الغاز لإعادة تكوين الودائع

عندما يصبح شطب الودائع أسهل من إيجاد الحلول والإصلاح. عندما ُيحتسب عمق الفجوة وتغيب تراتبية المسؤوليات. عندما يعاقب من أودع الأموال ويعفى من بددها. حينها فقط يصلح تسمية خطة ُُإعدام الودائع، خطة إصلاح اقتصادي.

هناك طريقتان لحل العقد، إما بقطعها أو باجتراح الحلول ولو ببعض العناء. إنا ستسهال شطب الودائع لم ولن يكون يوماً هو الحل الأنجح. إن الاقتطاع من مدخرات المواطنين عبر خطة تشطب ما يزيد عن ٧٥٪ من الودائع وذلك لتغطية فجوة ٦٠ مليار دولار في مصرف لبنان والتي هي من مسؤولية الدولة أصلاً، لن تلقى إلا الرفض من قبل المودعين والمصارف في آن معاً.

واهم من يعتقد إن المصارف قادرة على تحمل أخطاء الدولة والمصرف المركزي أو أنها ستكون راغبة بإعادة الرسملة بعد أن يفقدوها ما تبقى من إمكانياتها. فليتحمل كل مسؤولياته وتلقى على عاتقه أعباء أعماله. أما من يعتقد إنه بتصفية المصارف قد يستعيد دولاراته فليعلم أن ثلثي الأموال الخاصة للمصارف هي بالليرة اللبنانية التي فقدت ٩٥٪ من قيمتها وإن المصارف أُجِبَرت منذ سنوات على ضم غالبية أرباحها على شكل احتياطات بالليرة إلى ميزانياتها.

إعادة تكوين الودائع ممكنة كون المداخيل النفطية آتية ولو بعد حين، فلما العجلة بقتل الأمل؟ الحل الذي يقترحه أحد كبار المصرفيين في لبنان، هو أن ُينشأ منذ الآن صندوق تخصص له نسبة مئوية من صافـي المداخيل المستقبلية من الغاز والنفط، يكون هدفه محصور بإعادة تكوين الودائع التي استخدمتها الدولة ومصرف لبنان. وللتوضيح والتأكيد، لا تستفيد المصارف بأي شكل من الأشكال من أموال هذا الصندوق التي ستعود حصصه مباشرة للمودعين. حل كهذا يكون منصفاً، يشكل مدخلاً لمشروع النهوض الاقتصادي ويلقى التأييد عوض الرفض من قبل كافة المودعين والقطاعات الاقتصادية.

المقترح:

• تتعهد الدولة منذ الآن بتخصيص ٢٠٪ من صافـي المداخيل من الغاز والنفط لتغذية صندوق ُينشأ خصيصاً لهذه الغاية (Special Purpose Vehicle (SPV.

• يُعطى لكل مودع حصص في هذا الصندوق بنسبة مئوية تتناسب مع حجم وديعته المصرفية.

إيجابيات هذا الطرح:

• عدم إعدام الودائع بصورة مباشرة أو غير مباشرة

• عدم تحميل الدولة أية مصاريف هي عاجزة عن تحملها في الوقت الحاضر

• تحصين ٢٠٪ من مداخيل الغاز والنفط ضد سطوة المحسوبيات والفساد السياسي

• إبقاء الأمل للمودع ليس فقط باحتمال استعادة مدخارته إنما بتحقيق أرباح في حال اكتشاف كميات تفوق تلك المتوقعة حالياً أو في حال ارتفاع سعر الغاز والنفط عالمياً

• إفساح المجال لكل اللبنانيين للمشاركة والاستثمار في ثروتهم النفطية.

• السماح لمن هو مستعد للتخارج من وديعته عبر الأسواق المالية أن يسِيل حصته مع حسم يحدده السوق

• تشجيع الاستثمارات الأجنبية والتدفقات المالية بالعملات الأجنبية إلى لبنان في حال قررت صناديق الاستثمار العالمية شراء الحصص في هذا الصندوق

• تنشيط الأسواق المالية اللبنانية في حال تداول هذه الحصص عليها

• الإبقاء على ٨٠٪ من مداخيل الثروة النفطية لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية.

كلنا يعلم بأن الأمل كبير باكتشاف الغاز على شواطئنا وإلا لما كان هذا النزاع على مياهنا دولياً وإقليمياً. كما أن عدة مسوحات قامت بها شركات متخصصة من ضمنها شركة Spectrum النروجية تَُقِدر احتياطي الغاز في مياه لبنان الإقليمية ما بين ٢٥ إلى ٩٦ ترليون قدم مكعب ما عدا المخزون النفطي المتوقع أيضاً. وبالتالي إن الثروة من غاز ونفط قد تتاروح ما بين ٣٠٠ إلى١٠٠٠ مليار دولار. ومع احتساب حصة لبنان الصافية بحوالي ٥٠٪ من الإنتاج العام، هذا يعني إن المداخيل الصافية المتوقعة للبنان قد تتاروح بين ١٥٠إلى٥٠٠ مليار دولار.

إذاً لما العجلة بإعدام مدخرات شعب بكامله في وقت تكتنز مياهه مئات المليارات من الدولارات النفطية. هل بحجة عدم امكانية المودع الانتظار خمس او سبع سنوات حتى تستخرج الثروة النفطية، نقضي على الأمل بإعادة تكوين الودائع؟ ام بحجة انها ثروة الشعب ولا دخل للمودعين بها وكأن استنزاف أموال المودعين لدعم الشعب كان محللاً واليوم أصبحت استعادة المودعين لأموالهم من الثروات النفطية محرمة عليه؟ أما ان يبادر البعض بالقول ان المداخيل المستقبلية للدولة هي ملك الأجيال القادمة، فهو مرفوض. ان من عِمل أربعون عاماً وكَّد في غربة عن أهله وبظل ظروف معيشية صعبة تحت الهيب أو الصقيع، أنما عمل أيضاً لمستقبل أولاده والأجيال القادمة من عائلته. فلا تقضوا عليه في آخرته وعلى مستقبل أبنائه بحجة الحفاظ على الأجيال القادمة. إلا إذا كان المقصود هو الأجيال القادمة من السياسيين المتربصين بالثروات النفطية ولقمة عيش المواطن.

نحن نعلم بأن ما من شيء مؤكد قبل استخراج الغاز فعلياً، وأن الثروات القادمة ربما لا تعدو كونها سمكا في البحر. لكن الأمل يبقى كبيراً بحسب المسوحات وهو بجميع الأحوال يبقى أكثر واقعية من استسهال الحكم بالإعدام على مدخراتً الأجيال والاقتطاع من الودائع عوض عن إعادة تكوينها.

وفي الخلاصة مهما كانت نتائج هذا الطرح، اقله هو يساعد على حماية ٢٠٪ من مداخيل النفط وان كان يترك ٨٠٪ منها عرضة للفساد المستقبلي في حال لم تصطلح الأمور في هذا البلد. فأنقذوا مداخيل النفط والغاز عوض عن شطب مدخراتً الأجيال الحالية والقادمة. فاللبنانيون لم ينسوا بعد خسارة مدخراتًهم خلال أزمة الدولار في الثمانينات ولا تكلمونا بعد عن استعادة الثقة في حال أُعيدت الكرّة مرة ثانية.