بعض الانفراجات تلوح في سماء لبنان، هذا ما أوضّحه السيد بيار فرعون، المدير التنفيذي لشركة Libano Suisse Insurance، متحدّثاً عن رحلة الخروج من الازمات المتعاقبة التي ارهقت لبنان ومواطنيه وعملائه وبدء الدخول في نور اضمحلال بعض الحوادث. وسط كل الشدائد برز قطاع التأمين كحامٍ داعم لكل من هُدرت حقوقه، وافياً بكل التزاماته التي عهد بتنفيذها. من هنا اكتسب القطاع والشركة ثقة كبيرة جاذبة، حيث حافظت هذه الأخيرة على علاقاتها وعملائها رغم تحوّلها نحو سياسة القبض بالدولار النقدي التي لم تعق النمو الكبير التي تطمح الشركة الى تحقيقه في العام ۲۰۲۳ بالتزامن مع توحيدٍ لكل شركات المجموعة الموزعة مناطقياً على ثماني دول.
* ما الاسباب التي ساهمت في صمود قطاع التأمين وسط كل الازمات التي اجتاحت القطاعات المالية وازدياد ثقة المواطنين به؟
اهم ما اكتسبه القطاع خلال هذه الفترة الصعبة هي الثقة التي تزايدت مع تزايد وفاء القطاع بالتزاماته تجاه العملاء الذين عانوا من ظروفٍ قاسية توزّعت بين كارثة انفجار المرفأ الذي دمّر جزءاً كبيراً من العاصمة بيروت وجائحة كورونا التي اطاحت بالكثيرين والتدهور الاقتصادي الذي اضعف المواطنين، وغيرها من المشاكل التي صغُرت أمام الحوادث الضخمة التي يواجهها اللبنانيون. وسط كل تلك الأزمات، وحينما وجد المواطنون انفسهم وحيدين دون سندٍ أو هيئة عليا ضامنة، برز قطاع التأمين كجهةٍ حامية لهم ولحقوقهم التي هُدرت في القطاعات المالية الأخرى. شركات التأمين وقفت جنباً الى جنب عملائها عبر دفع المطالبات دون اي نقصٍ، بما فيها تغطيات الاستشفاء والممتلكات وحوادث السير وحادثة انفجار المرفأ الذي يُعد أكبر كارثة في تاريخ لبنان والذي تزامن مع اصعب سنة. رغم ذلك، استطاعت الشركات الضخمة والمتينة بما فيها شركتنا من مساندة عملائها وتقديم التسهيلات. وقد انتهينا اليوم الى حدٍ كبير من تسديد مطالبات الانفجار.
* هذه الثقة ساهمت في تسهيل عملية انتقال قطاع التأمين الى القبض بالدولار النقدي. ما رأيكم؟
معظم العقود التأمينية في لبنان تمتد لمدة عامٍ واحد، كاتفاقيات فرع السيارات والصحة وغيرها. يجب التذكير أن القاعدة الاساسية للتجارة مبنية على تبادل الأموال، لذلك فإن هذه القاعدة يجب أن تتمتّع باستقرارٍ ولو قصير الأمد. الأزمة الاقتصادية المالية كانت حادة لدرجة انه لم يعد بإمكاننا التنبؤ بسعر صرف الليرة اللبنانية المتأرجحة بين يومٍ وآخر. عقب ذلك، اضطررنا للتوجّه نحو سياسة الدولار النقدي لضمان الاستقرار لاسيما لمطالبات البوالص التي قد يستغرق حلها وقتاً طويلاً. لكن لحسن الحظ استطاع العملاء تقبّل هذا التحوّل لتفهّمهم صعوبة الوضع السائد ومقاربته الى الواقع وللحفاظ على حقوق جميع الفرقاء. نتيجةً لذلك، انعكست بعض المعادلات، فانخفضت اسعار التأمين الصحي بنسب متفاوتة، وتأمين المركبات ايضاً نظراً لتراجع عدد الحوادث والى ما هنالك.
اضحت آلية القبض بالدولار النقدي حاجة ملحّة بالنسبة لاتفاقيات التأمين لا سيما وان الشركات هي التي تتحمّل مسؤوليات المطالبات والتغطيات والتحويل لمعيدي التأمين.
لا شك أن الوضع في لبنان تفاقمت حدّته، لكن الوعي التأميني الذي يتمتع به المؤمّنين اليوم والمستهلكين عامة سهّل هذه الآلية نظراً لاعبتار التأمين حاجة أساسية. فجاءت النتائج على مستوى اعلى من توقعاتنا وسررنا باندفاع العملاء للمحافظة على تأميناتهم التي تشمل وتضمن المنازل والصحة والسيارات، والتي تعدّ اهم ما يملك الانسان.
* ما هو حجم الخسائر التي تكبّدها قطاع التأمين عموماً والشركة خصوصاً في عملية الانتقال الى القبض بالدولار النقدي؟
لا شك ان المحفظة التأمينية تضاءلت من جراء عوامل عدة اذكر منها: هجرة المواطنون التي تخطت معدلاتها الطبيعية، تراجع في القدرة الشرائية بشكل متفاوت بين المواطنين، وغيرها من العوامل المحيطة المؤثرة بطريقةٍ مباشرة وغير مباشرة على قطاع التأمين. مع ذلك، هذا التضاؤل لم يؤثر سلباً على محفظتنا التأمينية التي ما زال عدد المؤمّنين لدينا يقارب عدد السنة الماضية أي ٢٠٢١. ويعود هذا العامل الإيجابي الى امتيازنا كشركة بتنوّع في الاعمال والاطراف المؤمّن عليها والى السياسة السليمة التي اتّبعناها في التحوّل نحو الدولار النقدي وفي الوقوف الى جنب هؤلاء العملاء في اشد الصعاب وفي وقت غيابٍ تام للجهات الحكومية المسؤولة، مما خفف وطأة الانعكاسات السلبية علينا. وهذه السياسة زادت اقبال المواطنين على قطاع التأمين عامةً وعلى شركتنا خاصةً حيث واظبنا على الوفاء بالتزاماتنا. هذه الثقة هي المفتاح الأهم لتطوير الاعمال ولجذب عملاءٍ جدد والمحافظة على عملائنا القدامى الذين نبادلهم الوفاء. وبالمناسبة، نتمنى أن يستعيد البلد نشاطه الاقتصادي وأن تعزز المصارف نشاطها المالي والتجاري الذي يتمثل جزء منه ببرامج القروض التي تعود بالفائدة على كلّ القطاعات لاسيما التأمين منها.
* تشير بعض التطورات الى احتمالية اعادة هيكلة قطاع التأمين. ما هو تصوّركم لهذه الاعادة؟
بدأ قطاع التأمين اللبناني بتبنّي المعيار الجديد IFRS١٧ الذي بات مطلوباً في كافة بلدان العالم بما فيها الدول الثمانية التي نتواجد فيها والتي تعطي مهلاً محددة للتطبيق سيكون اقصاها بدايات العام ۲۰۲۳، اما في لبنان قد تكون المهلة اطول قليلاً. هذا المعيار يستند على مبدأ المخاطرة الذي سيُفرض على الشركات التي يجب أن تتمتّع بملاءة مالية وافية لتسديد المطالبات وتشكيل رأسمال واحتياطات كافية لتغطية المخاطر التي تتخذها.
وبالنتيجة فإن الشركات القادرة على استيفاء الشروط ووضع الاحتياطات ورؤوس الأموال اللازمة ستتمكّن من الاستمرار في اعمالها وتطويرها في وقتٍ لاحق. أما الشركات غير القادرة، فستضطر للتوجه نحو الاندماج أو استنباط حلولٍ جديدة محاكية لوضعها.
اما على صعيد شركتنا فنحن لا نواجه اية مشاكل في هذا الخصوص، خاصةً واننا نمتاز بصلابة جامعة لمجموعة شركاتنا المتواجدة في باقي الدول وبربحية ممتازة تسهل علينا الامور. نحن نعمل على تطبيق المعيار الجديد تدريجياً بكل حذافيره ولقد بدأنا بتطبيقه في عدة بلدان لنصل الى تطبيقه كلياً قبل نهاية المهلة المحددة دون شك.
* قد يدخل لبنان قريباً دائرة البلدان النفطية. كيف يمكن لقطاع التأمين التحرّك في هذا النطاق؟
لخطوط الاعمال المتعلقة بالنفط شروطها وخبراتها وتنظيمها وحرفيتها الخاصة. من هذا المنطلق، قد تدخل بعض شركات التأمين هذا الميدان وقد يبقى البعض الآخر خارجه، لكن دون شك ستنشأ علاقات جديدة مع معيدي التأمين والخبراء للتمكّن من تغطية هذا القطاع. سيتبيّن ويتوضّح هذا الموضوع اكثر في مدار العام ۲۰۲۳ وسيتم تنظيمه وفق المعطيات، وتحديد ما اذا كان سيتمّ التأمين عليه من قبل شركات لبنانية أو أجنبية.
إن دخول لبنان في دائرة البلدان النفطية سينعش الاقتصاد اللبناني عامةً وقطاع التأمين اللبناني خاصة إن كان من جهة الأعمال التأمينية المتعلقة بالنفط والتأمينات العامة والحياة كازدياد الطلب على تأمينات الممتلكات والصحة والتأمينات التقليدية عموماً التي ستلاقي طفرةً ملفتة. كشركات نحن على استعداد لهذا الجديد الذي قد يطرأ ونرحّب به.
* في السياق ذاته، هل تشجعون فكرة انشاء تجمّع أم تفضلون الأعمال المستقلة للشركات؟
لا يمكنني استباق الامور والاجابة في ظل غياب التفاصيل والمعطيات الدقيقة التي تسمح لي بتقييم الوضع. لكن موضوع التجمّع يتطلّب دراسة معمّقة مبنية على تقارير ومعلومات موثوقة فيُبنى على الشيء مقتضاه. ارى أنه من المفترض ايجاد ومناقشة حلول واضحة وشفافة وايجابية ومتوازنة تقي الشركات من المخاطر وتصب اخيراً في صالح قطاع التأمين وتدعم تطويره نحو الافضل، لا سيما وأن القطاع النفطي غني جداً ويمكن ان يدرّ بالارباح والفائدة على الشركات إن تم العمل به واستغلاله بطريقةٍ صحيحة ومدروسة وموجّهة. كما ذكرت، هذا النوع من التأمينات يتطلّب وجود شركات مليئة ومتينة قادرة على تحمّل المخاطر وتغطيتها دون تحقيق الخسائر الفادحة. كل هذه الامور ستتوضّح اكثر مع الوقت، لا تزال الخارطة مبهمة ولا تزال الانباء غير مؤكدة، لذلك لا يسعنا البدء بخطواتٍ سابقة لأوانها.
* ما هي ابرز اعمال وانجازات الشركة للعام ۲۰۲۲؟
نتمتّع بوجودٍ اقليمي ممتاز متوزّع على ثماني دول في المنطقة، ونعمل دون كلل على اصطياد فرص التوسع والتقدم. لكننا نهدف في الوقت عينه الى التطوير الداخلي الى جنب التوسع الخارجي، خاصّة أنّ الشركة تتمتّع بخبراتٍ لافتة وكوادر مميزة قادرة على توصيل العمل الى اعلى درجات الحرفية. هذه الخبرات تلعب دوراً رئيسياً في ضمان استقرارنا في خضم الأزمات التي يمر بها لبنان.
انشأنا خلال العام ۲۰۲۲ شركة في العراق تدعى “دار الأمان” تابعة لمجموعة Libano Suisse Insurance، وقد بدأت بالعمل فعلياً، ونحضّر في هذا الاطار الى الافتتاح الكبير قريباً. تسير أعمال هذه الشركة بانتظام وبوتيرةٍ جيدة، حيث بدأنا باتفاقيات التأمين العام والطبي والمركبات. أما في مصر فنحن نستكمل نموّنا لا سيما وأن السوق المصري يزدهر بصورة ملفتة وهو من الأسواق الأكثر وعوداً بأعمالٍ موسّعة ووفيرة. كذلك الأمر في الكويت وقطر ودبي حيث نحقق النمو. باختصار، استطاعت الشركة بصورة شاملة زيادة نموها ونشاطها في الدول حيث تتواجد، بالاضافة الى النتائج الجيدة التي حققتها الشركة مع شركة Delta Jordan في الاردن خلال العام.
* ما هي توقعاتكم للعام ۲۰۲۳؟
قبل التطرق الي توقعاتي للعام ٢٠٢٣، لا بد أن نلقي نظرة الى العامين السابقين ٢٠٢١ و٢٠٢٢ اللذين كانا حافلين بإدارة ملفات الأزمات الخارجة عن إرادتنا. ولا بد أن ننوه بالعمل الجبّار والإدارة الحكيمة والممتازة التي قمنا بها إن كان من جهة ملفات أزمة مرفأ بيروت أو جائحة كورونا أو ارتدادات عجز الدولة عن سداد الديون أوالتحول الى الدولار النقدي… والتي استغرقت وقتاً طويلاً لإنجازها. أما اليوم، وقد بدأنا نخرج من هذه الدائرة، فنحن نتابع ونستعيد في آن معاً الوتيرة الطبيعية لتطوير أعمالنا في الداخل والخارج.
نسعى في العام ۲۰۲۳ الى تحقيق نموٍ عالي جداً ولدينا أرقاماً طموحة سنعمل على بلوغها. بالاضافة لسعينا الى انشاء رابطٍ موحّد بين كل شركاتنا في المنطقة بما في ذلك توحيد بوالص العملاء من الجنسية ذاتها الموزعين في مختلف البلدان. كما ونعمل على متابعة التطور في المجال الرقمي وتطبيقه بشكلٍ أكبر لتسريع العمليات ورفع جودتها.
وأخيراً وكما في نهاية كلّ عام، أتوجّه بالشكر الى فريق مجلس الادارة وطاقم العمل اللذين شاركا في ادارة الحوادث التي حلّت والتي عادةً ما تحدث في غضون عقودٍ طويلة، بشكلٍ محترف ومتقن، واللذين يقدمان الدعم أيضاً في كافة المجالات والمبادرات الأخرى، آخذين دائماً في عين الاعتبار المحافظة على رضا العملاء والشركاء والأطراف المعنية.
Comments are closed.