د. رياض عبجي

خطة مالية فاشلة وثقة مفقودة

هو فكرٌ يعبق بالقيادة والمسؤولية ويتأرجح بين الاقتصاد والفن، فينتقي من الاقتصاد أسلمه ومن الفن أسماه. من الثقة المكتسبة يبني الدكتور رياض عبجي رئيس مجلس ادارة بنك بيمو ش.م.ل أساسات الإدارة الرشيدة التي غابت عن ناظر السلطة الحاكمة فأودت بالمودعين والمصارف حافة الإنزلاق في وادي اللاثقة وجعلت من المواطن غريبأً لاجئاً في موطنه.

من منظور الدكتور رياض عبجي الاقتصادي والمالي الحلول ليست بوهمٍ بل حقيقة سهلة موجودة لكنها مهمّشة في حقول المصالح الخاصة. ومن منظوره الاجتماعي الفني، المبادرات قد تكون بلسماً لجراحٍ اتخمتها السياسة الخاطئة والأموال العالقة، لذلك يبحث دائماً عن الضوء في العتمة ويكثّف من المبادرات التي لا تقف عند حدود الاقتصاد والإجتماع بل تقتحم عالم الفن ايضاً. اذ ان الدكتور رياض عبجي يرى بأن «الفن يضفي لمسة إنسانية على عالم المال» فتكون النتيجة خططاً مالية اقتصادية مرسومة بدقة وتجريدٍ ووضوح.

* منذ عامٍ كانت قراءتكم للوضع الاقتصادي اللبناني مأساوية…

– ماذا عن واقعه الآن؟

حبذا لو راوح الوضع الاقتصادي مأساويته، اذ انه ازداد سوءاً منذ عامٍ وحتى اليوم.

المريب أننا على يقين بوجود الحلول السهلة، الاّ انّ عدم المضي بها ادّى الى انفجار الوضع. يمكن أن اشبّه ما يحدث في لبنان الى ذاك المريض الذي يعلم بدائه الاّ انّه يؤجّل دواءه شهوراً واعواماً الى أن يتفاقم مرضه، ثم يتساءل: لمَ انا عليل؟! العلّة لا تكمن في الظروف السائدة فحسب انما في السياسة المتبعة والنهج الفكري القائم الذي يصعّب الامور ويُضفي على التراجع تراجعاً.

نعم الوضع الاقتصادي في لبنان معقّد، ولكن يجب علينا تحديد ما اذا كانت الازمة متعلّقة بالملاءة ام بالسيولة. اذا اردنا توضيح الأمر على نطاقٍ ضيِق، علينا مقاربته من باب المدين الذي يملك الملاءة ولكنه يفتقد السيولة، مما يقوده الى الافلاس في حال لم تتم المعالجة بشكلٍ صحيح، انما الافلاس في هذه الحالة ليس خطأ من المدين انما النظام المالي المتحكّم به. كذلك هو لبنان في الوقت الراهن، لا يفتقد الملاءة انما السيولة.

الدولة اللبنانية ليست مفلسة على الإطلاق انما مليئة جداً، لكن ازمة سيولة حادة تعصف بها والحلول لمثل هذه المشكلة سهلة جداً في حال توافر الإدارة والإرادة الصادقتين. الدولة اللبنانية غنيّة جداً بأصولها لكنها فقيرة جداً بإدارتها لهذه الأصول واستخدام الطاقات والقدرات، إضافةً الى السرقات.

اذا أخذنا على سبيل المثال معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، الذي يمتدّ على مساحة شاسعة من الأراضي تساوي مليارات الدولارات، نجده مع الأراضي من دون اي استثمار وفي غياب اية مقاربات ايجابية… ومثل معرض رشيد كرامي ينطبق على الكثير من المرافق العامة.

الدولة اللبنانية غنية جداً، انها تمتلك كل المرافق تقريباً: المرفأ، المطار، الاتصالات، الطريق، المياه والكهرباء… في حال خصخصتها تدرّ المليارات وفي حال اشراك القطاع الخاص في ادارتها تنعكس ايجاباً على مداخيل الموازنة العامة. باختصار المشكلة تنحصر بسوء الادارة والسمسرات والسرقات التي ترافقها.

في مصرف لبنان حالياً ذهباً يوازي الـ ۱٨ مليار دولار اميركي، اضافةً الى نحو ٢۰ ملياراً موجودات تخص المصرف المركزي والمصارف التجارية وهي مجمدة بالكامل، بما يفرمل السيولة ويحدث ركوداً في الاقتصاد. وفي حال ضخّ مثل هذه السيولة ينتعش الاقتصاد من تلقائه.

اصدر البنك الدولي تقريراً مؤخّراً يتّهم فيه أرباب السلطة بالعمل على إفقار الشعب اللبناني… هل من مؤامرة برأيكم من السلطة السياسية لضرب الاقتصاد في البلد؟

ما توصّل اليه البنك الدولي مبني بالطبع على دراساتٍ وابحاثٍ معمّقة، أما من وجهة نظري فما نعيشه اليوم من أزمة إقتصادية ومالية هو نتيجة دون سبب، ففي حال تواجد الملاءة والسيولة فما الدافع اذاً لهذا الإنكماش الاقتصادي؟! انه من دون شك سوء الإدارة. ويجب التنويه أنه اذا أراد البنك المركزي تحريك الاقتصاد عليه أن يضخ الأموال في السوق. انها قاعدة معروفة معمول بها في كل العالم بإستثناء لبنان.

ما هي قراءتكم لمسودة خطة التعافـي المالي والاقتصادي التي اعدّتها الحكومة؟

يتراءى لي ان هذه الخطة ستقضي على ما تبقّى من ثقة المواطنين بالحكومة اللبنانية، لما تخفيه بين سطورها من قضايا وأمور تصبّ في خانة السرقات والسمسرات. اذ بدلاً من وضع خطة تعيد للمودع أمواله وللمصارف إستثماراتها وللحكومة مكانتها لدى شعبها والخارج… نجد أننا أمام خطةٍ توصّف الواقع بطريقةٍ جيّدة ومنهجية لكنها تُخطئ في المعالجات.

هنا لا بد من التساؤل: كيف للمودع الذي أمّن المصارف على ودائعه أن يسترجع الثقة بهذا القطاع بعد أن خانت المصارف الوديعة والأمانة! كيف للمصارف أن تثق مجدداّ بالمصرف المركزي والحكومة بعدما عجزت عن إسترجاع ودائعها وبدلات السندات التي اكتتبت فيها! انّ ما تمّ ذكره سابقاً يندرج تحت خانة السرقة الموصوفة.

الدولة قادرة على إسترجاع الثقة فيما لو ارادت القيام بإجراءاتٍ صحيحة وفاعلة وهادفة الى إعادة تحريك الاقتصاد وتنميته، من دون النظر الى المصالح الخاصة والضيّقة والأهداف غير المنظورة الكامنة في تحقيق ارباحٍ وسمسرات وعمولات على حساب الاقتصاد الوطني ككل.

اتساءل هنا، لماذا لا يعيد مصرف لبنان أموال الإحتياطات الإلزامية الى المصارف، وهي ملكها، لتعيدها بدورها الى المودعين أصحاب الحق الأصلي، بما من شأنه أن يحرّك العجلة الاقتصادية في زمن الركود الذي نشهده!

واتساءل ايضاً لماذا لايتمّ الإستفادة من الذهب المكدّس في خزائن المركزي وفي الخارج، بحيث يُباع، في شكلٍ كلّي او جزئي، ويتم ضخّ السيولة الناجمة عن بيعه في الأسواق!

في توزيع الخسائر يبدو أن الحصة الكبرى ستكون من نصيب المودعين؟

الخطة الحالية لن تعيد اكثر من ۱۰٪ من اموال المودعين، بما يقضي نهائياً على ثقتهم بالقطاع المصرفـي اللبناني لعقودٍ طويلة.

هل تؤيدون اذاً رفض جمعية المصارف لهذه الخطة؟

النهج الذي تسير به الدولة حالياً يؤدي الى تصفية البلد وافلاسه، ولا بد لها بالتالي من تغيير المنهجية وطرق التعاطي والتعامل مع القطاع الخاص والمواطنين، عبر تحمّلها المسؤولية كاملةً عن السياسات الخاطئة التي اتبعتها على مدى العقود الماضية.

لقد اصبح المواطن خائفاً من السلطة الحاكمة بدل ان يلجأ اليها لحماية حقوقه.

اؤيّد رفض جمعية المصارف للخطة المقترحة وادعو لوضع خطةٍ تهدف الى اعادة كامل الودائع للمودعين والحقوق للمصارف، بما يعيد الثقة التي هي اساس الاقتصاد.

اين مسؤولية مصرف لبنان؟

المصرف المركزي في كل بلدان العالم مرجعيّة المصارف التجارية ومصدر ثقة للجميع، يضع الانظمة والقوانين النقدية ويملك السلطة المطلقة على المصارف.

هدف المصارف المركزية الحفاظ على القطاع المصرفـي وتنميته وتطويره ومراقبته، كما الحفاظ على النقد الوطني.

في لبنان نشهد في الأعوام الأخيرة حالةً من الفوضى والضياع معزّزة بتعاميمٍ متلاحقة تصدر بين اسبوعٍ وآخر او شهرٍ وآخر، فتقف حاجزاً بيننا وبين الإستمرار. في اعتقادي انه يجب التخفيف من غزارة هذه التعاميم لإراحة المواطنين والمصارف واسترجاع القليل من الثقة.

تهدف الخطة المالية لإعادة هيكلة المصارف. ما تعليقكم؟

بالتأكيد يجب إعادة هيكلة المصارف وضخ رساميل جديدة فيها، لكن الأكيد أنه ما من أحد في لبنان والعالم مستعدّ للإستثمار في هذا القطاع طالما لم تتغيّر مسؤوليات المصرف المركزي الذي أعلن فجأة أنه خسر ٦٩ مليار دولار أميركي. أقترح بأن يتعهد المصرف المركزي بدفع كل ديونه خلال مدّة زمنية منطقية ومحددة ويباشر بإعادة جزء من الإحتياط الإلزامي، مما سيعيد الثقة ولو تدريجياً، علماً ان المصارف اللبنانية كانت رائدةً في لبنان والمنطقة والعالم ومشهود لها بالكفاءة والإدارة السليمة.

اين هو بنك بيمو اليوم من كل المشاكل والأوضاع الاقتصادية المالية الصعبة؟

وضعنا جيّد ومستقرّ نسبياً، ولكن الوضع العام السائد لا يسمح بالإرتياح الكلي، حيث أن اموالنا عالقة في البنك المركزي، مما يعيق عملية إعادة الأموال للمودعين.

اطلقتكم مبادرات ضمان الوديعة بالأموال الطازجة من خلال مصرفكم في لوكسمبورغ… ماذا عن هذه التجربة وما مدى تجاوب المودعين معها؟

التجاوب كان خجولاً، هذا مردّه الى عدم ثقة المدّخرين بالبنك المركزي والحكومة اللبنانية. فبعد أن استطلعنا مثلاً رأي مودعينا عن نقل أموالهم من مصرفنا في قبرص الى مصرفنا في لبنان كان الجواب أنه لا ثقة في الطبقة الحاكمة وإن كانت تلك الثقة في مصرفنا تحديداً موجودة. قد يكون هذا تصويراً بسيطاً لمستقبل القطاع المصرفـي في لبنان.

في إطار المبادرات، حاولنا ايضاً اعطاء قروض للصناعيين الاّ أن أموالنا المجمّدة حالت دون تمكيننا من التسليف والدفع نقداً. ناهيك عن أن سرعة تداول المال في السوق إنخفضت بشكلٍ كبير، كذلك الكتلة النقدية ونسبة استخدام البطاقات المصرفية، حيث ارتفعت في المقابل نسبة التداول النقدي.

ماذا عن مبادرات المصرف في الحقل الاجتماعي؟

لا زلنا نواظب على السير في هذه المبادرات، التي قد تكون مُسكِناً لأوجاع المواطنين الناتجة عن احتباس أموالهم. سنقيم معرض الـ L’Art Blessé او “الفن الجريح” في ايار/مايو المقبل في طرابلس كجزء من دعم للفن بكافة أشكاله والذي كنا قد اقمناه سابقاً في Villa Audi في بيروت وفي قصر دبانة في صيدا.

لدينا العديد من المبادرات الأخرى التي تحمل دلالات رمزية ومنها Back to Our Cedar Roots والتي كانت موّجهة نحو اللبنانيين المغتربين، والذين لا نكف عادةً عن طلب مساعدتهم. تكمن هذه المبادرة بتقديم ۱۰۰ ارزة للرابحين عبر سحب اليانصيب وفق شروطٍ معيّنة: أن يكون المشترك قاطناً في الخارج، وأن لا يكون الأب من أصل لبناني بهدف تذليل القانون الذي يمنع المرأة اللبنانية من إعطاء الجنسية لأولادها والمنبثق من فكرٍ سوسيولوجي خاطئ. وقد أقيم السحب يوم عيد الإستقلال في ٢٢ تشرين الثاني/نوفمبر ٢۰٢۱ في قاعة الوصول في مطار رفيق الحريري الدولي بحضور وزير السياحة السيد وليد نصار وعدد كبير من الشخصيات، بالإضافة الى مدراء المصرف والقييمين. وقد ربح المشتركون بالقرعة تسمية أشجار أرز بأسماء الرابحين وثلاثة منهم ربحوا تذاكر سفر الى لبنان تقدمة وزير السياحة وشركة طيران الشرق الأوسط MEA، وبنك بيمو ش.م.ل.

– لبنان دولة مليئة، السيولة مشكلته والحلول متوافرة

 الثقة بين المركزي والمصارف والمودعين مفقودة

 خطة التعافـي المالي والاقتصادي تقضي على ما تبقى من اقتصاد وثقة

 مبادرات بنك بيمو مستمرة

 شهادة الضمانة العقارية… قريباً

Comments are closed.