حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا من ان غزو روسيا لاوكرانيا يشكل «خطراً اقتصادياً كبيراً على المنطقة والعالم، الامر الذي يهدّد النمو العالمي» واضافت «اشعر بقلق كبير حيال ما يحصل في اوكرانيا، وقبل كل شيء، حيال العواقب على أناس ٍ أبرياء. هذا يشكل خطراً اقتصادياً كبيراً على المنطقة والعالم. نحن نقيّم التداعيات ومستعدون لدعم اعضائنا عند الحاجة».
كأنه لم ينقص البشرية مشاكل كافية خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كوفيد–١٩، وما جلبته من وفيات واصابات واغلاق تام، وتغيير في انماط المعيشة، وخسائر اقتصادية وازدياد في معدلات الفقر وانتشار المجاعة… حتى اندلعت الآن حرب روسيا على اوكرانيا، حيث الصراع على ميزان القوى بين الدول الكبرى.
تتعدد الاسباب وراء هذه الحرب: منازلة حول النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا على الساحة الاوروبية، صراع حول النفوذ الجيوسياسي للدولتين العظيمتين على اوروبا من خلال توسيع رقعة الحلف الاطلسي في دول حلف وارسو المنحّل، ومحاولة اقطاب الحلف ايصال صواريخها الى الحدود الروسية مباشرة.
كان من الممكن حل ازمة اوكرانيا كما حلَّت دبلوماسياً ازمة برلين العام ١٩٦١ وازمة الصواريخ الكوبية العام ١٩٦٢ خلال الحرب الباردة. لكن يتضح ان الحل العسكري الآن شبيه بالحرب الكورية ١٩٥٠-١٩٥٣ والحرب الفيتنامية ١٩٥٥-١٩٧٥، وحرب افغانستان ١٩٧٩-١٩٨٩، وحرب احتلال العراق العام ٢٠٠٣.
في الواقع، فإن الحروب تختلف الواحدة عن الأخرى، ومن السابق لأوانه التكهّن بمدة او طبيعة حرب اوكرانيا. لكن نظراً للمعطيات المتوافرة لكل من البلدين المتصارعين من موارد طبيعية ضخمة من البترول والقمح، ونظراً الى التهديدات الغربية بالتدرّج التصاعدي في استعمال سلاح العقوبات المالية والاقتصادية، ونظراً ايضاً، لان هذه حرب حول الامن الاوروبي ونفوذ حلف الاطلسي، بما معناه انها حرب بين الدول الصناعية الكبرى نفسها، وليس في ساحة جانبية في قارة اخرى، فالمخاطر جسيمة، ليس فقط على هذه الدول نفسها، بل ما سيلحق ببقية دول العالم من تحديات اقتصادية، تتمثل بتأثير الحرب على ارباك الاسواق العالمية وارتفاع اسعار السلع الاساسية والبضائع الصناعية. وبما ان غالبية الدول النامية هي بلدان مستوردة للبضائع الصناعية من الدول المتصارعة، فإن ارتفاع اسعار هذه السلع والبضائع والخدمات في اوروبا ستتحمل وزرها ايضاً الدول النامية، ومنها معظم الدول العربية.
في التأثيرات الاقتصادية المباشرة يمكن التوقف عند ارتفاع اسعار النفط وتكاليف الشحن واسعار المواد الاساسية وخصوصاً الحبوب وتقلبات عنيفة في اسواق المال العالمية اضافة الى ارتفاع اسعار الذهب والمعادن.
إن العقوبات على روسيا، بغض النظر عما إذا كانت كبيرة أو محدودة ومدى أهميتها للردع في المستقبل، حتماً ستوقع الضرر ليس فقط على روسيا بل أيضاً على الولايات المتحدة والغرب والأسواق الناشئة كما أوضح الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً وتكراراً في تصريحاته العامة للشعب الأميركي عندما قال: «الدفاع عن الحرية نحن أيضاً سندفع ثمنه هنا في بلادنا؛ نحن بحاجة إلى أن نكون صادقين بشأن ذلك». علاوة على ذلك لا يمكن استبعاد احتمال أن تستجيب روسيا للعقوبات بإجراءاتها الخاصة المضادة؛ أي خفض حاد في إنتاج النفط من أجل رفع أسعار النفط العالمية بشكل أكبر، وخطوة كهذه تحقق فائدة صافية لروسيا طالما أن الزيادة الإضافية في أسعار النفط أكبر من خسارة صادراته خاصة وأن بوتين يعلم أن بإمكانه إلحاق أضرار غير متكافئة بالاقتصادات والأسواق الغربية لأنه أمضى الجزء الأكبر من العقد الماضي في بناء صندوق حرب وإنشاء درع مالية ضد أي عقوبات اقتصادية إضافية.
ذكر تقرير اعده المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (NIESR) ان الحرب في اوكرانيا قد تمحو ١ في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، اي ما يعادل تريليون دولار، وانها قد تضيف ٣ في المئة الى التضخم العالمي هذا العام.
واضاف مدير المعهد البروفيسور جاجيت شادا «قد تتأجج دورة التضخم اكثر اذا اختارت البنوك المركزية، وهو امر مرجّح، ان تتفادى ويلات الحرب عبر سياساتها النقدية».