أعلن البنك الدولي في تقرير، أن إيرادات الحكومة اللبنانية انخفضت إلى النصف تقريباً في ٢٠٢١، وانه يقدر أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط ١٠،٥٪. ولفت إلى أن «كساد الاقتصاد اللبناني» من تدبير قيادات النخبة في البلاد، يعرّض الاستقرار والسلم الاجتماعي للخطر على المدى الطويل.
وصدر تقرير عن البنك الدولي بعنوان «المرصد الاقتصادي للبنان: الإنكار الكبير»، وهو يشير إلى أنّ الكساد المتعمّد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية. وقد استمرّت هذه الهيمنة على الرغم من شدة الأزمة وهي واحدة من أشد عشر ازمات، وربما أشد ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر وباتت تُعرّض للخطر الاستقرار والسلّم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل. فقد أفلس نموذج التنمية الاقتصادية للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال ودعم دولي في مقابل وعود بإجراء إصلاحات. علاوةً على ذلك، يحدث الانهيار في بيئة جيوسياسية تتّسم بدرجة عالية من عدم الاستقرار، الأمر الذي يزيد من إلحاح الحاجة إلى معالجة هذه الأزمة الحادة.
واكد البنك الدولي أنّ حجم ونطاق الكساد المتعمّد الذي يشهده لبنان حالياً يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويتجلَّى هذا في انهيار الخدمات العامة الأساسية، واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المُنهكة، ونزيف رأس المال البشري وهجرة الكفاءات على نطاق واسع. وفي موازاة ذلك، تتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة، وهي الفئات التي لم يكن النموذج القائم يلبي حاجاتها أصلاً.
يُقدِّر تقرير المرصد الاقتصادي للبنان أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط بنسبة ١٠،٥ في المئة في ٢٠٢١ في أعقاب إنكماش نسبته ٢١،٤ في المئة في ٢٠٢٠. وفي الواقع، انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان من قرابة ٥٢ مليار دولار أميركي في ٢٠١٩ إلى مستوى متوقع قدره ٢١.٨ مليار دولار أميركي في ٢٠٢١، مسجلاً انكماشاً نسبته ٥٨،١ في المئة، في قائمة تضم ١٩٣ بلداً.
وما زالت الفوضى النقدية والمالية تغذي ظروف الأزمـة فـي ظـل نـظـام تـعـدد أسعار الصرف الـذي أفـرز تـحـديات جسيمة على الاقتصاد.
واسـتـمـر الـتـدهـور الـحـاد لـقـيـمـة الـلـيـرة اللبنانية في ٢٠٢١، إذ هوى سعر الصرف للسحب النقدي مقابل الدولار الأميركي ومتوسط سعر الصرف الذي يحتسبه البنك الدولي بنسبة ٢١١ في المئة و ٢١٩ في المئة (على أساس سنوي) على الترتيب، خلال الأحـد عـشـر شـهـراً الأولى من العام. وأدى انتقال آثار تغيرات أسعار الصرف على الأسعار إلى قفزة كبيرة للتضخم الذي يقدر أن مـعـدلـه بلغ في المتوسط ١٤٥ في المئة في ٢٠٢١ ليسجل ثالث أعلى معدل عـلـى مـسـتـوى الـعـالـم بـعـد فـنـزويـلا والـسـودان. وتمثل التأثيرات التضخمية عوامل تنازلية شديدة تؤثر على الفقراء والطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم، وبوجه أعم على من يعيشون على دخل ثابت مثل أصحاب معاشات التقاعد. ومازال تضخم أسـعـار الـمـواد الـغـذائيـة مبعث قلق كبير لأنها تشكل نسبة أكبر من النفقات التي تتكبدها الأسر الأفقر التي تواجه مصاعب جمة في تلبية احتياجاتها الأساسية في ظل تدهور قدرتها الشرائية.
ويقدر أن تنخفض الإيرادات الحكومية إلى النصف تقريباً في ٢٠٢١ لتصل إلى ٦،٦ في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن. وكان انكماش النفقات أكثر وضوحاً، لاسيما في الإنفاق الأساسي الذي شهد تخفيضات جذرية، الأمر الذي عزز دوامـة الانـكـمـاش الاقـتـصـادي. وفي الوقت نفسه، يقدر أن يبلغ الدين الإجمالي المئة من إجمالي الناتج المحلي في ٢٠٢١، ليسجل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.
تجدر الإشارة إلى نقطة مضيئة نسبياً ونادرة في عام ٢٠٢١ هي السياحة التي سـاعـدت عـلـى ثـبـات نـسـبـة عـجـز مـيـزان الحساب الجاري إلى إجمالي الناتج المحلي. وفي ربيع عام ٢٠١١، بدأ اعتماد تدابير لإلغاء الدعم عن السلع المستوردة على نحو غير منظم، والتي أصبحت نافذة بشكل كامل بحلول الصيف، واتسم المسار الذي سلكته السلطات لإلغاء الدعم بالغموض، والـنـقـص فـي الـتـنـسـيـق، والافـتـقـار إلى اعـتـمـاد تـدابـيـر وفـق جـدول زمـنـي مـدروس للتخفيف من آثار رفع الدعم على الفقراء. ونتيجة لذلك، كان المستوردون والمهربون هم أكثر الفئات استفادة من إلغاء الدعم، واستنـزفـت مـوارد النقد الأجنبي الثمينة والشحيحة.
وفي معرض التعقيب على التقرير، قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة الـمـشـرق فـي الـبـنـك الـدولـي، إن «الإنـكـار المتعمد في ظل الكساد المتعقد يخلف أضراراً طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع فبعد مرور أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم يحدد لبنان بعد مسارا يتسم بالمصداقية للوصول إلى التعافـي والاستقرار الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع في هذا المسار وعلى الحكومة اللبنانية أن تمضي بشكل عاجـل نحو اعتماد خطة لتحقيق الاسـتـقـرار والـتـعـافـي الـمـالـي الـكـلـي ذات مصداقية وشاملة ومنصفة، وتسريع وتيرة تنفيذها إذا كان لها أن تتفادي دماراً كاملاً لشبكاتها الاجتماعية والاقتصادية، وأن توقف على الفور نزيف رأس المال البشري الـذي لا يـمـكـن تـعـويـضـه. ويـؤكـد الـبـنـك الدولي مرة أخرى استعداده مواصلة دعم لبنان في تلبية حاجات شعبه الملحة والحدّ من التحديات التي تؤثر على سبل عيشه». وكـمـا جـرى تـفـصـيـلـه والـتـنـبـيـه إلـيـه فـي الأعـداد الـسـابـقـة مـن تـقـريـر الـمـرصـد الاقتصادي للبنان، يجب أن ترتكز هذه الإستراتيجية على: (أ) إطار جديد للسياسة النقدية يعيد الثقة والاستقرار في سعر الـصـرف، (٢) برنامج إعادة هيكلة الدين الـذي مـن شـأنـه أن يـحـقـق الـحـيـز الـمـالـي علـى الـمـدى الـقـصـيـر واسـتـدامـة الـديـن على المدى المتوسط، (٣) إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة ملاءة الـقـطـاع الـمـصـرفـي: (٤) تصحيح مالي منصف وتـدريـجـي يهدف إلى إعادة الثقة في السياسة المالية، (٥) إصلاحات تهدف إلى تعزيز النمو، و(٦) تعزيز الحماية الاجتماعية.
على وجه الخصوص، يعتبر الشروع في إصلاح شامل ومنظم وسريع لقطاع الكهرباء خطوة بالغة الأهمية لمعالجة التحديات الطولية الأمد والمعقدة لهذا القطاع الذي يبقى في صميم مسار الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، إضافة إلى ذلك، يحتاج لبنان إلى تكثيف الجهود لضمان تـقـديـم مـسـاعـدات الـحـمـايـة الاجتماعية للـفـقـراء والأسـر الأكـثـر عـرضـة للمخاطر والتي ترزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة.
ويـتـنـاول الـقـسـم الـخـاص مـن تـقـريـر «البحث عن عامل إنقاذ خارجي في الكساد الـمـرصـد الاقـتـصـادي لـلـبـنـان تـحـت عـنـوان المتعمد» أسباب الزيادة الأقل من المتوقعة للصادرات على الـرغـم مـن الـتـدهـور الـحـاد لقيمة الليرة اللبنانية، ويحلل فشل القطاع الخارجي حتى الآن في الاستفادة بشكل كاف مـن زيـادة تنافسية الأسعار وفي أن يـصـبـح مـحـركـاً أكـثـر قـوة للنمو. وخلص القسم الخاص إلى أن صادرات لبنان تعيقها ثلاثة عوامل (خـارج نطاق الأزمة نفسها): (١) العوامل الاقتصادية الأساسية (قبل الأزمة)، (٢) الظروف (٣) والبيئة السياسية المؤسسية.