أنور الشنطي

تغييرات جذرية تقلب الموازين

كل ما عاشه العالم من تغيرات يوضع في كفّة وما عاشته فلسطين يوضع في كفّةٍ على حدا. فبالسؤال عن وضع قطاع التأمين الفلسطيني، بيّن السيد أنور الشنطي، الرئيس التنفيذي لمجموعة ترست العالمية- فلسطين، عن التغيرات الجذرية التي طالته مع نشوء شركتي تأمين جديدتين ومع حرب غزة التي قلبت الموازين. وأشار عالمياً الى التقدّم التكنولوجي الذي يوجّه قطاع التأمين العالمي الى نظمٍ وتشريعاتٍ مستحدثة لخدمة أنواع التأمين المبتكرة. كما أكد أن الاضرابات الجيوسياسية من شأنها ان تشرّع الأبواب لعملياتٍ جديدة من الاستحواذ والاندماج، فيما تحافظ مجموعة ترست على نموها واستقرارها.

كيف تنظرون الى واقع قطاع التأمين خلال العام ٢٠٢٣ عالمياً، إقليمياً ومحلياً؟

يرتبط تطور قطاع التأمين عالمياً بتقدم التكنولوجيا والابتكارات الجديدة في مجال التأمين، مثل التأمين الرقمي والتأمين الذكي وتحليل البيانات الضخمة. وهناك زيادة بالاهتمام بتأمين المخاطر الجديدة مثل التكنولوجيا الحديثة والتغيرات المناخية. لهذا فإنه من المتوقع تطور التشريعات والتنظيمات الحكومية والمتطلبات الرقابية الخاصة بقطاع التأمين وتحدياتها لخدمة هذه الأنواع المبتكرة من أنواع التأمين.

على المستوى الإقليمي، قد يختلف واقع قطاع التأمين من منطقة لأخرى. يعتمد ذلك على العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتشريعات التأمينية في كل دولة. لكن بشكلٍ عام، شهد عام ٢٠٢٣ تطوراً مستمراً لقطاع التأمين من حيث مواكبته للتكنولوجيا التأمينية وادخال بعض التأمينات الجديدة مثل التأميني السيبراني.

أما في ما يتعلق بواقع قطاع التأمين في فلسطين، بانضمام شركة التأمين التكافلي الجديدة “الأراضي المقدسة” لسوق التأمين الفلسطيني يصبح عدد شركات التأمين العاملة هي ١٠ شركات. تقدم هذه الشركات خدمات تأمين الزامية وغير الزامية وتقوم في تطوير برامجها ومواكبتها للتكنولوجيا بشكلٍ دائم.

بشكلٍ خاص سوف يؤثر على السوق الفلسطيني في الربع الأخير والعام القادم، عاملين أساسيين، الأول يتمثل بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وزيادة عمليات القتل والهدم والتهجير وتهديد الاقتصاد بشكلٍ كبير مما يؤدي الى تراجع أقساط التأمين ووقف النشاطات الاقتصادية ومنها التأمينية. والعامل الآخر يتمثل بدخول شركتين جديدتين للسوق الفلسطيني وما سيرافق ذلك من إدخال برامج تأمينية جديدة مثل التأمينات الزراعية، مما سيؤدي الى تغيير تركيبة المحافظ التأمينية في السوق الفلسطيني.

*هل تعتقدون ان التأمينات غير التقليدية (الاحتباس الحراري، الكوارث الطبيعية، التأمينات السيبرانية…) قد باتت جزءاً من التأمينات العامة في المنطقة العربية؟ وما هي قدرة شركات التأمين المحلية على توفيرها؟

تحظى التأمينات غير التقليدية، مثل التأمين ضد تغير المناخ والكوارث الطبيعية والتأمين السيبراني، بزيادة في الاهتمام في جميع أنحاء العالم نظرًا لتزايد التحديات البيئية والتقنية. في الوقت الحالي، يُلاحظ تزايد الوعي بأهمية توفير تغطية تأمينية لمخاطر متنوعة.

قد تكون هذه التحديات موجودة أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، ولكن يعتمد تقديم تأمينات غير تقليدية على عدة عوامل، منها التوعية والتشريعات والقدرة التحليلية للشركات التأمينية المحلية.

شركات التأمين في المنطقة قد تواجه تحديات في تقديم هذه الأنواع من التأمينات، بما في ذلك الحصول على بيانات دقيقة والتقدير الصحيح للمخاطر المرتبطة بها. قد تحتاج الشركات إلى تطوير خبراتها وقدراتها التقنية لتحسين تقديم هذه الخدمات. كما يلعب التشريع والإطار القانوني دورًا حاسمًا في تحديد إمكانية تقديم هذه التأمينات وكيفية إدارتها.

في ظل التغير المناخي والكوارث الطبيعية الناتجة عنها، فإن الخسائر التي تتكبدها الدول العربية كبيرة جداً على الاقتصاد والناتج القومي، حيث ان معظم هذه غير مؤمّنة وبتالي فان خسائر شركات التأمين تكون اقل من الخسائر الاقتصادية، حيث لا تزال هذه التأمينات لم تصل الى المستوى العالمي في أوروبا وأميركا، حيث لديهم برامج للحد من الكوارث الطبيعية كما ان نسبة التامين من نسبة الناتج المحلي عالية نظراً للوعي التأميني للتأمين ضد الكوارث الطبيعية، ولكن في المنطقة العربية نظراً لقلة الوعي التأميني فان نسبة المخاطر المؤمّنة صغيرة مقارنة مع الأخطار الاقتصادية، ولكن في ظل تعرض المنطقة العربية لتزايد الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي وكان آخرها في هذا العام كالزلزال الكبير الذي ضرب شمال سوريا وتركيا والمغرب العربي والفيضان في ليبيا.

وبالتالي، فإن زيادة التغير المناخي سيزيد من حدة الكوارث وسيكون هناك تشدد في اتفاقيات اعادة التأمينات بزيادة الاسعار وتقليل الطاقة الاستيعابية على المستوى العالمي وفي منطقتنا العربية كذلك، وبناءً عليه فإن تكلفة هذه التأمينات عالية كما ان شركات التأمين وحدها لا يمكنها ان تتحمل الخسائر العالية لذلك يجب ان يكون هناك تعاون ما بين شركات التأمين والدولة اضافة الى الشراكة بين القطاع الخاص والعام وحلول عابرة للحدود بعمل مجمعات لهذه الكوارث الطبيعية بين الدول مما يخفف من الخسائر وتكاليف هذا النوع من التأمين.

الذكاء الاصطناعي لتحسين خدمة العملاء وزيادة الكفاءة والانتاجية … بات احد سمات العمل في قطاع التأمين.

– كيف تنظرون الى هذا الدور؟

تعتبر صناعة التأمين من القطاعات الحيوية في الاقتصاد، حيث تلعب دورًا هامًا في توفير الحماية المالية للأفراد والشركات. مع تقدم التكنولوجيا، أصبح للذكاء الصناعي (AI) دور كبير في تعزيز الكفاءة والإنتاجية في هذا القطاع، بالإضافة إلى تحسين خدمة العملاء. كما ان الذكاء الصناعي بالامكان توظيفه في تحليل البيانات والتي تمكن الشركات من فحص البيانات وتحليلها ووضعها بنماذج تساعد في الاستنتاجات ودعم عملية صنع القرار لما فيه مصلحة الشركات والعملاء. كما يمكنه تحسين ادارة المخاطر والموافقات مما يقلل الوقت اللازم لخدمة العملاء كما يمكن توظيفه في مكافحة الاحتيال في مطالبات التأمين.

لذلك فان الذكاء الصناعي يعتبر تطويرًا هامًا في صناعة التأمين مع استمرار التطور التكنولوجي، لكن صناعة التأمين في المنطقه العربية والسوق الفلسطيني خاصة لازالت تقليدية وثابتة بطبيعتها مما ساهم على استقرارها وثباتها ولكن في ظل التطور التكنولوجي ودخول الذكاء الصناعي فان ذلك يشكل تحدياً لتوظيف الذكاء الصناعي لمواكبة التطور العالمي والاستفادة من هذا التطور في زيادة الانتاجية والتقليل من المخاطر مما ينعكس على النتائج الإيجابية في ارباح الشركات وزيادة رضى العملاء.

* ما هي الأسباب التي تقف خلف افشال محاولات الدمج بين شركات التأمين في العالم العربي؟

تؤدي الاضطرابات السياسية او الاقتصادية او المجتمعية أو التغير المناخي الى تراجع في وضع بعض الشركات، مما يفتح فرص امام صفقات اندماج او استحواذ. هناك عدة عوامل تتحكم باندماج شركات التأمين في العالم العربي، أهمها شروط الجهات المشرعة والسياسات الرقابية والمحفظة الاستثمارية للشركة، وكفاية الاحتياط والاكتتاب والمطالبات واتفاقيات إعادة التأمين وانخفاض أرباح التأمين وضعف الاستثمار والعوائد المالية، مما يدفع البعض لتفضيل الاستثمار بأماكن أخرى عدا الاندماج التأميني.

ان عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية من شأنه انه يؤثر بالسلب على سوق التأمين. كما ان سوق التأمين العربي سيكون امام تحديات التغير المناخي الذي يعاني منه عالمنا العربي كالتحذيرات من الفيضانات في عدة دول عربية، والأوضاع السياسية في الإقليم والوطن العربي سيكون هناك تغطيات اضافية وزيادة في حجم التعويضات وذلك يؤدي الى التضعضع في وضع بعض الشركات والتي سيكون الاندماج مصدر قوة لها، وهذا شأن الجهات الرقابية والمشرعة لقطاع التأمين لتسهيل سياسة الاندماج.

اما عن الوضع في فلسطين وما شهدته الساحة السياسية والاقتصادية مؤخراً وبالتحديد في الربع الأخير من عام ٢٠٢٣ من أحداث والعدوان الإسرائيلي على غزة وتبعه عدم صرف رواتب موظفي القطاع الحكومي، وتوقف باب رزق عمال الداخل المحتل أدى الى تعثر النسبة الأكبر من فئات المجتمع عن سداد أقساط التأمين وبالتالي زيادة في الشيكات المرتجعة مما أثر سلباً على عملية التحصيل والإنتاج في قطاع التأمين بشكلٍ عام.

يتعافى قطاع التأمين بعودة الاستقرار السياسي والاقتصادي في فلسطين، وهذا ما نأمله قريباً رغم ادراكنا بأن الساحة الفلسطينية هي شأن خاص تتعرض للانتكاسات من وقت لآخر لكن نتخطاها بثباتنا وصبر وحكمة قيادة التأمين في فلسطين والجهات المشرعة. لم يدر حديث عن أي عملية اندماج قريبة في سوق التأمين الفلسطيني نظراً لعدد الشركات القليل وثبات هذه الشركات من خلال محافظها التأمينية واستثماراتها.

ماذا عن انجازات شركتكم للعام ٢٠٢٣؟ وتطلعاتكم للعام ٢٠٢٤؟

بشكلٍ عام هناك جزءاً مهماً من محفظة شركتنا تعتمد على الحسابات الكبيرة لشركات ومؤسسات، وهذه المحافظ تتأثر بشكلٍ ابطأ في حال الأزمات، مما يساعد شركتنا على الصمود بشكلٍ أكبر.

لقد حققت شركتنا إيرادات في العام ٢٠٢٣ بلغت حدود ٦٦ مليون دولار وبلغت صافـي الأرباح ٢،٣٠٠،٠٠ دولار وهذا يعتبر انجاز جيد في ظل الظروف التي شهدتها فلسطين في أواخر العام ٢٠٢٣.