تفرض علينا بعض الظروف احياناً الانقياد والتأقلم مع معاييرٍ جديدة لم نألفها يوماً. هذا هو حال لبنان اليوم حيث التحديات المتعاقبة أجبرت القطاعات الاقتصادية والمالية بما فيها قطاع التأمين على تحمّل أعباءٍ كبيرة. رغم ذلك يرى السيد فاتح بكداش، رئيس مجلس إدارة ومدير عام آروب للتأمين ونائب رئيس جمعية شركات الضمان، بالقطاع المحارب الشجاع الذي تصدّى للمشاكل وجابهها بالصمود والوفاء والثقة. ويتوقّع السيد بكداش أن يتّجه هذا القطاع نحو مزيدٍ من الرقمنة ولصيغة الدولار النقدي التي تخطّت انعكاساتها الشركة متيحةً امكانية التقسيط مما انتج تجاوباً من قبل عملائها .
في العام ۲۰۲۲ عمدت الشركة الى تخصيص كامل نتائجها السنوية كاحتياطي إضافـي مخصّص لحادثة انفجار والحفاظ على ملاءة عالية وإطلاق شعارها الجديد الذي يعكس صورتها وتأسيس شركة شقيقة في دبي تُعنى بتقديم حلولٍ تأمينية رقمية.
* كيف تقيّمون واقع قطاع التأمين في لبنان خلال العام ۲۰۲۲؟ وما هي أبرز التحديات التي واجهتموها؟
تكثر التحديّات في بلدٍ يفتقد اقتصاده إلى أدنى المقوّمات الأساسية. لذا يصحّ القول أنّ قطاع التأمين حارب وحيداً لحماية مصلحة العملاء الذين أملوه ثقتهم وائتمنوه على حياتهم وممتلكاتهم. كما اصطدم القطاع بقرارات آنية أجبرته على تحمّل أعباءٍ جديدة لم تكن في الحسبان مثل تغطيات جائحة كورونا، التي رافقها تدهور قيمة الليرة اللبنانية وتعدّد أسعار الصّرف وقيود على التحويلات للخارج وانفجار بيروت، ممّا أثّر بشكلٍ مباشر على الأقساط، وسقوف التغطيات والتعويضات.
هناك إذاً عقبات مهمة يحاول القطاع تجاوزها باستمرار وبأفضل الحلول الممكنة.
* وحده، من بين القطاعات المالية، تمكّن قطاع التأمين اللبناني من الاستمرار بعمله ونشاطه من دون أن يقع فريسة الأزمة المالية. ما هي الأسباب برأيكم؟ وما هي انعكاسات ذلك على مستقبل هذا القطاع؟
أثبت قطاع التأمين في لبنان انّه على قدر المسؤوليّة ومحطّ ثقة للكثير من اللّبنانيين لا سيّما بعد الأزمات المتتالية التي عصفت بالليرة والمصارف. استطاع قطاعنا الصّمود والتكيّف مع المتغيّرات بأقل ضرّر ممكن وذلك كونه يمتاز منذ نشأته بشفافية مطلقة ومهنية عالية وكوادر إدارية ذات خبرة كبيرة في إدارة الأزمات. كما يجدر التنويه بالدور المهم الذي قامت به كلّاً من جمعيّة شركات الضمان وهيئة الرّقابة على شركات التأمين لا سيّما في وضع الأطر المناسبة والضوابط السريعة لحماية حقوق المؤمّنين والشركات.
يتفاوت مدى انعكاس الأزمة بين شركة تأمين وأخرى، ولكن بشكلٍ عام، نتوقّع تحوّل القطاع إلى الرقمنة أي إلى حلول خدماتية حديثة تجعل التأمين أكثر سهولة، وأقل كلفةً وأكثر ابتكاراً، لمواكبة المتطلّبات الجديدة ولتقليص المصاريف التشغيلية. كما نتوقّع عمليّات دمجٍ واستحواذٍ جديدة و شراكات في مجال الحلول التأمينية الذكية بشكلٍ خاص.
أمّا بالنّسبة للتّسعير فالسّوق يتوجّه بمجمله نحو صيغة الـ fresh دولار، وقد بات الجزء الأكبر من المحفظة التأمينية يعتمد هذه الصيغة، ممّا ساعد على صمودنا ووقوفنا إلى جانب عملائنا وحماية مصلحتهم والتعويض عليهم بشكلٍ عادل وصحيح بما يضمن بالتّالي مستقبل قطاع التأمين واستمراريّته.
* بدأت شركات التأمين في استيفاء بدلات معظم البوالص بالدولار النّقدي. كيف انعكس ذلك على عمل القطاع؟
قطعت شركات التأمين شوطاً كبيراً في هذا المجال وقد تخطّينا خطر الانعكاسات السلبية لهذه الخطوة وبتنا نلتمس تجاوباً إيجابياً لجهة تأقلم العملاء مع الصيغة الجديدة للتسعير والتعويضات لأنّها تعكس أرقاماً حقيقية، وغير مضخّمة وأكثر محاكاةً للواقع. هذا مع العلم أنّنا لا نزال نقدّم خيار التقسيط لكي نخفّف على كاهل زبائننا الكرام عبء الأقساط التأمينيّة ولمساعدتهم على الحفاظ على تأمينهم لعيش حياةٍ هنيئة بكل طمأنينة. لا شكّ أنّ المحفظة التأمينيّة لا سيّما التأمين الصحي تشهد تغيّرات متوقّعة. فليس باستطاعة الجميع الدفع بـ”الأموال الطازجة” والمؤسّسات المعتادة على التأمين الصحّي، حالها حال الأفراد، قد تتراجع عنه أو تخفّض نسبته أو تدنّي درجة الاستشفاء. وكذلك في تأمين السيارات، حيث يستعيض الكثير من الأفراد عن التأمين الشامل بالتأمين ضد الغير أو يقررون الإبقاء فقط على التأمين الإلزامي وذلك أيضاً بسبب قدرتهم الشرائية المحدودة. ولكن بشكلٍ عام، نستطيع القول أنّ إيجابيات هذه الخطوة تتخطى تدريجياً أضرارها.
* تبرز التحديات المستقبلية بقوة أمام قطاع التأمين اللبناني، لاسيما تلك المتعلّقة بالرسملة والامكانات المالية وملاءمتها للمعيار العالمي IFRS١٧؟ ما تعليقكم؟
إنّ اعتماد هذا المعيار، كما بات معلوماً، ليس اختيارياً وإنّما يُلزم جميع شركات التأمين اللّبنانية باعتماده، ومخالفة ذلك يعرّض الشركات إلى عقوبات قد تصل لحد سحب التّرخيص بممارسة أعمال الضمان. كما أنّ الدوافع لاعتماده عديدة وأهمّها الامتثال للمعايير الدولية، المقارنة العادلة والشفافة مع الشركات الأخرى، وضمان استمرار التعامل مع شركات الإعادة العالمية.
ولكن مجموعة من العقبات والتحديات تجعل من هذا المشروع صعباً على الشركات، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية الحادّة والتضخّم المالي وتعدّد أسعار صرف الدولار الأميركي، وهي أسباب من الممكن أن تحول دون اعتماد بعض الشركات الصغيرة لهذا المعيار الجديد نظراً للموارد البشرية والمالية والزمنية المطلوب تخصيصها لإتمامه وفق المعايير المطلوبة وضمن المهل المحدّدة.
ففي ظلّ الوضع الاقتصادي الراهن، وتوقيت التطبيق الذي يحطّ بثقله على جميع شركات التأمين العاملة في لبنان، وبخاصةٍ الصغيرة منها، لا نستبعد أن نشهد سيناريو الدمج والاستحواذ خاصّةً وأنّ الشركات التي لن تمتثل قد تواجه خطر الإقصاء من مزاولة العمل، فالدمج قد يكون بمثابة سفينة الإنقاذ للاستمرار، وتكون بذلك قد ألقت بهذا الوزر على شركة كبرى قادرة على تحمّل هذا العبء بشكلٍ أكبر وتتمتّع بالخبرة والمهارة لضمان النجاح في هذه الخطوة.
* ماذا عن نتائج أعمال شركتكم وابرز انجازاتها في العام ۲۰۲۲؟
منذ العام ٢٠٢٠ تقوم آروب بتخصيص كامل نتائجها السّنوية كاحتياطي إضافـي مخصّص لحادثة انفجار بيروت ولأي تكاليف محتملة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمالية. ففي ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية وتعدّد أسعار الصّرف، تعتمد آروب استراتيجية ماليّة دقيقة للحد من الخسائر والحفاظ على ملاءة عالية هي من الأقوى بين شركات التأمين في لبنان وتتخطّى بأضعاف الحد الأدنى المطلوب. فنحن في آروب نعتمد على سياسة اكتتاب حكيمة ومحافظة نعمل من خلالها على تحقيق النموّ والحفاظ على محفظة تأمينية متوازنة، ممّا يضمن استمرارنا كي نبقى إلى جانب عملاءنا بقوة وثبات.
أمّا بالنّسبة لتعويضات انفجار بيروت، قامت آروب، منذ العام ٢٠٢٠ وحتّى نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٢ بتسديد ٩٠٪ من عدد المطالبات المصرّح عنها أي بمجموع تعويضات مدفوعة بلغ ٢٧ مليون د.أ. نقداً أو ما يعرف بالأموال الطازجة. وهذا برهان واضح على التزامنا تجاه العملاء الذين جهدنا للمحافظة على علاقتنا الوثيقة معهم على مرّ السنين. كما سدّدت آروب خلال العام ٢٠٢٢ فقط مجموع تعويضات بلغ ٥٣،٢٥٠،٠٠٠ د.أ. في جميع فروع التأمين.
من المتوقّع أن تكون ميزانية آروب العمومية للعام ٢٠٢٢ مشابهة لنظيرتها عن العام المنصرم أي من الأقوى بين الشركات اللبنانية الأخرى في السّوق اللبناني. كما ننتظر أن تحلّ آروب بالمرتبة الأولى لجهة حقوق المساهمين كما كان الحال في السنوات الطويلة الماضية.
ختاماً، أضافت آروب إنجازين جديدين لمسيرتها. فالأول هو إطلاق شعارها الجديد الذي يعكس آروب حديثة، عصرية، شابة، ناضجة ونابضة بالحياة. عمدنا في شعارنا الجديد هذا أن نعبّر عن روح شبابيّة عصريّة، تنظر إلى المستقبل بتفاؤل ورؤية واضحة، تهدف إلى تقريب مفهوم التأمين لكل الأجيال لا سيّما الشباب منهم. كما قصدت آروب الاعتماد على الهمزة الممدودة أو ما يعرف بـ”المدّة” فوق الألف باللّغة العربية وفوق الـa في النّسخة الأجنبية للشعار، لما لها من دلالة كبيرة تعكس واقع حياتنا اليومية بما فيها من مطبّات وتقلّبات و”طلعات ونزلات”، مع الحفاظ على اللّون الأزرق العريق وعلى وعدنا الثابت منذ ٤٨ سنة وهو “كلمتنا كلمة”.
أمّا الإنجاز الثّاني، فهو قيام آروب لبنان بتأسيس شركة شقيقة في دبي وهي “آروب سوليوشنز” دورها تقديم حلول تأمينية رقمية على غرار “دوزي” في لبنان ومصر، لشركات تأمين أخرى في الإمارات.
نتطلّع في آروب، إدارةً وفريقاً، للعام ٢٠٢٣ بنظرةٍ جديدة وبإنطلاقة قوية لآروب ملؤها التفاؤل والنّشاط، كونها شركة رائدة، وابتكارية ومحطّ ثقة لشركائها من شركات إعادة عالميّة وآلاف العملاء، من شركات وأفراد، في لبنان.