إنّ النهوض بالقطاع المالي هو بالغ الأهمية لتحقيق مجموعة إصلاحات من شأنها استعادة الثقة وتهيئة الظروف للتعافـي الاقتصادي.
يتطلّب القطاع المالي إعادة رسملة وإعادة هيكلة كبيرة، ما سيؤدي إلى تقليص حجم هذا القطاع. لقد أدى الركود الاقتصادي العميق وتدهور سعر الصرف وانكشاف ودائع المصارف التجارية لدى مصرف لبنان، إضافة الحاجة الى إعادة هيكلة الديون السياديّة، الى ضرر كبير في القطاع المالي.
إنّ التخلف عن سداد الديون السيادية جاء نتيجة سياسات مالية غير منتظمة على مدى سنوات عديدة، في حين أنّ الخسائر الضخمة التي تكبّدها مصرف لبنان هي نتيجة قيامه بعمليات مالية هدفت إلى جذب تدفقات رأس المال للحفاظ على سعر الصرف الثابت المُبالغ في قيمته ولتمويل العجز في الموازنة. وقد تؤدي محافظ القروض الخاصّة بالمصارف التجارية أيضًا إلى خسائر إضافية، ولكن من الصعب تحديد قيمتها في هذه المرحلة. وبالتالي، ستخضع هذه الخسائر المحتملة لتقدير متحفظ في عملية إعادة الهيكلة، إلى أن يتم إجراء مراجعة جودة الأصول (AQR) من قبل جهاز رقابي، لجنة الرقابة على المصارف (BCC)، بمساعدة شركات الدولية المرموقة. ويُقدّر حالياً إجمالي خسائر القطاع المصرفـي ما يزيد عن /٧٠/ مليار دولار أميركي.
بدايةً، يجب علينا الإعتراف بهذه الخسائر بهدف التخلّص من عنصر الشَكّ الذي يَحوم حول الاقتصاد، وعلينا تطبيق إستراتيجيّة النهوض بالقطاع المصرفـي بالوقت المُناسب وذلك بالاستناد الى الركائز والمبادئ التالية:
ركائز استراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي (FSRS):
– حل الترابط بين ميزانيات المصارف التجارية – الديون السيادية – ميزانية مصرف لبنان
– إعادة رَسملة مصرف لبنان وتحسين عملية إعداد تقاريره الماليّة لإعادة بناء الثقة
– إعادة هيكلة ورسملة المصارف التجارية القابلة للاستمرار، وذلك من خلال جلب رأس المال جديد بعد استيعاب الخسائر القائمة.
مبادئ استراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي (FSRS):
– الشفافيّة المُطلقة خلال تطبيق الاستراتيجيّة
– احترام تراتبية الحقوق/المطالب عند إستيعاب الخسائر، أولاً، عن طريق إلغاء رأسمال حاملي الأسهم وسندات الديون الثانويّة ومن ثمّ ودائع الأطراف ذات الصلة
– حماية صغار المودعين الى اقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للإستمرار وذلك تبعاً للتقييم الرقابي. ولهذه الغاية، سيتمّ وضع ادنى لحماية مُوحّدة، تنطبق على جميع ودائع المودع الواحد في أيّ من المصارف التي تعتبر قابلة للاستمرار. ولن تستفيد من هذه الحماية اي زيادات طرأت على رصيد المودع بعد تاريخ ٣١ آذار/مارس ٢٠٢٢
– حلّ المصارف التي تُعتبر غير قابلة للاستمرار بما يتماشى مع القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف الذي سيُقرّه مجلس النواب والذي من المرجح أن يؤدي الى أن يحصل المودعون في هذه المصارف على مبالغ من ودائعهم دون الحد الأدنى الذي تمّ ذكره أعلاه
– ينبغي ألا يستخدم دعم الحكومة إلا إذا كان متسقاً مع القدرة على تحمّل الديون لإعادة رسملة مصرف لبنان الذي يستفيد منه جميع المودعين
تطبيق استراتيجية النهوض بالقطاع المالي (FSRS):
– في المرحلة التمهيديّة للعملية، سيتّم إلغاء تعدديّة أسعار الصرف الرسميّة بحيث يكون هناك سعر صرف رسمي واحد فقط، يتمّ تحديده على منصة صيرفة، لحينه ستكون منصة صيرفة قد تحولت إلى منصة تداول اساسيه واحدة لعمليات القطع
– سيتوجب وضع مجموعة من الافتراضات حول طريقة إعادة هيكلة سندات اليوروبوند. في حين أن المعايير الدقيقة لهذه العملية يرجح ان تكون غير معروفة، فمن المهم أن تتعامل الحكومة مع حاملي السندات لتكون قادرة على وضع فرضيات معقولة
– سيتّم تعديل قانون السرية المصرفية بحيث يتم تمكين لجنة الرقابة على المصارف و/أو شركات التدقيق من التحقّق من بنية ودائع المصارف لغرض مُعايرة مقاييس التعامل مع لكل مصرف على حدة
في الخطوة الأولى، سوف نُعيد تكوين رأسمال مصرف لبنان. وفي هذا الإطار، تشير التقديرات التي أجريناها الى ضخامة رأس المال السلبي المتراكم في مصرف لبنان حيث يزيد عن /٦٠/ مليار دولار أميركي، غير أن القيمة الحقيقية بحاجة الى المزيد من التدقيق
بهدف التأكّد من احتياجات رأس المال، نعمل حالياً على إجراء تدقيق خاصّ لميزانية مصرف لبنان، سيتمّ على مرحلتين، تننتهي المرحلة الأولى المتعلقة بالتدقيق في صافـي احتياطات النقد الاجنبي في نهاية شهر أيار/مايو على أن تنتهي المرحلة الثانية (التدقيق بالكامل) بحلول نهاية شهر تموز/يونيو ٢٠٢٢. وحرصاً منا على الشفافية نلتزم بإكمال ونشر الملخص التنفيذي لهذا التدقيق في هذا التاريخ.
بناءً على نتائج هذا التدقيق الخاص، سوف نلغي بدايةً، جزءاً كبيراً من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان واغلاق صافـي مركز النقد الاجنبي المفتوح للمصرف (Net Open FX position).
تنطوي هذه الاستراتيجية أيضاً على إعادة رسملة جزئية لمصرف لبنان بسندات سيادية قدرها /٢،٥/ مليار دولار أميركي يمكن زيادتها إذا إتسق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل الديون. أمّا ما تبقى من الخسائر السلبية في رأس المال فسوف تُلغى تدريجياً على مدى ٥ سنوات.
في الخطوة الثانية، سيتم إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار، بالتوازي مع حلّ المصارف غير القابلة للاستمرار. سيتطلب ذلك مساهمات كبيرة من قبل مساهمي المصارف والدائنين من غير أصحاب الودائع. ومع ذلك، لن يكون هذا كافياً لإعادة النظام المصرفـي الى حالته الصحية نظرًا لحجم الخسائر. كما ونظراً لعدم وجود خيارات أخرى – فسوف يستلزم الأمر، مساهمات من قبل كبار المودعين.
وفي هذا الإطار، ترتكز إستراتيجيّتنا على المراحل التالية:
– تحديد حجم إحتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة وإعادة صياغة ميزانياتها. نعمل على إجراء تقييماً لخسائر كل مصرف على حدة وتحليلا ً لبنية الودائع وهيكلية الودائع لأكبر /١٤/ مصرفاً (ما يمثّل ٨٣٪ من الأصول) سوف تجريه لجنة الرقابة على المصارف بمُساعدة شركات دولية مرموقة، تشمل مشاركة مراقبة من الخارج. سوف ينجز هذا التقييم بحلول نهاية أيلول/سبتمبر ٢٠٢٢
– إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف. وهذا يعني ضمناً، فيما يتعلق بالودائع التي تتخطى الحدّ الأدنى المُستفيد من الحماية، إما تحويلها الى أسهم (Bail-in) (من خلال حذف جزء منها أو التحويل إلى أسهم) و/أو تحويل ودائع العملات الأجنبية الى الليرة اللبنانية بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر صرف سوق القطع
– ضخّ رأس مال جديد في المصارف القابلة للاستمرار – سنطلب من المساهمين السابقين أو الجدد أو كليهما الالتزام بضخّ رأس مال جديد في المصارف التي اعتبرتها لجنة الرقابة على المصارف قابلة للاستمرار، وذلك بناءً على التحليل الإستشرافـي لخطط عمل هذه المصارف بعد إعادة الرسملة الداخلية. وفي هذا الصدد، سيتمّ الاتفاق على خطط لإعادة الرسملة موثوقة ومحددة بإطار زمني على وجه السرعة لاستعادة الحد الأدنى من كفاية رأس المال
– حلّ كافة المصارف غير القابلة للاستمرار من خلال الاجراءات الفورية التي سوف تطبق بمقتضى القانون الطارىء لإعادة هيكلة المصارف وذلك في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٢.
– ولأغراض تتعلّق بالسيولة، من الممكن أن يتم إعادة الودائع المُتبقية في المصارف القابلة للاستمرار، بالدولار الأميركي و/أو الليرة اللبنانية على سعر السوق، وسيتاح سحب هذه الودائع وفقا للحدود التي يفرضها قانون وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة.
في الخطوة الأخيرة، نلتزم بتعزيز الإطار التنظيمي الكامل للقطاع المصرفـي من خلال مراجعة التشريعات المصرفية الأساسية، وأطر الرقابة وإتخاذ القرارات وتأمين الودائع. وتحقيقاً لهذه الغاية، سنقوم بما يلي:
– تعزيز المهام /الصلاحيات والحوكمة والوصول الى المعلومات والحماية القانونية، واستقلالية ومساءلة لجنة الرقابة على المصارف وزيادة كفاءتها من حيث التدخلات المبكرة، وذلك بحلول شهر ايلول ٢٠٢٣.
– الإصلاح الشامل لنظام اتخاذ القرار حتى يتماشى مع أهم خصائص النُظم الفعّالة لاتخاذ القرار والمعتمدة لدى مجلس تحقيق الاستقرار المالي (FSB)، وذلك بحلول شهر كانون الأول ٢٠٢٣.
– مواءمة برامج تأمين الودائع مع اهم الأسس و المبادئ الخاصة بالنظم الفعالة للتأمين على الودائع، وذلك بحلول شهر كانون الأول ٢٠٢٣.