صبّت الازمات الصحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحياتية… دفعة واحدة، مجمدة كل المشاريع والخطط المستقبلية، للتفرّغ للمعالجات المرحلية بواقعية، في محاولة لمواجهة الصعوبات وتخطيها بأقل قدر ممكن من الخسائر، في انتظار مستقبل أفضل.
السيد نبيل خوري رئيس شركة ASL – Air Sea Land يتحدث عن التحديات التي واجهت قطاع النقل البحري خلال العام ٢٠٢١ وكيفية مواجهتها وأهم الدروس المستقاة منها.
* يودع العالم عاماً مليئاً بالتحديات والصعوبات السياسية والاقتصادية والصحية، تركت إنعكاساتها على مختلف القطاعات والأعمال والحياة الخاصة…
– كيف تنظرون الى تأثيرات الوضع السياسي والاقتصادي والنقدي العام في لبنان على قطاع النقل البحري خلال العامين الأخيرين؟
بالماضي، وتحديداً قبل هذين العامين، كانت ربما كلمات الوداع أو الفراق من أصعب الكلمات خاصةً حين تتحول إلى واقع، اليوم هاتين الكلمتين، أصبحت أمنية يتمناها كل لبناني، بما يتعلق بأحداث وتداعيات العامين الأخيرين. من جهتي أتمنى لو كان بالإمكان محو هذين العامين وأحداثهما من ذاكرتي وذاكرة جميع اللبنانيين، يبقى الوداع المؤلم الذي لا أحد يتمناه، وهو وداع الأصدقاء والأحباء الذين يهاجرون سعياً وراء لقمة العيش، نظراً لصعوبة الوصول إليها حالياً بسبب التأثيرات السلبية التي خلفتها أحداث العامين الماضيين على كافة الصعد. البداية كانت تداعيات جائحة الكورونا، تزامنت مع الأزمات السياسية، ومن ثم أتت الضربة الموجعة بإنهيار المصارف والعملة الوطنية وعدم إستقرار سعر الصرف المستمر حتى الساعة، وبعدها كانت الضربة القاضية المتمثلة بإنفجار المرفأ.
منطقياً، لو إجتمعت كافة هذه الظروف وسلبياتها في أكبر البلدان لتأثر إقتصادها، فكيف في لبنان، حيث كنّا نعيش وهماً، وما أن صحونا على الواقع كانت الصدمة، ووجدنا أنفسنا أمام وضع سياسي مأزوم، صعب إيجاد حل له أقله بالمستقبل القريب، إنهيار إقتصادي ونقدي أوصلنا لحد الإفلاس. وبما أن النقد والاقتصاد مرتبطان بالقدرة الشرائية، مما يقودنا حتماً إلى حركة إستيراد وتصدير البضائع من وإلى لبنان، وبما أن لا نقد ولا إقتصاد لدينا حالياً، ورداً على السؤال، فإننا وفي حال عدم قيام المسؤولين السياسيين لدينا بالتنازل عن أنانيتهم والسعي وراء مصالحهم الشخصية بغض النظر عن النتائج، فالتراجع في حركة النقل البحري سوف يزداد، بخاصةً في حال تم إقرار رفع قيمة الدولار الجمركي، أو تحريره، الأمر الذي لا بد منه لتحسين مالية الدولة.
* يواجه مرفأ بيروت عقبة إعادة إعماره وتجهيزه وتفعيله ليعود إلى لعب دور طليعي بين مرافئ المنطقة، بعد التفجير الكارثي الذي تعرّض له في ٤ آب الماضي.
– هل تعتقدون أن الخصخصة هي السبيل الأوحد والأسرع لإعادته إلى سابق عهده؟ وما هي إقتراحاتكم في هذا المجال؟
بصراحة، وبعد مرور عام وأربعة أشهر على إنفجار المرفأ، أصبح لدينا نوع من الشك من أن هناك مؤامرة مدبرة على مرفأ بيروت، لأخذ دوره الطليعي الذي تكلمتم عنه بالسؤال، وبرأينا ان طريقة تعاطي المعنيين أو المسؤولين مع الموضوع، يضعهم من حيث يدرون أو لا يدرون، عن حسن أو سوء نية بخانة المتآمرين، وبأفضل الأحوال بالمقصرين، فمن جهة نرى الموانئ المحيطة وبخاصة مرفأ حيفا، تبرم الإتفاقيات وتوقع العقود، ونحن ما زلنا نعاني نفسياً من منظر جبل الركام والنفايات، وصحياً من الروائح التي تنبعث منه والحشرات والقوارض التي تتكاثر بسببه، ومادياً بسبب الركود الاقتصادي الذي إنعكس إنكماشاً وتراجعاً بحجم مقلق، وما زالت الأمور كما هي.
سمعنا العديد من المشاريع المتعلقة بإعادة إعمار المرفأ المقدمة من عدة دول أو هيئات، بالطبع أن الخصخصة هي الحل الأفضل بظل الأوضاع التي نعيشها، ولأن نتائج وإدارة القطاع الخاص عادةً تكون أفضل من إدارة القطاع العام، أقّله في لبنان، والخوف من أن تتعرقل كالعادة مساعي وخطط إعادة الإعمار بداعي لمن يجب أن تؤول عملية إعادة الإعمار ومن يخص من، وما شاكل من هذه الأمور، وبظل الرهبة والخوف من أخذ القرارات، أو التذرع بغياب الصلاحية، كون العديد من المسؤولين الأساسيين ما زالوا بالأسر، والمعينين بالإنابة لا صلاحيات كاملة لديهم للبت ببعض القضايا، بالنتيجة العالم أو الأصح الجوار يتقدم إلى الأمام ونحن نتراجع إلى الخلف، وبسؤالكم عن إقتراحي، أو ما أتمناه، هو أن يبادر مسؤولينا إلى أخذ المبادرة بأقصر وقت ممكن، وأن لا تكون النية هي بتمرير الوقت بإنتظار الإنتخابات النيابية القادمة، والحكومة الجديدة أو إنتظار رئيس جديد للمبادرة، على كل حال أملنا كبير بوزير الأشغال علي حمية، الذي وبرغم معرفتنا الحديثة به، لكننا لمسنا وخبرنا مدى حماسته وإلمامه برغم قصر مدة توليه مهامه بمدى أهمية عودة مرفأ بيروت للحياة، والأهم أنه وحتى الساعة وعد ووفى بما وعد، ونحن ننتظر المزيد من هذه الوعود المتعلقة بموضوع المرفأ.
* كيف تنظرون إلى الدور الذي بات يلعبه مرفأ طرابلس بعد تفجير مرفأ بيروت؟
من حسن الحظ كان وجود مرفأ طرابلس، فعدا عن كونه حاجة لمنطقة الشمال، فقد شكل المنفذ والخيار الوحيد الممكن للسفن الكبيرة التي كانت تنقل المستوعبات للمستوردين اللبنانيين بعد إنفجار المرفأ، لكنه بالطبع لا يمكنه أن يحل محل مرفأ بيروت، فعدا عن موقع مرفأ بيروت الجغرافـي، وبالرغم من سعي إدارييه العمل على تجهيزه وتحديثه وتوسعته (وهذا حقهم)، ولتثبيته ربما كي يكون المرفأ البديل عن مرفأ بيروت، مستفيدين من عدم قيام أي مبادرة من أي جهة لإعادة الحياة إلى مرفأ بيروت، سوى من قبل بعض الزملاء في تجَّمعنا من شاغلي ومستثمري المستودعات اللوجستية في المنطقة الحرة التي تهدمت بشكل شبه كامل، وبعد عدم تمكنهم من إيجاد الحل المناسب في مرفأ طرابلس للمستوعبات المشتركة التي تحتوي عادة بضائع لعدة مستوردين لها شروط خاصة بما يتعلق بطريقة نقلها وتخزينها وتسليمها، قاموا بإعادة بناء مستودعاتهم وعلى نفقتهم بالرغم من إحجام شركات التأمين عن التعويض أقله حتى الساعة، بحجة إنتظار صدور القرار الظني بموضوع الإنفجار، وكأنهم يتبنون دون إثبات نظرية العمل الحربي، هذا عدا عن وضع إدارة المرفأ وعدم قدرتها على القيام بأي مبادرة بسبب أوضاعها الإدارية، وبسبب تداعيات الحجز الإحتياطي الذي ألقي على مداخيلها من قبل نقابة المحامين، الذي أضر بالمرفأ وبكافة المتعاملين معه دون أن يستفيد أحد من هذا التدبير وبخاصة أهالي الشهداء والجرحى أو المتضررين.
* ما هي برأيكم الاساليب والوسائل التي يجب إتّباعها لضمان إستمرار قطاع النقل في لبنان؟
في ظل الأوضاع السائدة حالياً وعلى كافة الصعد أهمها الأزمات السياسية والاقتصادية، لا يمكن ضمان إستمرار أي قطاع، فكلنا يعلم أن قطاع النقل مثله مثل باقي القطاعات، يشكل حلقة من سلسلة، أينما إنقطعت هذه السلسلة تتأثر باقي القطاعات، فالنقل يعني إستهلاك، والإستهلاك يحتاج إلى مستهلكين، بوضعنا وبسبب أزمة المصارف والودائع وعدم إستقرار سعر الصرف، وتدني أو حتى إنعدام القدرة الشرائية عندنا، كلها عوامل تؤدي إلى تدني في الطلب والشراء، عادةً مثل هذه الأوضاع في غير بلدان تجذب السواح الذين يحركون الأسواق نوعاً ما، إنما وبسبب الأوضاع السياسية المأزومة عندنا، وآخرها الأزمة مع المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج والتي نأمل أن تكون حُّلت حين نشركم هذه المقابلة، كل هذه العوامل تجعل من الصعوبة بمكان ضمان إستمرار أو الأصح تحسن قطاع النقل، هذا عدا عن التعاطي المستهجن مع مرفأ بيروت، والدليل أنه وحتى هذه اللحظة وبعد مرور ١٦ شهراً لم ترفع النفايات والردميات التي نجمت عن الإنفجار، والتي أصبحت تشكل خطراً على الصعيدين الصحي والبيئي.
* ماذا عن أرقامكم وأعمالكم وإنجازاتكم للعام ٢٠٢١؟
بصراحة وبإختصار، لا أرقام ولا إنجازات لأننا بالواقع متروكين بشكل كامل ومستغرب، الكل ربما حصل على تعويضات أو نوع من المساعدات، ربما لا تعوض ما خسروه، لكننا وكوننا أكبر الخاسرين على الصعيد المادي، فخسائرنا حسب تقارير الخبراء فاقت الـ٥٠ مليون دولار، بالإضافة إلى إنقطاعنا عن العمل لأشهر عديدة بعد الإنفجار، والتدني المخيف بحجم الأعمال، وبالرغم من كافة هذه العوامل، لم يتصل بنا أحد ولم يعوض علينا أحد، مما حصر طموحنا حالياً أن نبقى قادرين على الحفاظ على موظفينا الذين وقفوا بجانبنا خلال هذه المحنة، بعدما تخلى عنا الجميع بدون إستثناء، مع العزم أننا لن نستسلم وسوف نعيد بناء المنطقة الحرة، وهذا جزئياً ما حصل، لكننا ما زلنا ننتظر تأكيد بعض الضمانات التي طلبناها من قبل إدارة المرفأ، أو من وزارة الأشغال، متعلقة بمستقبل المنطقة اللوجستية بظل المشاريع العديدة المطروحة لإعادة إعمار المرفأ.
* كيف تنظرون إلى العام ٢٠٢٢؟
بخوف وترقّب وبالطبع بأمل، الخوف من إستمرار الأحوال بالتأزم والتدهور وهناك الكارثة، والترقب بأن تنفرج الأوضاع، خاصة وأن الربع الأول من المفترض أن يشهد إجراء الإنتخابات النيابية التي نأمل أن تتم بسلاسة، كي لا ينعكس عدم إجراءها مزيد من التأزم، وأخيراً الأمل بأن ينتهي مسلسل عذاباتنا في هذا العام، لأننا لم نعد نحتمل ولا إقتصادنا يمكنه تحمل المزيد.
وعلى هذا الأمل، نتمنى لنا ولكم ولكافة اللبنانيين ميلاد مجيد جديد ومختلف، وعام نأمله سعيداً، وإلى اللقاء.
Comments are closed.