أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي «أن انفجار مرفأ بيروت شكل محطة موجعة في تاريخ هذا الوطن لن تمحى آثارها بمرور الزمن مهما طال، فالضحايا الذين سقطوا في ذلك اليوم المشؤوم ستبقى ذكراهم حية في البال والوجدان، وسيبقى الجرحى شهوداً احياء على هول ما حصل، فيما تصدح كل الحناجر مطالبة بالحقيقة الكاملة لما حصل، لاحقاق الحق ورفع الظلم عمن لا ذنب لهم».
وكان الرئيس ميقاتي أطلق من السرايا الحكومية “الرؤية الوطنية للمرافىء والمخطط التوجيهي لمرفأ بيروت والاطار القانوني الجديد لقطاع المرافىء”، بدعوة من وزير الاشغال علي حمية وبالتعاون مع البنك الدولي.
حضر الحفل وزراء الاقتصاد أمين سلام، الاتصالات جوني قرم، الطاقة وليد فياض، والعمل مصطفى بيرم، النائب نزيه نجم، مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومارجاه، محافظ بيروت القاضي مروان عبود، رئيس الاتحاد العمالي العام بشاره الاسمر، رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر، رئيس الجامعة الأميركية فضلو خوري، الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية وعدد من السفراء والمدراء العامين والمهندسين.
وقال الرئيس ميقاتي: “إن ورشة النهوض بالمرفأ من جديد واعادة اعماره ونفض غبار الحرب عنه، تبقى أولوية وطنية واقتصادية، لاعطاء الأمل للناس بقدرة هذا الوطن من جديد، ولكون هذا المرفأ هو الشريان الحيوي الابرز على المتوسط والى العمق العربي الشقيق. وبمعزل عن أولوية ازالة معالم الانفجار والدمار الذي حل بعده، فإن السؤال الاساسي المطروح هو اي مرفأ نريد، ولاي دور؟ من هذا المنطلق فإننا نجتمع اليوم، بجهد من وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية لاطلاق الخطوة العملية الاولى في مشروع النهوض بالمرفأ مجدداً واعادة اعماره، عبر الاتفاق مع البنك الدولي لاعداد الدراسة الخاصة بالهوية القانونية الجديدة لمرفأ بيروت والمخطط التوجيهي له. وهذا المشروع المحدد بمهلة تنتهي في شهر تموز/يوليو المقبل يجيب على السؤال الأساسي، ما هو الدور المستقبلي الذي نريده للمرفأ وادارته بعدما تغير المفهوم الاقتصادي برمته في لبنان والعالم وبتنا في مرحلة اعادة بناء الدورة الاقتصادية من جديد”.
أضاف: “ما نحن بصدده اليوم هو التحضير لقانون جديد لقطاع المرافىء، ومن ضمنها مرفأ بيروت لكي يكون عامل جذب للشراكة مع شركات متخصصة للاستثمار الامثل على ان تبقى الدولة هي سيدة القرار وصاحبة الكلمة الفصل في كل ما سيحصل. نريد أن يبقى مرفأ بيروت منارة هذا الوطن وبوابته الاولى بالتعاون والتكامل مع كل المرافئ اللبنانية، كما نريد ان يبقى مرفأ بيروت واحة يستفيد الشعب اللبناني من كل مساحاتها للقيام بعملية نهوض شاملة نحن احوج ما نكون اليها في هذه الظروف العصيبة والصعبة التي نمر بها”.
وأعلن مدير دائرة الشرق الاوسط في البنك الدولي، في كلمته، “أنها مرحلة رائعة أن أرى الإجراءات التي أطلقناها اليوم، فلبنان يطوي صفحة ماضية نحو مستقبل شفاف ومزدهر من خلال بناء قطاع مرافىء شفاف ومتطور، وهو من الامور الاستراتيجية، ويوفر فرصاً هائلة للبنان ليعود كما كان عليه في السابق”.
وقال: “اني عملت ومن خلال مسؤولياتي في البنك الدولي مع إيران وسوريا، والأردن والعراق، وكنت دائماً أتساءل لم تفشل بعض البلدان؟ وتبين لي بأن اي بلد يفشل، ليس بسبب الثقافة والتاريخ والجغرافيا، فما يفرق بين بلد مزدهر وبلد فاشل هو الحوكمة والمؤسسات الجيدة”.
اضاف: “إن العملية التي نطلقها اليوم المتعلقة بقطاع المرافىء، من ايجاد قانون جديد ورؤية جديدة وكيفية إعمار مرفأ بيروت فأن افضل ما في الأمر يتعلق بالحوكمة الجديدة والإجراءات المفتوحة والشفافة. واذا اردنا إصلاح كل القطاعات من المرافىء والكهرباء والمياه فيجب أن يكون هناك هيئات ناظمة مستقلة”.
وقال وزير الاشغال: “لمن دواعي سروري في صبيحة هذا اليوم بأن نكون هنا جميعاً في هذا الصرح الجامع لألوان الطيف السياسي اللبناني على تنوعه، لنتناول بالحديث مجدداً مرفأ بيروت، الذي لطالما شكل مكاناً وعنواناً للجمع بين اللبنانيين جميعاً، والذي حافظ على ميزته تلك، وعلى امتداد كل ماضيه وحاضره، وحتى أثناء حلول الكارثة فيه، في ذاك الرابع من آب/أغسطس من العام ٢٠٢٠. لقد تطلعنا الى تلك الكارثة، من زاوية الجمع لا التفرقة، ومن زاوية الايمان بالقدرة على إمكان تحويلها إلى فرصة حقيقية، نتطلع من خلالها كلبنانيين جميعا، إلى جعلها إحدى حبال لبنان للنجاة من الازمات التي نكابدها في هذه الايام الثقيلة علينا”.
أضاف: “لقد دفعنا ما ألم بالمرفأ من كارثة، إلى الاصرار على السير بطريقين اثنين، يوصل كلاهما إلى هدف واحد، ألا وهو المساهمة في نهوض لبنان مجدداً: طريقنا الأول كان عنوانه التفعيل لكل المرافق العامة التابعة للوزارة وفي مقدمتها مرفأ بيروت، والذي بحمد الله وبجهود المخلصين تم تسريع تفعيل العمل فيه، بخطى سريعة لا متسرعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبعد أن تراجع عدد الرافعات العاملة في محطة الحاويات في حزيران/يونيو الماضي، إلى ثلاث رافعات فقط، ها هي اليوم أصبحت ١١ رافعة من أصل ١٦، والتي نسعى لأن تعمل بكامل عددها قريباً جداً. أما طريقنا الثاني، فكان درب إعادة الإعمار والإصلاح، والذي سار جنباً إلى جنب مع عملية التفعيل تلك، بغية الوصول إلى محطات ثلاث نحن في خضم الإعلان عن إطلاق السير بها هذا اليوم: إعداد الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ، إعداد الدراسة للمخطط التوجيهي لمرفأ بيروت وإعداد الرؤية الوطنية للمرافئ اللبنانية كافة”.
وتابع: “ان الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ والذي نحن بصدد الاعلان عن شبه اكتمال إعداد الدراسة حوله، وبالتعاون المشكور مع البنك الدولي هو باعتقادنا قطب الرحى الجاذب- إن صح التعبير- لكل الاستثمارات التي نتطلع اليها في هذا المرفق، وخصوصاً أنه يلحظ كيفية تعزيز وتفعيل الاستثمار في المرافق العامة كافة، مراعياً لمبدأ إمكانية الشراكة بين القطاع العام والخاص، مع حرصنا الدائم الا يقترب ذلك مطلقاً من القبول ببيع أصول الدولة أو التفريط بها، ولا بأي شكل من الاشكال، فهدفنا كان وسيبقى منحصراً في ثلاث لا رابع لها: تحسين الخدمات واستحداث خدمات أخرى جديدة لم تكن موجودة من قبل، هذا فضلاً عن زيادة الايرادات. أما المخطط التوجيهي، والذي هو أيضاً في طور الاعداد، فإننا نصبو من خلاله إلى الاستثمار الأمثل في هذا المرفق الحيوي، كونه سيشكِّل أرضية رئيسية وضابط إيقاعٍ لكل المشاريع المتنوعة والمتكاملة التي ستنبثق منه والتي يمكن لها أن تجعل من المرفأ رافداً حيوياً من الروافد المالية للخزينة العامة للدولة اللبنانية”.
اضاف: “إن إعداد وإطلاق الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ والمخطط التوجيهي العام لمرفأ بيروت -وعلى الرغم من أهميتهما المطلقة، سيظلان وباعتقادي، عاجزين عن تحقيق أمثل ما مطلوب منهما، إن لم يقترنا حكماً بالسير برؤية وطنية متكاملة للمرافئ اللبنانية كافة، فالمنافسة لا ينبغي أن تكون بين مرافئنا بعضها مع بعض بل يجب أن تكون بين هذه وبين أقرانها في المنطقة، وهذا يستلزم ضرورة خلق دور وظيفي مؤثر جداً لها، ذلك عبر الاستثمار الامثل لموقع لبنان الجغرافـي ولدوره التاريخي الذي سنحرص على أن لا يسلبه منا أحد كائنا من كان، وكذلك الأمر، كضرورة لمحاكاة التطورات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية الحاصلة في المنطقة والعالم في السنوات والعقود المقبلة”.
وختم بالقول: “إن مرافق لبنان من أقصاه إلى أقصاه، هي أمانة الله في أعناقنا جميعاً، وان حمل أمانتها يفرض علينا أن نؤديها وبكل أمانة وإخلاص ومسؤولية إلى أهلها، وانتم يا أبناء وطني هم أهلها فقط، فلا ولن ينازعكم عليها أحد على الإطلاق، ويد العون الخارجية غير المشروطة والمشكورة دائماً، ومهما كان حجمها لن تكون كافية حتماً لنهضة لبنان من كبوته، ولن تغنينا مطلقاً عن الاتكاء على مقدراتنا وقدراتنا وطاقاتنا، ذلك في سبيل العبور بلبنان مجدداً، إلى فضاء النور الذي لطالما كان متألقاً فيه على الدوام”.