أبقت وكالة التصنيف الدوليّة ستاندرد أند بورز (S&P Global Ratings) بتاريخ ١٩ آب/أغسطس ٢٠٢٢ على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملات الأجنبيّة عند «SD» محافظة كذلك على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملة المحليّة عند «CC» «C» التتالي مع نظرة مستقبليّة سلبيّة. وقد عزت الوكالة النظرة المستقبليّة السلبيّة للدين بالعملة المحليّة إلى الشكوك التي تحوم حول إحتماليّة قيام الحكومة اللبنانيّة بإعادة هيكلة هذا الدين. وقد علّقت الوكالة بأنّ إقرار الحكومة اللبنانيّة لإستراتيجيّة لإعادة هيكلة الديون يشكّل واحد من تسعة شروط مطلوبة من صندوق النقد الدولي ليقوم مجلس إدارته بدراسة الموافقة على إتّفاقيّة التمويل البالغة قيمتها ٣ مليار د.أ. في هذا الإطار، أشارت الوكالة إلى أنّ الحكومة اللبنانيّة كانت قد قامت خلال شهر أيّار/مايو بتحديث دائنيها حول إستراتيجيّتها لإعادة هيكلة محفظة اليوروبوندز البالغة قيمتها ٣٧ مليار د.أ.
من منظار آخر أشارت الوكالة إلى أنّه في حين تقلّص حجم الدين بالعملة المحليّة بشكل كبير ليشكّل ٥٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي نتيجة تدهور سعر صرف العملة المحليّة والزيادة الكبيرة في معدّلات التضخّم، لا يزال هناك إمكانيّة لإعادة هيكلة هذا الدين. وقد علّقت الوكالة بأنّ نظام لبنان الاقتصادي والمؤسّساتي مقيّد من قبل نظامه السياسي. بالإضافة إلى ذلك، لفتت الوكالة إلى أنّه منذ شهر تشرين الأول/ اكتوبر ٢٠١٩ تراجع الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد من ٨،٠٠٠ د.أ. في العام ٢٠١٨ إلى ١،٣٠٠ د.أ. في العام ٢٠٢٢، بالإضافة إلى تدهور سعر صرف العملة المحليّة مقابل الدولار الأميركي ما أدّى إلى إرتفاع متوسّط مستوى التضخّم إلى ١٥٥٪ في العام ٢٠٢١، مع توقّعات بأن يبقى هذا المستوى فوق الـ١٠٠٪ في العام ٢٠٢٢. دائماً على صعيد الأرقام، وقد توقّعت الوكالة إنكماشاً في الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي بنسبة ٣٪ في العام ٢٠٢٢ على إثر تراجع الإنفاق (نتيجة التضخّم) وإنخفاض الإستهلاك الحكومي، فيما من المتوقّع بأن يسجّل الناتج المحلّي الإجمالي زيادة بنسبة ١،٥٪ في العام ٢٠٢٣ نتيجة تطوّر مستوى الإستهلاك والإستثمار.
أمّا فيما يختصّ بالشروط المسبقة لإتفاقيّة التمويل، فقد كشفت الوكالة بأنّ البرلمان اللبناني كان قد أقرّ قانون تعديل السريّة المصرفيّة فيما لا يزال قانونيّ الموازنة والكابيتال كونترول قيد الدرس. دائماً في الإطار عينه، فقد حذّرت الوكالة من إنّ إقرار بعض القوانين المتعلّقة بالقطاع المالي كتوحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفـي قد يكون صعباً. وقد أضافت الوكالة بأنّ المشهد السياسي المنقسم كما هو مبيّن من خلال الفشل في تشكيل حكومة بعد مرور ٣ أشهر على إجراء الإنتخابات قد يؤدي أيضاً إلى عرقلة تطبيق الإصلاحات.
وقد أشارت الوكالة أيضاً إلى ظاهرة تعدّد أسعار الصرف، إلّا إنها أشارت إلى أنّ الهوّة بين سعر صيرفة وسعر الصرف في السوق السوداء قد أصبحت أصغر. في هذا الإطار، أشارت الوكالة إلى أنّ تطبيق برنامج صندوق النقد سيؤدّي إلى سعر صرف أكثر مرونة مع توقّعات أن يتحسّن سعر الصرف إلى مستوى مستقرّ عند ٢٨،٠٠٠ ل.ل. مع نهاية العام ٢٠٢٥. وقد لفتت الوكالة إلى أنّ نسبة الدين من الناتج المحلّي الإجمالي قد تأثّرت بشكل كبير بتراجع سعر الصرف، حيث إرتفعت نسبة الدين الأجنبي بالعملة المحليّة إلى ٩٢٪ من إجمالي الدين في العام ٢٠٢١ مقارنة بنسبة ٣٩٪ في العام ٢٠١٩. بشكل إجمالي، من المتوقّع أن تبلغ نسبة الدين من الناتج المحلّي الإجمالي حوالي الـ٥٠٠٪ في العام ٢٠٢٢ مقارنة بـ١٦٠٪ في العام ٢٠١٩ .
على الصعيد المالي، أشارت الوكالة إلى أنّ لبنان قد سجّل فائض في الموازنة بلغ نسبة ١،٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢١ (مقارنة بعجز بلغت نسبته ٤،٣٪ في العام ٢٠٢٠) نتيجة تعليق دفع بعض الفوائد (كتلك على اليوروبوندز والسندات الحكوميّة التي يحملها مصرف لبنان) وإنخفاض الإنفاق الإستثماري وتحصيل الضريبة على القيمة المضافة على أسعار السوق. أمّا فيما يتعلّق بالعام ٢٠٢٢، فقد إرتقبت الوكالة إنكماش هذا الفائض إلى ٠،٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي نتيجة زيادة المساعدات الاجتماعيّة للموظّفين الحكوميين مع توقّعات بأن يشكّل متوسّط العجز في الموازنة ٤،٠٪ خلال الفترة الممتدّة بين عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٥. وقد أشارت ستاندرد أند بورز إلى إستمرار تراجع الودائع حيث إنكمشت ودائع القطاع غير المقيم بنسبة ٢٥٪ خلال الفترة الممتدّة بين عام ٢٠١٨ وشهر حزيران/يونيو ٢٠٢٢ إلى ١٢٦ مليار د.أ.
وقد إستمرّت إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة على وتيرتها التراجعيّة إذ أبقى المصرف المركزي الدعم على بعض السلع كما وتمّ تسديد إلتزامات لبنان المتعدّدة الأطراف من إحتيطات المصرف المركزي بالعملة الأجنبيّة. وبحسب الوكالة، لن يساعد التراجع الكبير في إحتياطات مصرف لبنان بكبح التدهور في ميزان المدفوعات مع العلم بأنّ المصرف المركزي بحاجة إلى موافقة البرلمان في حال أراد التصرّف بإحتياطي الذهب والبالغة قيمته ١٦ مليار د.أ. في هذا الإطار، تتوقّع الوكالة إنكماش كبير في عجز الحساب الجاري إلى ٢،١ مليار د.أ. في العام ٢٠٢٢ مقارنة مع عجز بقيمة ٣،٣ مليار د.أ. في العام ٢٠٢١ و١١،٥ مليار د.أ. في العام ٢٠١٩ على إثر تراجع الطلب والنقص الحاد في العملة الأجنبيّة.
على صعيد القطاع المالي، تتوقّع الوكالة بأن يبدأ التدقيق في أكبر ١٤ مصرف خلال الأشهر القادمة مع الإشارة إلى أنّ بعض المصارف كانت قد لجأت إلى تصفية بعض أصولها الخارجيّة في مصر وقبرص لرفد مستويات السيولة لديها. أخيراً، أشارت الوكالة إلى أنّها ستقوم بتحسين تصنيف الدين بالعملة الأجنبيّة في حال نجحت خطّة الحكومة بإعادة هيكلة سندات الدين. وقد لفتت الوكالة أيضاً بأنها ستقوم بتحسين تصنيف لبنان في حال تضائلت إمكانيّة تعثّره عن سداد ديونه، وبأنّها ستخفّض هذا التصنيف في حال قامت الحكومة بالإعلان عن نيّتها بإعادة هيكلة الدين العام بالعملة المحليّة.