عادةً ما نرسم الخطط ونسوغ الاستراتيجيات بهدف تحقيق النتائج المبتغاة، غير أن تلك النتائج تعاكس أحياناً التوقعات وتقلب المعادلة. هذا هو حال قطاع تأمينات الحياة، كما وصفه السيد أشرف العزوني، المدير العام لشركة RGA الشرق الأوسط، مشيراً الى أن عوامل كثيرة حالت دون وصول القطاع الى أهدافه المرجوّة على عكس قطاع التأمين الصحي الذي يحقق نمواً مستمراً. كان ذلك دافعاً للشركة لتأسيس Aspire» Health Solutions»، شركة TPA غير تقليدية داعمة لشركات التأمين في ادارة أعمالها ذاتياً. النتائج التي لم تكن على قدر التوقعات في مجال تأمينات الحياة عالمياً، فاقت التوقعات على مستوى الشركة التي حققت نمواً لافتاً وقفزة نوعية في أعمالها خلال العام المنصرم.
* ما هي برأيكم أبرز الوقائع التي شهدها قطاع التأمين على المستويين العالمي والاقليمي؟
عام ٢٠٢٣ هو عام التوقعات التي لم تحصل، استبشرنا خيراً بانقضاء جائحة كورونا في نهاية العام ٢٠٢٢، لكننا مع الأسف لم نلمس عالمياً النمو المنتظر رغم أن الأسعار تحسنت والشروط بدت أكثر مرونةً لمعيدي التأمين. وبالتالي لم تلقَ الأقساط لناحية توسّع نطاق التغطيات التأمينية لا سيما في خط تأمينات الحياة الذي كان من المتوقّع أن يزدهر بشكلٍ أكثر بعد جائحة كورونا.
أما على الصعيد الاقليمي، فقد شاب قطاع تأمينات الحياة شيئاً من السلبية، إذ كان من المتوقّع أن تُحدث جائحة كورونا بعض التغيير في نمط التفكير، غير أنّ الوقائع لم تطابق التوقعات وبقي هذا النوع من التأمينات ملجأً عند الحاجة لا أكثر. هناك دائماً فجوة في نطاق التغطية التأمينية على المستوى العالمي، بيد أنّ هذه الفجوة تأخذ حجماً أكبر في منطقتنا باستثناء مصر، حيث بات هناك توجّهاً أكبر نحو هذا التأمين، وحيث حركة التغطية تقدّمت بشكلٍ مختلف، فانعكس ذلك نمواً على بعض المحافظ التأمينية على عكس دول الخليج التي راوحت مكانها في هذا الاطار، لا سيما في ظلّ الشروط المشددة. لكن يجب التنويه الى أنّ التقدّم الذي تشهده مصر في قطاع التأمين يعترضه انهيار العملة الذي يُظهر أرباحاً مرتفعة لشركات الاعادة على مستوى العملة المحلية وثباتاً على مستوى العملة الأجنبية.
أما دولة الامارات، فقد شهدت تغييراً جذرياً على نطاق التأمينات الفردية بعد أن طُرحت القوانين الجديدة التي دفعت سوق التأمين الاماراتي الى اعادة صياغة نفسه. يجب ألاّ نهمّش دورنا المتوجّب علينا القيام به كمعيدي تأمين ووجوب تدخّلنا في هذا الواقع، خاصّةً لجهة تزويد شركات التأمين الطامحة الى التطوير بالدعم الفني اللازم واتخاذ خطوةً الى الأمام في موضوع التوزيع وخلق القيمة في قطاع تأمينات الحياة وتحديداً في سوق الامارات الكبير الذي أصبح “الحاضر الغائب” في هذا المجال. وفي ما يخص سوق السعودية، فعلى الرغم من ضخامته وامتلاكه لقوة كامنة كبيرة جداً تمتد للمستقبل، غير أن اقساط تأمينات الحياة متعلّقة بالقروض والمصارف إجمالاً والشروط المشددة، مما يعيق تقدّم هذا القطاع. وعلى صعيد الدول الأخرى، أرى أن القوانين والاجراءات لم تواكب التطوّر المطلوب في بعض الأحيان كما في عُمان، حيث تُطرح شروط جديدة على التأمين البنكي ومنتجات التأمين عموماً بما فيها تأمينات الحياة، آملين أن تساهم هذه التغييرات بتبديل واقع توزيع التأمين البنكي الى الإيجاب وبالتالي الى خرقٍ تأميني أعلى.
الوضع يختلف تماماً في التأمين الصحي، حيث النمو لم يكن يوماً معترَضاً بأية مشاكل، فمحافظ التأمينات تلحظ نمواً لافتاً ومطرداً في المنطقة سيستمر لسنواتٍ طويلة. هذا النمو هو خليط من مكوّنين أساسيين هما النمو العضوي المنتظم والتضخّم في هذا الخط الذي يدفع الى ارتفاع أسعار هذه التأمينات. رغم ذلك، نتائج التأمين الصحي لم تكن على قدر التوقعات الايجابية للعام المنصرم التي فاجأت الجميع، وهذا مردّه الى أسبابٍ مركّبة عديدة اجتمعت سوياً لتعطي هذه المحصّلة. كل الأطراف العاملة في التأمين الصحي شابها الخلل في الفترة الأخيرة فأحدثت تراجعاً في ادارة هذا القطاع، الأمر الذي دفعنا كشركة الى تأسيس مسؤول طرف ثالث (TPA) خاص بنا يدعى “Aspire Health Solutions” موجود ومستعد للانطلاق في أي لحظة، ويعمل على تطوير حلول التأمينات الصحية، وهو ينتظر الموافقة النهائية من المصرف المركزي للبدء بممارسة أعماله. هدفنا من خلال هذه الشركة التي تُعد شركة TPA غير تقليدية، اعادة هوية شركات التأمين وإدارة أعمالها بشكلٍ ذاتي بالتوازي مع فلسفتها الاكتتابية الخاصة في التأمين الصحي التي يمكن أن تُحدث فرقاً في خدمة العملاء والأقساط.
* كيف ساهمت شركات التأمين المباشر وشركات الاعادة في إحباط تلك التوقعات؟
كان مزيجاً من عوامل متعددة، ولكنني عنيت على وجه الخصوص التوقعات في مجال تأمينات الحياة التي تحتاج للاستثمارات لا سيما في الموارد البشرية المخضرمة في ادارة هذا القطاع. للأسف، أغلب شركات التأمين المتواجدة في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تتوجّه لهذا النوع من الاستثمار بشكلٍ مكثّف، لا سيما وأنها تعمل في خطوط تأمينية متعددة وتفضّل الاستثمار في القطاعات سريعة الانتاجية. مع ذلك، هناك عدد من الشركات التي تحاول التقدّم في خطوة الاستثمار في هذا المجال. أما معيدو التأمين فلم يأخذوا خطوات فاعلة في هذا المضمار واكتفوا بالتواجد والتحرّك وتقديم الدعم عند الحاجة، خاصةً وأن تأمينات الحياة لم تحقق الزخم المنتظر كما في التأمين الصحي. كشركة لدينا رؤية وتوجهاً نحو كيفية توسيع هذا السوق واتخاذ خطواتٍ فاعلة غير تقليدية ودفع شركات التأمين الى العمل في مجال تأمينات الحياة بقوة دون الوقوف عند فكرة المردود المتأخّر لهذا القطاع.
* كيف تقيّمون العام ٢٠٢٣ على صعيد الشركة ونشاطاتها؟
استطاعت الشركة عالمياً تخطّي الفترة الصعبة التي ولّدتها جائحة كورونا في العامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢ والوصول الى ضفةٍ مغايرة تماماً من النمو اللافت والازدهار. نحن متخصصين في التأمين الصحي وتأمينات الحياة ولا نملك التنوّع الذي تتمتّع به الشركات الأخرى، لكننا مع ذلك استطعنا التميّز في وضعية رأس مالنا الصلبة. نهاية العام ٢٠٢٢ كانت بمثابة نقطة تحوّل للشركة التي احتلّت للمرة الأولى عالمياً لناحية أقساط اعادة التأمين على الحياة متخطّية بذلك أهم شركات الاعادة العالمية. سرنا بالوتيرة ذاتها في العام ٢٠٢٣ وقد فاقت النتائج التوقعات في أماكن عديدة. بالاضافة الى تغييرات كثيرة على مستوى الادارة، حيث تولى Tony Cheng منصب الرئيس التنفيذي للشركة عالمياً بدءاً من مطلع العام ٢٠٢٤. أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فتميّز العام الفائت بالقوة، حيث حققت الخطط المرسومة مراميها بل وأنها تخطّتها في بعض المؤشرات المالية. بالاضافة الى تحضيراتنا لإطلاق شركة Aspire Health Solutions، حيث سيكون الدكتور حازم الماضي الرئيس التنفيذي، والتي تضمّ ١٢ موظفاً سيزيد عددهم حتماً بالقريب العاجل قبل البدء بالعمليات بما يلبي حاجات العملاء بطريقة كافية. نتوقّع أن تُحدث هذه الشركة تغييراً جذرياً في السوق الاماراتي وأن تتوسّع في بلدانٍ أخرى لا سيما في الخليج.