تشكّل التحديات جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليومية، غير أنّ العديد منها من صنع الانسان ومستورد من الخارج كما وصفها معالي الدكتور جمعة بن علي آل جمعة، الوزير السابق لوزارة القوى العاملة العمانية ورئيس مجلس ادارة الشركة العمانية لإعادة التأمين «عمان ري». هذه التحديات التي لا يمكن معرفة قيمة النجاح من دونها، وهي تتمثّل على هيئة صراعاتٍ وحروب مدمّرة للبشرية رغم أنه من المفترض أن يكون الانسان هو محور الكون ومتنعّم بالرفاهية التي من واجب الوطن تأمينها. التوقعات بالتعافـي الاقتصادي لم تطابق بنظر الدكتور جمعة الواقع بسبب تلك الصراعات الهادفة للسيطرة وتثبيط النمو في عددٍ من الدول العربية رغم أنّ بعضها يقف في صدارة هذا النمو مما يجعلها تدخل في تكتّل مجموعة دول البريكس، والذي يؤدي دوراً ايجابياً وفقاً لرأي الدكتور جمعة. الايجابية طالت ايضاً شركة عمان ري التي تسير في منحى متطور من النمو والاستقرار والنجاح، وقد يكون النجاح أفضل فيما لو تحققت توقعات التعافـي الاقتصادي.
* ما هي قراءتكم للوضع الاقتصادي للعام ٢٠٢٣ بعد كل التطورات السياسية الحاصلة؟
توقّعنا أن ينتقل الاقتصاد العالمي الى مرحلة التعافـي بعد مضي جائحة كورونا، غير أنّ أحداثاً أخرى من صنع البشر حالت دون تحقيق هذا الانتقال وثبطت النمو الاقتصادي، بما في ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي انعكست سلباً على غالبية القطاعات الاقتصادية، على الرغم من أن هنالك بعض القطاعات تأثرت ايجاباً بها. بالاضافة الى بروز الميول نحو التكتلات غير الاقتصادية المبنية على التوجهات السياسية والعسكرية، وانطلاقاً من ذلك فإن الشركات العاملة في هذه القطاعات هي التي شهدت الانتعاش الاقتصادي جراء عمليات انتاج وتجارة الأسلحة. في المقابل شهدت القطاعات الأخرى بعض الضغوطات بما فيها قطاع التأمين حيث زادت المخاطرة مما أدى الى رفع أسعار أقساط التأمين، عقب زيادة التكاليف، غير أنّ حجم الأعمال كان محدوداً.
الوضع الحالي القائم في فلسطين ولا سيما في قطاع غزة، حيث الوضع يلتهب وتغيب المبادرات واضحة المعالم لوقف القتال بغض النظر عن طموحات كلا الفريقين في تحقيق أهدافهما، خاصةً الطرف الاسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة ودول الغرب. نتمنّى أن ينحسر الوضع وألاّ يزداد توسّعاً فتنضم جهاتٍ اضافية لوقف النزاع عبر إجراءات أمميّة فعالة في خضم الصمت الدولي المستمر والإبادة والقسوة والإجرام في حق الفلسطينيين في غزة. هذه الأحداث تنعكس دون شكّ سلباً على العالم بصورة عامة وعلى قطاع التأمين وإعادة التأمين بصورة خاصة.
* في اطار التكتلات، برز في العام ٢٠٢٣ موضوع تكتل دول البريكس الذي كان يقتصر على خمس دول ثم ما لبث أن تم رفع عدد الدول المنتسبة لتشمل أيضاً الدول العربية وجنوب أفريقيا. هل دخل العالم مرحلة الدخول في صراعات التكتلات الاقتصادية القائمة على الصناعات الكبرى؟
مجموعة البريكس متواجدة منذ فترة طويلة، لكنها برزت مؤخراً عقب اضمحلال التكتلات الاقتصادية السياسية الأخرى وبقائها الرمزي. الأمر الذي دفع الدول الأخرى للبحث عن بديل في دولٍ قابلة للنمو مثل الهند والصين والبرازيل والسعودية والامارات ومصر وجنوب أفريقيا، وتشكيل تكتّل داعم للتعاون والنمو الاقتصادي بين هذه الدول التي تقف في صدارة هذا النمو. فالسعودية مثلاً تطرح خططاً اقتصادية تنموية جريئة وتحقق أهدافها، كذلك الامارات التي تتمتّع برؤيةٍ واضحة ونموٍ اقتصادي تحقق انجازاتٍ عديدة في ميدانها، مما خوّلها الدخول في هذا التكتّل. ناهيك عن مصر التي تمتاز بمساحتها الجغرافية والسكانية ومكانتها على مستوى الوطن العربي والقارة الأفريقية والتي احتلّت الصدارة في احدى الفترات في موضوع عدم الانحياز. هذه الدول التي شكّلت هذا التكتل الاقتصادي الذي أعتبره عنصراً إيجابياً لكونه يصبّ في نظام اقتصادي موحّد بعيد عن الانقسام، مما يؤدي الى ارتفاع الروح التنافسية التي يحتاج اليها عالمنا اليوم. أنا متفائل في هذا التكتّل الذي يطمح لتحقيق رفاهية الانسان وأُفضّله على التكتلات السياسية والعسكرية التي تتصارع من أجل السيطرة المؤدية الى الدمار والإجرام والحروب.
* بدأنا نلحظ إيلاء عدد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والامارات وقطر أهمية كبرى للشقّ الاقتصادي. أتعتقدون ان المنطقة العربية دخلت دائرة التحدي الاقتصادي الهادف الى مزيدٍ من التطور والنمو وإبراز دورٍ فاعلٍ على مستوى العالم؟
كنا نتأمّل في فكرة التركيز على المكانة الاقتصادية والنمو الاقتصادي الذي يخدم الانسان ورفاهيته واستقراره وأمنه وأمانه، ولكن مرّت المنطقة العربية بظروفٍ صعبة انطبعت بالصراعات الداخلية والاقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي على سبيل المثال، والذي بدأ بوعد بلفور الذي أعلنته بريطانيا وتم دعمه من دول الغرب بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، هذه الشعوب مهاجرة الى مختلف بقع العالم ويجمعها فقط الانتماء للصهيونية العالمية. خلال فترة حصول الدول العربية التي دخلت في الصراع على استقلالها كانت تجد نفسها دوماً في صلب الصراع المباشر وغير المباشر، الأمر الذي أثّر على المنطقة العربية ونموها. كما أن عامل عدم الاستقرار وطموح تقسيم الأقاليم لتصبح دول أدى الى نشوء الصراعات على الحدود التي اتّخذت كذريعة للنزاع كما كان الحال في الحرب العراقية الإيرانية التي أثّر بشكلٍ كبير على المنطقة. نتمنّى أن تبتعد كل الدول عن الصراعات التي لا جدوى منها وأن تعيش شعوب هذه المنطقة في مأمن لتتمكّن من تحقيق طموحاتها وأهدافها المستقبلية وأهمها التطوّر الاقتصادي الذي يشكّل محوراً أساسياً للنمو والازدهار. من خلال هذا النمو الاقتصادي تصل الحكومات الى تقديم أفضل سبل الراحة لمواطنيها المتمثّلة بالتعليم الجيّد والتأهيل وتعزيز روح الانتماء والانضباط بما يحسّن الانتاجية ويوجّه الدول نحو التكاملية مع الدول المجاورة. تعلّمت بعض الدول من تجارب الماضي، لذا فهي تسير باتجاه التكاملية وتطوير الانسان محور الكون. هناك ما يسمّى بـ”جار الوطن” الذي يجب علينا الاهتمام به وخلق التعايش الايجابي معه كي نتمكّن من تحقيق الرؤية القائمة على النمو الاقتصادي ورفاهية الانسان التي من واجب الوطن تأمينها عبر اقتصاده القوي. يمكن للمنطقة العربية التي تتمتّع بقدر كافٍ من الموارد البشرية والطبيعية الجيّدة لتحقيق هذا الازدهار وتأدية دورٍ اقتصادي عالمي فاعل إن ركّزت على أهدافها وابتعدت عن الصراعات. ان الثروة التي تمتاز بها مقوّمات المنطقة جغرافياً وبشرياً وتراثياً يجب أن تُستغّل لتحقيق أهدافها وتعزيز مكانتها بين باقي دول العالم.
* كيف تصفون وضع قطاع التأمين في المنطقة العربية وما الدور الذي تؤديه شركة عمان ري في هذا الاطار؟
الأمر الذي يميّز قطاع التأمين هو زيادة وعي المجتمعات حول أهمّيته، وهذا أكثر ما نحتاجه كشعوب. هي مسألة تكافل تشتدّ الحاجة له كلما ازدادت الحركة والنمو المرتبط بالمخاطر التي تزداد تباعاً. من هنا اتّضحت أهمية التأمينات والوقاية من المخاطر. يجب القاء الضوء على دور المؤسسات الفاعل والتعاون مع الحكومات على غرس هذا المفهوم الايجابي للحد من الأخطار التي يمكن أن تخترق الشركات والممتلكات الفردية. كما أنّ دور التأمين برز أكثر عند وقوع بعض الكوارث الطبيعية في المنطقة مثل الأعاصير مما عزز ثقة الناس بفاعلية قطاع التأمين.
أما على صعيد عمان ري، فإنها تسير بالمنحى الجيد، رغم التحديات التي لا مفر منها والتي يصعب علينا معرفة قيمة النجاح من دونها. سعيد بما حققته الشركة حتى اليوم من نمو واستقرار ونتائج كان للادارة التنفيذية الدور الأكبر في تحقيقها. ولا يسعني هنا الاً التقدّم اليهم بالشكر على ما بذلوه من مجهودٍ لإبراز المؤسسة والوصول الى هذا المستوى من النجاح.