عمر الأمين

صدارة مطلقة ممزوجة بالمسؤولية الضرورية

«لا تتبع الطريق حيث قد يقودك المسار، اذهب بدلاً من ذلك حيث لا يوجد مسار واترك آثاراً»، هذا القول لرالف إيمرسون يسوغ لنا بحث السيد عمر الأمين، الرئيس التنفيذي لمجموعة أورينت للتأمين، الدائم عن المسارات الجديدة التي يقود من خلالها الشركة الى قمم النجاح حيث تترك آثارها. ادارته الحكيمة قادت الشركة للحصول على أعلى التصنيفات محلياً وخارجياً من أهم وكالات التصنيف العالمية. هذا التصنيف المتميّز للشركة لم يأتِ من العدم، بل من نتائج فنية وأرباح تفوّقت من خلالها على منافسيها. ارتفاع اسعار الفوائد والسياسة الصلبة، تمنح السيد الأمين تفاؤلاً بعامٍ جديدٍ مليئٍ بالايجابية والنمو المتزايد الممزوج بالسؤولية التي غابت عن ادارة بعض الشركات موديةً بها الى الخسائر الفادحة.

رغم كل ما يجول في العالم من مصاعب وتحديات، تبدو الامارات كما لو أنها منفصلة عن العالم متمتّعةً بوضعٍ مستقرٍ وسليم داعمٍ للتوسع والنمو.

 

تتكاثر الاحداث في العالم مؤخراً شاملةً الحرب الروسية-الأوكرانية، التضخم، انقطاع سلاسل التوريد، ارتفاع الأسعار، تراجع اسعار الأسهم وغيرها. كيف تؤثر مجمل هذه الأحداث على قطاع التأمين؟

تؤثر هذه الاحداث بشكلٍ شديد على العالم عموماً وقطاع التأمين خصوصاً، اذ بالنظر الى نتائج شركات التأمين في السوق العالمي، نجد انخفاضاً كبيراً في حجم استثماراتها المركّزة في سوق الأسهم والسندات التي انحدرت قيمتها بفعل ارتفاع اسعار الفائدة. انعكست هذه التقلبات دون شك على الشركات ونتائجها بما فيها الفنية، بحيث تأثرت بعض كبريات شركات اعادة التأمين العالمية سلباً بالإعصار الحاصل في الولايات المتحدة.

أما على صعيد الامارات، فالوضع ممتاز كما لو اننا منفصلين عن العالم، والسبب يعود الى عوامل عديدة، منها ارتفاع اسعار البترول التي وفّرت مداخيل اضافية، عودة السياحة الى دبي، استفادة هذه الأخيرة من الاوضاع العالمية المضطربة عبر دخول عدد كبير جداً من المستثمرين والتحسّن غير المسبوق في قطاع العقارات. كل هذه الاحداث تُوحي ببشائر جيدة وهذا مردّه للسياسة الحكيمة والقيادة الرشيدة للبلد مما جعلنا نُحسد على وضعنا الممتاز. لكن بعض شركات التأمين تشهد انحداراً في نتائجها الفنية، الاّ ان السبب يتعلّق بالسياسة الداخلية الخاصة بكل شركة وليس بالاقتصاد، بدلالة النمو الكبير في حجم الاقساط محلياً. تلعب المضاربة على الاسعار دوراً اساسياً لاسيما في مجالي التأمين الصحي والسيارات اللذين يشكلان نسبة ٧٥٪ من اقساط التأمين الاجمالية، مما يسوغ تراجع النتائج الفنية وانحدار اسعار وثائق السيارات الى ما دون الحد الأدنى المطلوب لمقابلة الأخطار. أعتقد أن هذه الشركات المتأثرة سلباً، تحصد ما زرعته من سياساتٍ اكتتابية متهورة. انطلاقاً من ذلك، اتمنى على الشركات وضع سياسات اكتتابية واقعية واقية من الخسائر وأن يكون العام ۲۰۲۳ أفضل بكثير من سالفه حيث انعكست صعوبة الوضع جلياً على نتائج بعض الشركات.

على سبيل المثال، احرزت أورينت للتأمين نصف ارباح السوق الفنية اي ما يوازي ٤۸٪، نفخر حتماً بنتائجنا وبسياستنا التي اثبتت صحتها، ولكننا في المقابل نقلق من اوضاع السوق التي تنعكس عامةً على كافة الشركات.

قطاع التأمين كان يشهد بعض الضوابط والتدخلات لا سيما في الأسعار أيام ما كان خاضعاً لإشراف هيئة الرقابة. اليوم وقد أصبح تحت مظلة المصرف المركزي، هل يشهد تدخّل الهيئات الرقابية؟

يجب ان تتحلى شركات التأمين بالمسؤولية وبالحس الرقابي دون انتظار تدخّل الهيئة الرقابية في أدق امورها. ضوابط الاسعار تحدد الحد الأدنى والحد الأقصى، رغم ذلك يبقى هناك عدة طرق للتحايل والتلاعب في هذه الاسعار. أنا اناقض دخول بعض الشركات في تحالفاتٍ هادفة لرفع الاسعار، نعم من حقها التماشي مع وضع السوق ولكن عليها تحديد اسعارها بطرقٍ اكتوارية سليمة تهدف للربحية. لو أن هذه الطرق اتُبعت منذ البداية لما وصلت هذه الشركات لما هي عليه اليوم.

هل النتائج السلبية لبعض هذه الشركات تدفعها نحو الدمج؟

أرى اتجاه نحو التحالف لرفع الاسعار وليس للدمج، في هذا الاطار، تقوم جمعية الامارات للتأمين بالتحقق من هذا الموضوع الذي يُنتج حالة من الاحتكار. أعيد وأؤكد على وجوب تحلّي هذه الشركات بالمسؤولية الكافية وان تتّبع توصيات الاكتواريين الذين عادةً ما يطرحون اسعاراً فنية واقية من الخسائر.

ماذا لو استمر الوضع على حاله؟ الى أين يمكن أن تصل الأمور؟

النتائج ستكون سلبية دون شك بحيث سيتدهور رأسمال الشركات التي ستضطر لتغطية تكاليف خسائرها فتتأثر بذلك ايضاً ملاءتها المالية، فتراها تضطر لضخ مزيدٍ من الأموال من المساهمين بهدف رفع رؤوس أموالها لمقابلة الخسائر، وهذا الوضع لا يرضي طبعاً أياً من المساهمين بشكلٍ اساسي. نتيجة تلك الممارسات، بدأت بعض الشركات الوصول الى هذه النقطة، لكن أتمنى أن تبدّل الشركات المتبقية سياساتها كي لا تصل للنقطة ذاتها.

هل أن المعيار الجديد IFRS١٧ قادر على اكتشاف كل تلك الممارسات؟

المعيار الجديد لا يتدخّل في آلية التسعير الخاصة بالشركة وانما يتبع طرق معيّنة لاحتساب الاقساط والمطالبات والاحتياطات. حتى ان المعيار ٤ يحدد بوضوح والمتطلبات التي تنأى بالشركة عن الخسائر، كما انّ سياسة التسعير والاحتياطات تندرج في السياسات الاكتتابية للشركة. ان لم تتبع هذه الأخيرة الأسس السليمة لتحقيق الأرباح سيظهر ذلك بوضوح عبر نتائجها السلبية.

تحقق الشركة نمواً مستداماً ظاهراً في الأرباح العالية. كيف تصفون وضع الشركة اليوم محلياً وخارجياً؟

على المستوى المحلي، نحتل المرتبة الأولى ضمن شركات التأمين في الامارات، أما الشركات الصغيرة فلا يمكن مقارنتها بشركتنا. تبوّأنا هذا المركز منذ سنواتٍ عديدة على مستوى الأقساط والأرباح الفنية والسيولة والدخل الاستثماري حيث يتجاوز اجمالي استثماراتنا حالياً الستة مليارات درهم وسوف تزداد بفعل ارتفاع اسعار الفوائد المتزايد أكثر فأكثر. نتربع على عرش التأمين ونحن في موقع نُحسد عليه من قبل المنافسين. تدنت اسعار الفائدة في السنوات السابقة الى ما دون الـ۱٪، لكنها اليوم باتت تقارب الـ ٦٪ دون الزيادات المرتقبة. بذلك نتوقّع أن يكون دخل استثماراتنا عالي جداً في العام ۲۰۲۳ لاسيّما وأن حجم السيولة لدينا بلغ المليارات درهم، الرقم غير المتواجد لدى باقي الشركات في سوق التأمين ولا حتى ما يقاربه. لا شك ان الزيادة بأسعار الفوائد ستنعكس ايجاباً على نتائجنا بعد معاناة دامت عدة سنوات بأسعار فائدة شديدة الانخفاض. رغم ذلك حافظنا على مستويات نمو ممتازة من الدخل الاستثماري مقارنةً بباقي الشركات.

ناهيك عن انّ ارباحنا الفنية تشكّل كما ذكرت ٤۸٪ من ارباح السوق وقد تجاوزنا ۳٧٪ من صافـي الأرباح الاجمالية للسوق. هذا انجاز كبير نعتزّ به.

أما على المستوى الخارجي، فأداء الشركات العامً في كل الاسواق خلال العام ٢٠٢٢ بدا أفضل من العام ٢٠٢١ ومن كافة النواحي: الاقساط، الأرباح، الاعمال… قد نكون قد شهدنا هبوطاً ضئيلاً في تركيا بسبب التضخم وتدني قيمة العملة حيث اصبحت تكلفة المطالبات أعلى. نتيجةً لذلك، حققت الشركة هناك ٤۰ مليوناً كأرباح في الـ ۲۰۲۱ مقارنةً بـ۳۰ مليوناً في الـ ۲۰۲۲، لكن هذا التراجع لن يؤثر على اجمالي ارباح وأرقام الشركة التي تشير بنتائج طيّبة على صعيد المجموعة.

ألا تحفّزكم هذه الكتلة النقدية الهائلة التي تحوونها الى الإقدام على مشاريع جديدة من الاستحواذ أو الدمج أو الانتشار؟

لا نجد حالياً في السوق ما يجذب اهتمامنا للقيام بمثل هذه المشاريع باستثناء عدد قليل من الشركات، فأغلب شركات التأمين المحلية تحقق اليوم خسائر فنية وأغلب المحفظات التأمينية تنقسم بين تأمين طبي وسيارات. لدينا كشركة رخصتين في الامارات، واحدة لأورينت والأخرى تكافل، وبالتالي لا نحتاج الى رخص اضافية، ناهيك عن أن اقساطنا زادت بحوالي ٧٥۰ مليون درهم حتى الربع الثالث من ۲۰۲۲ وتصل الى مليار درهم في نهاية العام. وبذلك يُطرح السؤال: ما القيمة المضافة التي قد يقدّمها استحواذنا على شركة مجمل اقساطها لا يتعدى الـ۳۰۰ مليون درهم؟! لا أرى أية فائدة من هكذا شروع ولا أية جدوى اقتصادية. الشركات التي ممكن ان نتطلّع اليها هي الشركات الضخمة ولكن قد لا يكون لدينا القدرة الكافية لشراء احداها.

ماذا تتوقعون من العام ۲۰۲۳؟

متفائلون بهذا العام لا سيما واننا نستند على اساسات متينة برزت من خلال حصولنا من شركة Standard & Poor’s على أفضل تصنيف على مستوى المنطقة حيث لم تحصل اية شركة على هذا التصنيف العالمي، بل على العكس تم تخفيض تصنيف بعض الشركات الكبرى على الصعيد الاقليمي. بالاضافة الى انّ بحوذتنا تصنيف +A من وكالة AM Best، التصنيف الذي لم تتمكن أية شركة من اكتسابه. استطعنا تضمين هذا التصنيف لشركاتنا الأخرى : تكافل الامارات وتكافل مصر، فبات لديهما افضل تصنيف قد يُمنح على الاطلاق لشركة تكافلية.

أنا شديد التفاؤل بالعام الجديد لعدة اسباب، منها وضعيتنا الممتازة في السوق، حيث حققنا نمواً مرتفعاً في الاقساط بلغ الـ ٦ مليار درهم مقارنةً بـ٥ مليار في العام الفائت، اضافةً الى أن ارتفاع الفوائد سيعود علينا بدخلٍ استثماريٍ كبير جداً. كل هذه المعطيات تجعل من مكانتا في سوق التأمين صلبة ومستقرة، ونحن على تطلّع دائم نحو تحسين النتائج وزيادة النمو والدخل الاستثماري.

 

 

 

 

 

Comments are closed.