مقر الشركة؟

ان هذا السؤال مهم جداً وارغب من خلال جوابي التأكيد مرة اخرى ان الهدف من تأسيس شركة في السوق العالمية لأبوظبي يملكها المساهمون الحاليون للشركة هو من باب اعادة هيكلة ملكية الشركة فقط، ولا نسعى اطلاقاً الى نقل مقر الشركة بل هي ستبقى في لبنان خاضعة للقوانين والرخصة اللبنانية التي نفتخر بها. ليس من السهل القيام بنقل الاسهم لا سيما وانها خطوة كبيرة تستلزم دفع اموالٍ طائلة والقيام باجراءاتٍ كثيرة ومعقدة، كذلك يصعب على المستثمرين في لبنان الانتقال الى الخارج، لكننا أُرغمنا على اتخاذ هذا القرار المفصلي والتدابير المناسبة للحفاظ على كيان الشركة واستمراريتها وحفاظها على تأدية واجباتها تجاه العملاء على أكمل وجه كما اعتادت دوماً دون نقصٍ أو تململ. ستبقى كل الرخص لبنانية وستبقى هوية الشركة لبنانية وهو شرف لنا. نأمل نهوض القطاع مجدداً ونهوضنا ايضاً لنتمّكن من الاستمرار واستتباع اعمالنا وأهدافنا التي نرنو الى تحقيقها.

 

 

 

 

 

Comments are closed.