أهداف الاقتصاد ومطبات السياسة!

بقلم: مارون مسلّم

رسم رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من السرايا، خارطة الطريق لمسار العلاقة مع المملكة العربية السعودية والخليج وكيفية خروج لبنان من هذه الازمة، بعدما رفض ما وصفه بـ «الانقلاب على الدستور» و«اعادة البلد الى دوامة الاقتتال والانقسامات»، معتبرا ان مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة الملفات، داعياً وزراء حكومته الى التزام التضامن الوزاري والتقيد بالبيان الوزاري، طالباً من وزير الاعلام «تحكيم ضميره».

تهدف خارطة الطريق التي رسمها الرئيس ميقاتي احياء الجلسات الحكومية واستقالة وزير الاعلام كمدخل لمعالجة الازمة مع المملكة السعودية والتفرغ لاحقاً للازمات الاقتصادية والاجتماعية بدءاً باستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

البلاد لم تعد قادرة على الاستمرار في ظل الشلل الحكومي وهي بالتأكيد ستتعرض لانفجار اجتماعي خطير اذا تحولت الحكومة نحو تصريف الاعمال، على غرار حكومة الرئيس حسان دياب، كما ان اصلاح ذات البين مع الرياض بات ضرورة ملحة، فالعلاقات مع السعودية مسألة اساسية ومهمة لدعم لبنان وكذلك بالنسبة الى وجود ربع مليون لبناني على الاراضي السعودية، ناهيك عن التواجد اللبناني، مؤسسات وافراد، في دول الخليج قاطبة، التي تعتبر الشريان الحيوي والاساسي لاستمرار لبنان وسط الانهيارات المتتالية داخله، في ظل عجز حكومي ورسمي تام، ناهيك عن ان هذه الازمة يمكن ان تعرقل المسار الاصلاحي وجهود النهوض للـحـكـومـة الـجـديـدة نـظـراً الـى الـعـلاقـات التاريخية الراسخة للبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي، مع الاخذ في الاعتبار أن الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج تقدر بزهاء مليار دولار (نحو ٣٠٪ من مجموع الصادرات اللبنانية)، بينما تقدر التحويلات السنوية للعاملين اللبنانيين من هذه البلدان بنحو ٣ مليارات دولار، والتي تصدر عن جالية تعدادها ٣٨٠ ألف لبناني في بلدان الخليج، وفيما لا يقل عدد السياح القادمين سنوياً من بلدان الخليج إلى لبنان عن ٢٠٠ ألف سائح.

مهمة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تكاد تكون محصورة بمجموعة من المهام في مقدمها وقف الانهيار والبدء في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتحقيق الحد الادنى من التيار الكهربائي وصولاً الى اجراء الانتخابات النيابية مطلع الربيع المقبل.

وزير الطاقة وليد فياض يقوم بجهود جيدة لتوفير ١٢ ساعة كهرباء، كحد اقصى، عبر استجرار الطاقة من الاردن والغاز من مصر، في وقت تراجعت حدة الانهيار المتسارع والأجواء باتت مهيأة لانتخابات نيابية العام المقبل.

المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تبقى العنصر الاساسي مرحلياً وفي المستقبل، اذ انه في حال تم التوصل الى ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإطلاق الإصلاحات الجدية وتأمين الدعم الدولي المنتظر، من الممكن تحقيق نمو إيجابي في الناتج المحلي الحقيقي، وذلك انطلاقاً من قاعدة ضعيفة في ٢٠٢١، وبدعم من الاستهلاك الخاص والطلب الاستثماري، ما قد يسهم في تحسن نسبي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عموماً».

في الانتظار، يبدو أن الأسواق تمنح فترة سماح للحكومة الجديدة لتطبيق إصلاحات ملموسة وإبـرام الاتـفـاق حـول بـرنـامـج مع صندوق النقد الدولي، ويمكن للأسـواق أن تـعـود فـتشهد ضغوطاً فـي حـال احـتـدام التجاذبات السياسية وغياب الإصلاحات والـفـشـل فـي الـتـفـاوض مـع الصندوق ما سيزيد من عامل المخاطر عموماً في البلاد.

صندوق النقد الدولي قادر على تأمين الدعم للبنك في حال تم التوصل إلى اتفاق متكامل مع الحكومة اللبنانية يستند إلى عدد من النقاط أبرزها: الاتفاق على حجم الخسائر وتوزيعها على مختلف العملاء الاقتصاديين، تشريع قانون الكابيتال كونترول، توحيد أسعار الصرف المختلفة، التحضير لـمـوازنـة تقشفية تستهدف عجزاً لا يتجاوز ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي، إصلاح قطاع الكهرباء، وإصلاح القطاع المصرفـي من أجل تعزيز الحوكمة وقدرته على جبه الضغوط والعمل على استعادة دوره كعميل ذي صدقية بنّاءة يعول عليها. في حال توافرت مجمل هـذه الـشـروط، يمكن للبنان ان يتوصل إلى إبرام اتفاق تاريخي مع صندوق النقد، مـا يـمـهّـد الـطـريـق أمـام انـعـكـاس الـنـمـط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حدّ للضغوط الماكرو اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين. أن أي اتفاق مع صندوق النقد ينبغي أن يتوصل إلى توزيع عادل للخسائر بين مختلف العملاء الاقتصاديين. فـالـدولـة، الـتـي تـتـحـمـل بشكل أساسي مسؤولية الأزمة الراهنة، ينبغي أن تأخذ على عاتقهـا جـزءاً ملحوظاً من الخسائر. كذلك، ينبغي على القطاع المصرفـي أن يحمل حصته من الخسائر، إلا أن أي خطة تعاف يجب ان تبقي على حد ادنى من الاموال الخاصة للمصارف، مع الحفاظ على ودائع المواطنين خصوصاً صغار ومتوسطي المودعين الذين لا ذنب لهم في الازمة، سوى الثقة التي وضعوها في القطاع المصرفـي وتبيّن انها في غير محلها.

حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي انطلقت لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية عدة، يبدو انها تترنح في مواجهة التحديات والضغوط السياسية. فهل اننا على اعتاب مرحلة جديدة من الانهيار القاسي والمدمّر ام ان التسويات سترسم آفاق المرحلة وصولاً الى انتخابات نيابية نأمل ان تؤدي الى اخراج السارقين والناهبين و«القواد» حاليين في مواقعهم واستبدالهم برجال تليق بهم صفة رجال الدولة؟