في فعل «جنائي»، نجح المواطن اللبناني عبدالله الساعي، بتحرير وديعته المصرفية البالغة ٥٠ ألف دولار من فرع مصرف بيروت والبلاد العربية في جب جنين – البقاع الغربي، بعدما احتجز أربعة موظفين داخل أحد طوابق الفرع، مهدداً بإحراقهم وإحراق نفسه، إذا لم يحصل على وديعته في فرع المصرف.
وطالب المودع بسحب مبلغ ٥٠ ألف دولار من حسابه، وحين رُفض طلبه رفع سلاحًا حربيًّا وقنبلة في وجه الموظفين، وصبّ كذلك مادة البنزين في أرجاء المصرف مهددًا بحرقه وتفجيره في حال لم يتم التجاوب لطلبه. بعدها قام الساعي عقب الحصول على الأموال بإعطائها لزوجته التي كانت تنتظره خارج المصرف، ثم سلّم نفسه للقوى الأمنية الموجودة في المكان.
مفاوضات مع الأجهزة الأمنية
في بداية المفاوضات التي جرت مع الأجهزة الأمنية، بحضور شقيقه الضابط العسكري، سلّم الساعي سلاحه الفردي إلى القوى الأمنية، وبقي متسلحاً بعود الكبريت لإحراق نفسه.
أربع ساعات دامت المفاوضات مع الساعي لإقناعه بالعودة عن فعلته، إلا أنه أصر على عدم تحرير «رهائنه» أو الخروج من المكان إلا غانماً بالمبلغ، وإلا سيحرق المكان بمن وجد فيه. وهكذا، امتثلت إدارة المصرف لطلبه، وسلمته مبلغ ٥٠ ألف دولار نقداً. عندها طلب حضور زوجته شخصياً لإيداعها المبلغ، قبل أن يضع نفسه بتصرف الأجهزة الأمنية، من عناصر قوى الأمن وفرع المعلومات، فأوقف بناء لإشارة النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، وبوشر التحقيق معه.
وقفة تضامنية لجمعية المودعين اللبنانيين
بعد انتهاء الحادث، نفذت جمعية المودعين اللبنانيين وقفة تضامنية مع الساعي، مطالبة المصارف بالافراج عن ودائع المواطنين وتسليمهم اياها بالعملة التي اودوها، وحثت الجمعية المسؤولين على الاسراع في انهاء هذه المأساة التي تطال كل الشعب الللبناني.
استنكار BBAC
عقب الحادثة، أصدر بنك بيروت والبلاد العربية (BBAC) بياناً: «إستنكر BBAC بنك بيروت والبلاد العربية بشدة الاعتداء الذي حصل يوم الثلاثاء الواقع في ١٨ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٢ في فرع جب جنين، حيث أقدم أحد زبائن الفرع على احتجاز وتهديد الموظفين بالموت.
إن المصرف يدين جميع أشكال العنف الذي لحق بالموظفين والزبائن، ويؤكد أن استرجاع الودائع لا يحصل من خلال التهديد، بل عبر خطة تعاف شامل للاقتصاد اللبناني، ينهض فيه البلد من أزمته الحالية.
إن إدارة المصرف تشكر القوى الأمنية على جهودها في التصدي لهذه الحادثة ومنع تفاقمها، وتتمنى على الأجهزة القضائية محاكمة المعتدين ضمن القوانين المرعية.
نود التأكيد مجدداً، أننا نعتبر ودائع الزبائن حقاً لا يمكن التغاضي عنه، والمصرف يسعى إلى تأمين حقوق الجميع ضمن أي خطة تعاف تطرح. ونحن نأسف لما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية من أخبار تشيد وتشجع على تكرار حوادث مشابهة تعرض حياة الناس للخطر.
وأخيراً، إثر هذه الحادثة المروعة التي كادت أن تودي بحياة موظفينا وزبائننا، تعلن إدارة BBAC وبكل أسف قرارها بإقفال فرع جب جنين حتى إشعاراً آخر، صوناً منا لأرواح موظفينا وزبائننا».
إدانة جمعية المصارف
من جهتها، دانت جمعية مصارف لبنان أعمال العنف بكافة أشكالها وتحت أي ظرف، معتبرة أن محاولة القتل أو حتى التهديد بحرق الموظفين وهم أحياء لا يمكن تبريرها أو قبولها مهما كانت الأسباب.
كما رأت أن استرداد الودائع، كل الودائع وهي حقوق لكل اللبنانيين، لا يتمّ عبر القيام والتحريض بأعمال جرمية، وإنما عبر خطة تعافٍ شاملة تنهض بالبلد، مؤكدة أنها تعمل بحسب القوانين المالية المحلية والعالمية، فلا سرقة للأموال ولا استغلال للودائع، إنّما الأزمة الحالية هي نتاج سنوات من سوء إدارة الدولة عبر العجز والهدر والفساد الذي لا يُخفى على أحد، وفق قولها.
اتحاد نقابات موظفي المصارف
اما المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، فأصدر البيان التالي «تعرّض زملاؤنا في بنك بيروت والبلاد العربية ش.م.ل. فرع جب جنين الى تعديٍ سافرٍ من قبل أحد المودعين، وكان يُمكن أن يتطوّر إلى مجزرةٍ داخل الفرع لو لم تلبّي إدارة البنك طلب المودع الذي احتجز الزملاء في الفرع كرهائن وهدّد بحرق الفرع ومن فيه في حال لم تتجاوب إدارة البنك مع طلبه وقد انتهت القضية بإعطاء المودع مراده.
أمام هذه الوقائع المؤلمة، نسأل، هل نحن في دولة قانونٍ أو في مزرعةٍ تُدار من قبل الأقوياء والمتسلّطين والخارجين عن القانون ؟ وهل من المقبول والطبيعي أن يهدّد العاملون في المصارف بأمنهم وسلامتهم من قبل من يطالبون بإعادة الودائع إلى أصحابها؟
نجيب وبكل موضوعية، بأن إعادة الودائع إلى أصحابها هي في الأساس من واجبات الدولة التي استدانت من المصارف ودائعها من أجل تسيير شؤونها، ومن واجبات المودعين احترام كرامة كل أجيرٍ في القطاع المصرفـي، فهم أيضاً بأكثريتهم من المودعين وبأكثريتهم غير مسؤولين لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ عمّا آلت إليه أوضاع القطاع المصرفـي».
أضاف البيان: «لقد مضى أكثر من سنتين على بداية الازمة في القطاع المصرفـي، تعرّض في خلالها زملاؤنا في العديد من المصارف إلى شتى أنواع التعدّيات من قبل أصحاب الودائع بهدف الضغط على إدارات مصارفهم من أجل الإفراج عن ودائعهم ، لكن للاسف هذا النمط من التعاطي لم يؤدِ إلى حلٍ بل إلى تشويه صورة القطاع المصرفـي في الخارج وإلى ضرب ثقة المؤسسات المالية الدولية بالمصارف اللبنانية التي هي في نهاية المطاف مدعوّة بحكم القانون ما لم تُفلّس المصارف إلى إعادة الودائع إلى أصحابها بعد الاتفاق مع الدولة التي من واجباتها حل معضلة مديونيتها من دون تحميل المودعين أي خسائر ناتجة عن سياساتٍ ماليةٍ خاطئة طبّقتها الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد والعباد».
القضاء يصادر المال
لاحقاً، أصدرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع قراراً بضبط المبلغ المالي، بوصفه جزءاً من مضبوطات القضية، لاسيّما وأن الحصول على المبلغ تم بطريقة جرمية واتخاذ موظفي المصرف رهائن. مع الإشارة إلى أن المبلغ لن يُعاد إلى المصرف، بل سيُحفَظ لحين البت بالقضية.
علماً أن الزوجة التي حصلت على المبلغ، توارت عن الأنظار، وأصدرت النيابة العامة بلاغ بحث وتحرٍّ بحقّها.
… والقضاء يخلي سبيل الساعي
وبعد مضي عشرين يوماً على توقيفه، أصدرت القاضي اماني سلامة قراراً بإخلاء سبيل الموقوف عبد لله الساعي لقاء كفالة مالية قدرها ٢٠٠ ألف ليرة لبنانية.
وقالت وكيلة الساعي، المحامية في «رابطة المودعين» دينا أبو زور: «لا تزال الوديعة التي انتزعها عبد الله من المصرف مع عائلته».
وأثار القرار القضائي تأييداً واحتفاء في مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن صاحب الحق انتزع حقه بيده، وأن «القرار يؤشر الى تقييم الأفعال المنسوبة للساعي في إطارها العام، أي في إطار تعدي المنظومة المصرفية على المودعين من دون عقاب».