تسجل دول مجلس التعاون الخليجي أدنى معدلات اختراق لقطاع التأمين على مستوى العالم، حيث تتراوح النسب بين ٠،٩٪ في قطر و٢،٩٪ في الإمارات العربية المتحدة. والتي تعد أدنى بكثير من متوسط معدل الاختراق في العالم البالغ ٧،٠٪، مما يشير إلى وجود مساحة أكبر للنمو لدى السوق الإقليمي.
تستحوذ كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على قطاع التأمين في منطقة مجلس التعاون الخليجي، الذي يقدر بنحو ٢٨،٥ مليار دولار أميركي من أقساط التأمين لعام ٢٠٢١، حيث تمثلان ٨٠٪ من إجمالي أقساط التأمين التي يتم جمعها بالمنطقة. بالإضافة إلى مزيج من الشركات المحلية والعالمية التي أظهرت علامات نمو في السنوات الأخير، على الرغم من التشديدات التنظيمية.
كما تزايدت احتياجات التأمين خصوصاً بعد جائحة كوفيد–١٩ بسبب تطبيق الكثير من المبادرات التنظيمية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، على رأسها نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، إذ تساهم العوامل مثل النمو السكاني وتحسن الوعي لدى المستهلك والنشاط الاقتصادي المتزايد، في دعم النمو المتوقع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة ٣،١٪ في العام الجاري ٢٠٢٣ و٣،٤٪ في عام التالي. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على التأمين في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً.
وخلال الأعوام الخمسة القادمة، نتوقع توجهاً قوياً في دول مجلس التعاون الخليجي يتمثل في عمليات الاندماج، إذ شهد قطاع التأمين في الشرق الأوسط وأفريقيا في عام ٢٠٢٢، ٢٤ عملية دمج واستحواذ. وفي العام نفسه، تم تنفيذ علمية دمج بين شركتي الوطنية ودار التكافل للتأمين في الإمارات العربية المتحدة، في حين قامت شركة التأمين التكافلي سلامة بالاستحواذ على المحفظة التأمينية لشركة أمان.
كما أقر البنك المركزي في المملكة العربية السعودية، قرار الاندماج بين شركتي اتحاد الخليج الأهلية للتأمين وشركة الصقر، بينما أعلنت المتحدة للتأمين عن نيتها المؤكدة للاندماج مع شركة عناية للتأمين، مما يبشر بزيادة ربحية الشركات المندمجة من خلال تحسين المقياس، وذلك بالنظر إلى الحالات المماثلة التي شهدها السوق الدولي، إذ تمت في المملكة المتحدة على سبيل المثال، عمليات اندماج كبيرة في أسواق التأمين على الحياة وغير الحياة خلال العقد الماضي، مما قلص عدد الشركات المنافسة في السوق المحلية هناك، وهذا ما جعل الاندماج توجهاً مسيطراً على السوق في مختلف أنحاء الشمال الأوروبي وأوروبا القارية.
نتوقع أن تؤدي التغييرات التنظيمية ومتطلبات العمل إلى تحفيز عمليات الدمج والاستحواذ في دول مجلس التعاون الخليجي:
• التغيير التنظيمي سيدعم نشاط الدمج والاستحواذ في السوق الخليجية.
يعمل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والبنك المركزي السعودي، المنظمان للتأمين في البلدين، على دفع القطاع نحو أعلى معايير خدمة العملاء وحماية المستهلك. يعتمد كلا السوقين المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم ١٧، مما يحقق قدراً أكبر من الشفافية والتناسق في إعداد التقارير عبر قطاع التأمين. ستحتاج شركات التأمين إلى استثمارات كبيرة لتعزيز عمليات المكاتب الخلفية والتمويل والمحاسبة وإعداد التقارير والإمكانيات التكنولوجية للاستجابة بفعالية لهذه التغييرات.
علاوة على ذلك، سيطلب من شركات التأمين زيادة رأس المال الذي تحتفظ به لتكون أكثر قوة على الصعيدين المالي والتشغيلي. هناك مجموعة واسعة من حقوق المساهمين التي تحتفظ بها شركات التأمين المدرجة، لكن المتوسط يشير إلى وجود تركيز للكيانات ذات المستويات الأقل بالنسبة لحقوق المساهمين.
ولتعزيز القطاع وجعله قادراً على الصمود في وجه التحديات، يمكن للمنظمين زيادة مستويات متطلبات رأس المال. على سبيل المثال، إذا قام البنك المركزي السعودي بزيادة مستويات متطلبات رأس المال لشركات التأمين من ١٠٠ مليون ريال سعودي إلى ٥٠٠ مليون ريال سعودي، فإن تحليلنا يشير إلى أن ١٥ شركة تأمين مدرجة لن يكون لديها ما يكفي رأس المال، كما تشير أحدث التقارير المالية أيضًا إلى تراجع قدرة بعض المشاركين في القطاع على تحقيق التزاماتهم.
وسيتعين على الكثير من الشركات في القطاع تعزيز رؤوس الأموال الخاصة بها، كما ستصبح عمليات الدمج والاستحواذ حلاً للكثيرين.
• متطلبات الحجم ستدفع أيضاً عمليات الدمج في قطاع التأمين
يشير تحليلنا لقطاع التأمين في الإمارات العربية المتحدة إلى أن الشركات التي تزيد أقساطها عن مليار درهم إماراتي لديها نسبة مصروفات عامة وإدارية أقل بنسبة ١٠٠٪ من شركات التأمين التي تقل أقساطها عن مليار درهم. وفي المملكة العربية السعودية، أظهرت شركات التأمين التي تزيد قيمة أقساطها عن مليار ريال سعودي نسبة مصروفات عامة وإدارية أقل بنسبة ٢٠٠٪ إلى إجمالي الأقساط المكتوبة مقارنة بشركات التأمين التي تقل أقساطها عن مليار ريال سعودي.
وفي كلا السوقين، تتمتع أكبر الشركات بأكثر من ضعفي نسبة المصروفات العامة والإدارية مقارنة بأصغر ١٠ شركات، إذ تفتقر شركات التأمين المتوسطة والصغيرة إلى النطاق اللازم للعمل بشكل مربح في السوق. ولذلك تعد عمليات الدمج والاستحواذ الطريق الأمثل إلى بناء الحجم. وسيشهد السوق أيضاً عمليات تخارج وسحب استثمارات عن طريق تقييم المحافظ للتركيز على نطاقات أعمال أكثر ربحية.
ومع النمو المتوقع في قطاع التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات القادمة وفي سياق المشهد التنظيمي النشط والمتغير، نتوقع زيادة في التركيز على عمليات الدمج، إذ سيعتمد نجاح الشركات الدولية والمحلية للاستفادة من هذه الفرصة على استراتيجية واضحة وقدرات تكامل قوية، إلا أننا لا نرى مرشحين واضحين لاتخاذ هذه الخطوات في المدى المنظور.