الرؤية الاستباقية من شأنها ان تحصننا من المخاطر التي قد تنشأ مع الأزمات والتحديات. لطالما تسلّح الدكتور مازن أبو شقرا، المدير الإقليمي لشركة Gen Re لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق المتوسط، بتلك الرؤية محلّلاً الاوضاع الاقتصادية والعالمية وانعكاساتها على قطاع التأمين، الذي يراه مكشوفاً لحالة عدم اليقين (uncertainty) التي ولّدتها الظروف الحاكمة، ناقلةً ايّانا تدريجياً من العولمة الى اللاعولمة ومن المركزية الى اللامركزية. انطلاقاً من هنا يدعو الدكتور ابو شقرا الى تعاضد الهيئات الحكومية مع شركات التأمين للتمكّن من محاربة الأخطار العالية المستوى المفرّعة بين حروب واوبئة وكوارث وانتهاكات سيبرانية. رغم تلك المخاطر تنعم الشركة بالاستمرارية والمثابرة رغم الظروف ونقل العمليات الإقليمية الى مكاتبها في دبي وباريس.
* كيف يتلقى قطاع اعادة التأمين عالمياً تداعيات الأزمات الحاصلة على كافة المستويات لا سيما الجيوسياسية والاقتصادية؟
يواجه قطاع اعادة التأمين بشكل عام تحديات كبرى تتوزّع على مستوياتٍ عدة، فتراه يتأثر بالحرب الروسية-الأوكرانية والتضخّم وتداعيات جائحة كورونا والتبدّل المناخي والحروب السيبرانية المتنقّلة بين الدول، بحيث تحوّلت الأخطار والانتهاكات السيبرانية لتصبح دولية لا تنحصر بالأفراد فقط بل بالمنظومات والحكومات ايضاً. كل هذه التحديات تصوّب قطاع اعادة التأمين نحو حالة عدم الاستقرار واليقين الممزوجة بالتقلبات المتزايدة بفعل تمركز الأخطار في المناطق المكتظة من العالم، مما يساوي تمركز الخسائر في أماكن محددة وشديدة الكثافة، الاّ ان تغيّر المناخ بدّل نقاط التمركز تلك وبالتالي انتج تقلبات اضافية. حالة عدم اليقين من شأنها أن تولّد تشدداً وارتفاعاً في الاسعار وذلك بهدف التمكّن من دفع المطالبات الناجمة عن الأخطار والخسائر. أما في ما خص الحرب الأوكرانية-الروسية، فالعديد من شركات التأمين والاعادة شرعت بإعادة النظر في ملاءتها وقدراتها على تغطية مخاطر وخسائر الحروب.
اضف الى كل ذلك، انتقالنا من نظام العولمة الى “تفكيك العولمة”، والمعيارالمحاسبي الجديد IFRS١٧ وزيادة حجم الضرائب وغيرها. كل هذه العوامل تنمّي اللاثقة بين الدول وتفرض واقعاً ضبابياً وبيئة جديدة لاكتتاب الأخطار التي نشأت انواعاً مختلفة منها. لم تتزامن هذه الأزمات يوماً كما هي عليه في السنوات الأخيرة، مما يفرض علينا تطلّعاً رؤيوياً مختلفاً وتنبّهاً شديداً لمتابعة العمل والسير في وتيرةٍ طبيعية وتحويل تلك التحديات الى فرص جديدة.
* كيف تتصدّى شركات اعادة التأمين الكبيرة لتزامن كل هذه الأزمات؟
أجمع معيدو التأمين على لزوم تغيّر الاسعار، فإمكانية شركة اعادة التأمين وملاءتها وقدرتها على الاكتتاب هي مقياس لكيفية تعاطي هذه الشركة مع المخاطر التي يجب التخفيف من حدتها الى جانب رفع الاسعار. كما يجب التنبّه الى طبيعة ومكان الاخطار المؤمّن عليها للتمكّن من اكتتابها بطريقة فاعلة. هنا تكمن أهمية تحليلات البيانات التي برزت خلال جائحة كورونا، ولكن في منحى آخر لم يعد بإمكاننا الاعتماد على مسلّمات ومعلومات واضحة وثابتة، اذ أنّنا في حالة تطوّر دائم متسابق مع الزمن مما يعيق التوقّع بالمستقبل والأحداث وبالتالي ينتج حالة من عدم الاستقرار التي تُحدث انشقاقاً بين الماضي والحاضر والمستقبل. في هذا الاطار، أريد ان أثني على احدى الايجابيات التي أثمرتها جائحة كورونا، وهي التسريع في التحول الرقمي التكنولوجي الذي اخرج قطاع التأمين من التقليدية الى حدٍ بعيد.
* الى جانب الشق التكنولوجي، ما الذي استقيتموه من الجائحة كشركة اعادة تأمين متخصصة في مجالي الحياة والصحة؟
بحكم أن بعض حكومات الدول تكفّلت بتكاليف العلاج ضد الوباء، انخفضت الفواتير الاستشفائية. التأمين الصحي اذاً تأثر ايجاباً بعض الشيء بهذه المعطيات فيما أن تأمينات الحياة تأثرت بصورة مخالفة. هناك لغط بربط تأمينات الحياة والصحة بالأوبئة الاّ أن هذه الأخيرة أثرت على خطوط تأمينات أخرى مثل الحوادث والممتلكات. تجارب الماضي علّمتنا انه يمكن لكارثة واحدة أن تضرب كل فروع التأمين دون استثناء، كذلك علمتنا جائحة كورونا اننا يجب ان نكون على جهوزية لاستقبال الكوارث إن حلّت. من وجهة نظري، أرى ان مواجهة الحروب والاوبئة والكوارث تستوجب تحالف عدة اطراف ليس فقط على مستوى التأمين بل ايضاً الحكومات والهيئات العليا والصناديق، من المفترض أن يكون نظامنا اللأيكولوجي مهيّئاً ومتكاملاً ومستعدّاً للتكيّف مع المستجدات والتقلبات.
* كيف يتجلّى دور شركات التأمين في مكافحة الأخطار السيبرانية الدولية؟
هناك تقسيم للأخطار السيبرانية في ما بين شركات التأمين التي لا يمكنها وحدها تحمّل اخطار سيبرانية هائلة ان حدثت. واعتقد أن هذا النوع من المخاطر يتكاثر بشكلٍ مخيف في المرحلة المقبلة. مع ذلك لا نزال نجهل حقيقة وطبيعة هذه المخاطر تفصيلياً. من المفترض أن ينشأ تعاون بين شركات التأمين والسلطات العليا للتمكّن من مكافحة هذه المخاطر التي ستزداد حتماً وعلى مستوى عالٍ.
* ما ابرز انجازات الشركة للعام ۲۰۲۲؟
كانت مرحلة انتقالية للشركة على محيط منطقة الشرق الأوسط، حيث افتتحنا مكاتبنا في دبي – DIFC وقد نجحنا في هذه العملية بدليل علمنا من معظم شركائنا في المنطقة أنهم لم يشعروا بهذه النقلة مما يعطينا دفعاً لاستكمال مسيرتنا. لم نتوقّف يوماً عن الايمان بهذه المنطقة كأرضٍ صالحة للعمل والاستثمار والفرص المستقبلية، وسنثابر على هذا الاستثمار في الموارد والطاقات لمواكبة التغيّرات السائدة. هناك دائماً تواصل بين هيئات الرقابة وشركات التأمين، بحيث برز القطاع كقاعدة اقتصادية رئيسية محركة لعجلة النمو. كما ان تصوّرات العام ۲۰۳۰ تتسم جميعها بالايجابية من خلال اداء القطاع الخاص وردود فعل الهيئات الحكومية في معظم دول الخليج وغيرها من البلدان العربية.
ننظر بعين التنبّه والحذر للعام ۲۰۲۳ المترافق بالتضخم الذي يضلل مسار قطاع التأمين، هذا العام سيتّصف بالتحدي الى حدٍ كبير. مع كل تحدي تكمن فرص جديدة نتطلع دائماً اليها بإجابية.