لا يزال قطاع التأمين في لبنان في مهب العواصف ويعيش أصعب تجاربه عقب تغيّراتٍ وعقبات تقف في وجه تقدّمه واستقراره. هذا ما أوضحه السيد فاتح بكداش، رئيس مجلس إدارة ومدير عام آروب للتأمين ونائب رئيس جمعية شركات الضمان وممثّل هيئات الضمان في المجلس الوطني للضمان الاجتماعي. وأضاف أنّ سعر الصرف المتلاعب يومياً يشكّل تحدياً كبيراً للشركات وللمؤمَّنين ويضلّل الطريق الواضح للتسعيرات الجديدة.
* كيف تسيّرون أعمالكم في ظلّ الأوضاع السياسية، الاقتصادية والمالية المتعثرة؟
التحديات التي تواجه لبنان استثنائية وهي نتيجة تراكم لأزمات متعددة ومتتالية، حيث كان هاجسنا في البداية إدارة الواقع الجديد الذي فرضته جائحة كورونا، فانتقلنا إلى أسوأ أزمة اقتصادية عرفها لبنان تدهورت معها اللّيرة اللّبنانية وبات سعر صرف الدولار بتقلّب مستمر. أضف إلى ذلك كارثة انفجار المرفأ التي لا نزال نعالج تداعياتها حتى اليوم.
في ظلّ كل هذه الظروف، شركات التأمين دائماً في الواجهة، تتحمّل كل النتائج السلبية الناجمة عن الوضع الاقتصادي والسياسي والنقدي والمالي الذي طال كل القطاعات ومنها قطاع الاستشفاء الذي اضطر لتغيير سياسة التسعير لديه بسبب الرفع العشوائي للدعم، بغية تغطية نفقاته بالـ”الأموال الطازجة”، الأمر الذي طالنا أيضاً بطبيعة الحال.
أمّا بالنسبة لتعويضات انفجار بيروت، قامت آروب بتسديد ١٠٢٧ مطالبة حتى نهاية ٢٠٢١ من أصل ١٣١٦، أي ٨٠ بالمئة من عدد الحوادث بمجموع تعويضات مسدّدة بلغ ١٧،٢٧٦،٠٠٠ د.أ. وهذا ناتج عن التزامنا تجاه العملاء الذين جهدنا للمحافظة على علاقتنا الوثيقة معهم على مرّ السنين.
* كيف سيؤثر موضوع “الأموال الطازجة” عليكم اليوم كقطاع تأمين لا سيما وأنّ مجالات الاستشفاء والسيارات بدأت تعتمد هذا المبدأ؟ وهل ستنقص المحفظة التأمينية بسبب هذا التحوّل؟
لا شكّ أنّ التحديات كبيرة واستثنائية على الجميع، ولكن لا يمكن الاستمرار من دون اتخاذ تدابير تواكب تقلّبات السوق خاصة لجهة سياسات الاكتتاب، والتسعير وطريقة استيفاء الأقساط ونظراً إلى أنّ مقدّمي الخدمات يشترطون التسعير على أساس الدولار في السّوق الموازية. والجدير بالذكر هو أن شركات التأمين تبيع وعداً يعمل به لمدة سنة كاملة على أساس التعريفات القائمة من قبل المستشفيات تحديداً. فالتغيير المفاجئ وغير الموضوعي الذي حصل نتيجة لرفع الدعم العشوائي، أدّى إلى هذا الخلل. لذا، اتخذت شركات التأمين قرار التسعير بالدولار النقدي ليس فقط للحفاظ على مصلحة أعمالها وقدرتها على تسديد التعويضات، وإنّما للمحافظة أيضاً على حق المؤمّن لديها في تعويض عادل و”واقعي” نسبةً لارتفاع الأسعار والتكاليف لدى مقدّمي الخدمات.
في ما يتعلّق بتأمينات السيارات، الوضع تحت السيطرة ووطأته أقلّ نسبياً، علماً أنّ القطع البديلة تسعّر بالدولار أيضاً.
* يتعاطى وزير الاقتصاد والتجارة مع القطاع بمرونة. ما تعليقكم؟
مشاكل قطاع التأمين متعدّدة حالياً، وهي مرتبطة بأكثر من وزارة، كما أنّ الوضع الاقتصادي الضاغط ينعكس عليها، كما باقي القطاعات. هناك أمورٌ متداخلة غير متعلقة بمسؤوليات الوزير فحسب، فالمشاكل متشعّبة ومتنوّعة. كنّا قد طلبنا من الوزير تأجيل تطبيق معايير الـ IFRS 17 وقد وافق على ذلك.
نأمل أن يصار إلى استثناء أموال شركات التأمين وهي أموال احتياطيّات حملة الوثائق من الـ Haircut و الـ Capital Control، كما السّماح لهذه الشركات بتحويل الأموال إلى شركات الإعادة للمحافظة على استمرار التغطيات لأعمالها.
إلى ذلك، غابت فعالية هيئة الرقابة على شركات التأمين لأكثر من عام ونصف سادها شغور في الإدارة، حاول خلالها وزير الاقتصاد حينها القيام بمهامها في ظلّ ظروف أكثر من استثنائية كان القطاع بأمسّ الحاجة لهيئة تقوم بدورها على أكمل وجه. واليوم مع تعيين السيد إيلي معلوف نتمنّى تفعيل دورها بشكل أكبر وسريع. الوضع يزداد تعقيداً على الجميع والتأمين من القطاعات الأكثر تأثّراً بالأزمة. نتمنّى النجاح للسيد معلوف مع العلم أنّ مهمّته ليست بالسهلة على الإطلاق.
* أين أصبح قطاع التأمين في لبنان بعد كان من أكثر القطاعات ازدهاراً لا سيما مع هجرة الشركات؟ وأين أنتم اليوم من هذا كله؟
من المبكر التسرّع بالاستنتاج أنّ القطاع قد ضعف أو لن يصمد، ولكن ما يمكنني التأكيد عليه هو أنّ قطاع التأمين من القطاعات الأساسية في الاقتصاد اللبناني وقد صمد في وجه تحديات أصعب كما أثبتت شركات التأمين اللّبنانية حسن إدارتها للأزمات في لبنان على مرّ السّنين.
وضعنا مستقرّ رغم الظروف الصعبة التي نعيشها ولكنّ التنازلات كبيرة للمحافظة على عملائنا وجودة خدماتنا ومنتجاتنا.
ونحن في آروب كنّا نعتمد دائماً على سياسة اكتتاب حكيمة ومحافظة نعمل من خلالها على تحقيق النموّ والحفاظ على محفظة تأمينية متوازنة، ممّا يضمن استمرارنا في تأدية مهمّتنا ألا وهي التأمين والحماية من المخاطر. كما نعتمد على الدّعم التّقني من شركات إعادة التأمين العالمية.
أمّا ميزانية آروب العمومية للعام ٢٠٢٠ فهي من الأقوى مقارنة مع الشركات اللبنانية الأخرى في السّوق اللبناني، مع نسبة ملاءة سجّلت ٨٣ بالمئة متخطّية بذلك الحد الأدنى المطلوب بثمانية أضعاف. كما ننتظر أن نكون حلّت آروب بالمرتبة الأولى لجهة حقوق المساهمين كما كان الحال في السنوات الطويلة الماضية.
* ماذا تنتظرون من العام ٢٠٢٢؟
على الرغم من ضبابيّة المشهد اليوم، تحافظ آروب على نظرتها التفاؤلية لمستقبل الشركة خصوصاً وللقطاع بشكل عام. من المحتمل أن نشهد المزيد من عمليات الدمج والاستحواذ. كما يتوقّع تصميم برامج تأمين تستهدف ذوي المداخيل المحدودة مثل التأمين المتناهي الصغر أو برامج تأمين مبسّطة مع تغطيات أساسية تناسب القدرة الشرائية المتضائلة. شركات التأمين هي شركات مالية مؤتمنة على أموال الناس وأرزاقهم وحياتهم، لذا، وبجهود الجميع وإدارتهم الحكيمة، سيحافظ القطاع على دوره ويتفادى خطر الانهيار مهما حلكت الظروف. ليس من السّهل التوقع في ظل الظروف المتقلبة التي نعيشها، ولكنّني أرى أنّ الجو العام يميل لتبنّي فكرة “الأموال الطازجة”. وتجدر الإشارة إلى أنّ المشاكل عديدة وتتطلب الكثير من المتابعة. ولكن تبدّل المفاهيم وتوضيح الأمور أدّيا إلى تفهّم واقع قطاع التأمين وتراجع حدّة الهجمات العنيفة عليه التي كثرت في الآونة الأخيرة.