الـ IIF يضع خريطة طريق لاستعادة الودائع والثقة بالمصارف

فيما تسعى الحكومة من خلال صياغة خطة التعافـي الى كسب «رضى» صندوق النقد الدولي الذي يُعتبر بوابة العبور الى الاسواق المالية العالمية، تكثر الانتقادات لهذه الخطة خصوصاً حيال تخلّيها عن المودعين وخصوصاً الكبار منهم. وفي هذا الإطار، كان لافتاً التقرير الذي أصدره معهد التمويل الدولي (IIF) الذي لفت الى أن خطة التعافـي الاقتصادي للحكومة اللبنانية يجب أن تتضمّن مزيجاً من الخيارات والتدابير التي من شأنها مساعدة المصارف على إعادة الأموال إلى المودعين أو الإتاحة للمودعين التصرّف بودائعهم في فترة لا تتجاوز ١٠ سنوات، حسب فئة الودائع، مشدداً على أن الالتزام الواضح للسلطات اللبنانية بإعادة الودائع لأصحابها ضروري لإعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني ولمصداقية خطة التعافـي الاقتصادي.

المعهد اعتبر أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة الودائع التي تبلغ ٢٠٠ ألف دولار وما دون، والتي تمثل ٩٥٪ من إجمالي عدد الحسابات المصرفية، خلال فترة زمنية قصيرة، لافتاً إلى أنه نظراً لحجم الودائع بالعملات الأجنبية والخسائر المالية الكبيرة في ميزانية مصرف لبنان، يمكن أن تشطب خطة الحكومة من الودائع التي سيتم إرجاعها جزءاً من الفوائد المتراكمة على الودائع بالعملات الأجنبية خلال الفترة الممتدة بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٩. وقدّر مدفوعات الفائدة الإضافية على الودائع بالعملات الأجنبية بنحو ١٢ مليار دولار خلال فترة الخمس سنوات، بناءً على الفرق بين متوسط سعر الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية في لبنان وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة في هذه الفترة. كما اقترح أن تتعامل الحكومة بطريقة عادلة مع الودائع التي حوّلها المودعون من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي بعد تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩ والتي قدّرها المعهد بنحو ١٠ مليارات دولار.

أشار المعهد الى أنه يمكن تحويل جزء كبير من الودائع بالعملة الأجنبية إلى الليرة اللبنانية في حال تنفيذ الحكومة برنامج إصلاح شامل والتوصّل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد. وتوقّع أن يؤدّي تنفيذ الإصلاحات الهيكليّة إلى استعادة الثقة، ووضع الاقتصاد على مسار انتعاش قويّ، واستقرار سعر الصرف الموحّد للدولار الأميركي حول مستوى أقلّ بكثير من السعر الحالي في السوق الموازي. في هذه الحالة، قال إن مصرف لبنان يمكنه توفير سيولة كافية بالليرة اللبنانية للسماح للمصارف بتلبية طلب المودعين للحصول على أموالهم تدريجاً.

وبالنسبة للودائع اقترح المعهد أنه يمكن للحكومة تسوية جزء كبير من الودائع بالعملات الأجنبية التي تزيد عن ٢٠٠ ألف دولار من خلال إنشاء صندوق استرداد الودائع (Deposits Recovery Fund). فالحكومة يمكن أن تمنح امتيازات لشركات متعدّدة الجنسيّات لإعادة بناء وإدارة مرفأ بيروت لمدة ٢٠ عاماً، مما سيدرّ على الخزينة مليارات من الدولارات، وستدفع هذه الشركات ضرائب للخزينة على دخلها السنوي، مما سيؤدي أيضاً إلى ارتفاع الإيرادات العامة. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أنه يمكن تطبيق نهج مماثل على المؤسسات ذات الطابع التجاري المملوكة من الدولة، مثل مؤسسة كهرباء لبنان وشركات الاتصالات الخلوية ومطار رفيق الحريري الدولي وطيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان ومؤسسات المياه وإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية، على سبيل المثال لا الحصر. وأضاف أنه يجب إعطاء الأولوية للمودعين للاكتتاب في رأس مال المؤسسات المملوكة من الدولة بمجرد أن تصبح هذه الكيانات فعّالة ومُربِحة.

كذلك اقترح أن تنشئ الحكومة صندوقاً عقارياً وطنياً (National Real Estate Fund) يضم المحفظة الواسعة من الاراضي والعقارات التي تملكها الدولة. وإذا أدير الصندوق بطريقة صحيحة يمكن أن يدرّ إيرادات سنويّة مرتفعة. واقترح استخدام ٥٠٪ من هذه الأرباح في تمويل الخدمات العامة الأساسية وتحسين البنية التحتية، بينما يمكن تحويل الـ٥٠٪ الباقية إلى صندوق استرداد الودائع.

وفي السياق عينه، أكد المعهد أنه يمكن للسلطات أن تنشئ صندوقاً يشبه الصندوق العقاري الوطني بغية الحفاظ للأجيال القادمة على الإيرادات المحتملة من التنقيب واستخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، وأنه يمكن تخصيص جزء محدود من هذه الإيرادات لصندوق استعادة الودائع. بيد أنه لم يتوقع أن تتحقق الإيرادات من الغاز قبل حلول عام ٢٠٣٠.

وأشار إلى أنه يجوز للحكومة تحويل ما لا يقل عن ٥٠٪ من فوائض الميزانية الأولية المتوقعة بدءاً من عام ٢٠٢٣ إلى صندوق استرداد الودائع، فيما أصول صندوق استرداد الودائع يمكن أن تشمل شهادات الإيداع الخاصة بمصرف لبنان التي اكتتبت فيها المصارف والتي تحمل معدلات فائدة تبلغ نحو ٤٪ سنوياً والتي يمكن لمصرف لبنان أن يودعها مباشرة في صندوق استرداد الودائع.

اقتراحات جديرة بالاهتمام

الاقتراحات التي قدّمها المعهد الدولي للتمويل وجد فيها كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل ما يستحق الاهتمام من السلطات التي عليها أن «تأخذ بجدّية اقتراحات المعهد الدولي للتمويل لاستعادة الودائع إذ إنها أولاً أفكار عملية قابلة للتطبيق، ولأنها ثانياً تدخل في سياق تحمّل الدولة جزءاً من المسؤولية للخروج من الأزمة من خلال ما يسمّى «توزيع الخسائر» إذ إن أسباب الأزمة هي سوء استخدام السلطة وسوء إدارة القطاع العام وسوء إدارة الأزمة».

واعتبر «أن أهمية اقتراحات المعهد الدولي للتمويل هي أنها لا تتعارض مع هدف خفض نسبة الدين العام للناتج المحلي واستدامة الدين العام كما جاء في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأنها تدحض مقولة أن الدولة فقيرة وليس لديها إمكانيات، إذ إن المشكلة الأساسية هي سوء إدارة مؤسسات القطاع العام ذات طابع تجاري واستخدامها للزبائنية السياسية وللمصالح الضيّقة وللتوظيف العشوائي وللصفقات المشبوهة». وقال «استقطاب واختيار شركات دولية متخصّصة مشهود لها على خبرتها من أجل إدارة هذه المؤسسات، إضافة الى تطبيق الشفافية والإدارة الرشيدة والرقابة عبر إنشاء هيئات ناظمة مستقلة لهذه القطاعات، ستؤدّي الى تحسين نوعية الخدمات التي تقدّمها هذه المؤسسات، كما ستنتج عنها إيرادات الى الخزينة اللبنانية مما سيعزز وضع المالية العامة، عدا عن أنها سترفع مستوى تنافسية الاقتصاد اللبناني، وتالياً ستعيد الثقة الى الاقتصاد والى القطاع المصرفـي، والأهم أنها ستخفض التكاليف اليومية لهذه الخدمات عن كاهل الأسر والمواطن اللبناني».