فيتش تبقي التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية عند «RD»

أبقت وكالة التصنيف الدوليّة فيتش (Fitch Ratings) في ١٢ آب/أغسطس ٢٠٢٢ تصنيفها الإئتماني الطويل الأمد بالعملات الأجنبيّة (Long-term foreign currency IDR) للدولة اللبنانيّة عند حالة التخلّف عن الدفع المقيّدة (Restricted Default)، كما وأبقت الوكالة التصنيف الإئتماني القصير الأمد بالليرة اللبنانيّة وبالعملات الأجنبيّة (Short-term local and foreign currency IDR) عند «C» والتصنيف الإئتماني الطويل الأمد بالعملة المحليّة (Long-term local currency IDR) عند «CC»، وتصنيف السقف السيادي عند «CCC». وقد عزت الوكالة تصنيف الـ «RD» السيادي إلى تخلّف الحكومة عن دفع سندات اليوروبوند التي إستحّقت في ٩ آذار/مارس ٢٠٢٠. وقد أضافت الوكالة بأنّ الحكومة قد توقّفت عن دفع سندات اليوروبوندز بالعملات الأجنبيّة بإنتظار عمليّة إعادة هيكلة الدين، فيما لا تزال تدفع مستحقاتها بالعملة المحليّة.

وبحسب وكالة فيتش، فقد توصّل لبنان إلى إتّفاق مع صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل ٢٠٢٢ للحصول على تمويل خارجي لفترة تمتدّ على أربعة سنوات وبقيمة ٣ مليار د.أ. بهدف مساندة برنامج إصلاحي مالي وإقتصادي شامل. ولكّن الوكالة أشارت أنّ وقت البدء بتنفيذ البرنامج غير أكيد بسبب المشهد السياسي في لبنان والذي من شأنه أن يعرقل تنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على موافقة مجلس إدارة الصندوق.

في هذا الإطار، فقد أشارت وكالة فيتش إلى وجود عدد كبير من الخطوات يطلب تنفيذها صندوق النقد كموافقة مجلس الوزراء على إستراتيجيّة لإعادة هيكلة المصارف، وموافقة المجلس النيابي على تشريعات لتسوية القضايا المصرفيّة العاجلة، وقانون جديد للسريّة المصرفيّة وموازنة العام ٢٠٢٢. وقد إشترط صندوق النقد أيضا أن يتمّ توحيد أسعار الصرف، ترافقا مع تطبيق الكابيتال كونترول، والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والبدء بتقييم كلٍّ من أكبر ١٤ مصرفاً. وبحسب الوكالة، يبدو أنّ السلطات اللبنانيّة قد بدأت بإحراز تقدّماً في بعض هذه المطالب كالبدء بتعديل قانون السريّة المصرفيّة، وشبه إتمام التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، كما ومن المتوقّع أن يتمّ تحديث وإشراع موازنة العام ٢٠٢٢ في القريب العاجل.

وبحسب وكالة فيتش، فإنّ أحد المشاكل الرئيسيّة هو الرصيد الصافـي السلبي للإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان وتداعياته على المصارف والمودعين. بالتفاصيل، فقد كشفت وكالة فيتش أنّ مطلوبات المصارف بالعملات الأجنبيّة لدى مصرف لبنان قد بلغت ١٠٤ مليار د.أ. مع نهاية شهر حزيران/يونيو ٢٠٢٢، في حين بلغت توظيفات المصارف بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان ٧٩ مليار د.أ. ولكنّها غير متوفّرة لها بما أنّ إجمالي إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة قد وصلت إلى ١١ مليار د.أ. مع نهاية شهر حزيران/يونيو ٢٠٢٢ (دون احتساب إحتياطات الذهب التي تقدّر قيمتها بـ١٧ مليار د.أ. والتي تتطلّب تشريع قانون في مجلس النوّاب لبيعها وسندات اليوروبوندز لدى مصرف لبنان والبالغة قيمتها ٥،٠٣ مليار د.أ.). وقد كشفت وكالة فيتش عن غياب التوافق بين الحكومة والقطاع المالي حول كيفيّة معالجة الشحّ بالدولار الأميركي وتوزيع الخسائر. وقد ذكرت فيتش أنّ البيئة الماكروإقتصاديّة السائدة قد تدهورت بشكلٍ جذريّ بسبب القيود على التحاويل (Capital Control) وشحّ العملات الأجنبيّة وإرتفاع مستويات التضخّم ما أعاق الحركة التجاريّة.

وقد أشارت الوكالة إلى مشكلة تعددّ أسعار الصرف، والتي تشمل سعر الصرف الرسميّ والذي هو عند ١،٥٠٧ ليرة لبنانيّة للدولار الأميركي الواحد وسعر الصرف المتقلّب في السوق السوداء والذي بلغ مستوى الـ ٣٠،٢٠٠ ليرة لبنانيّة للدولار الأميركي الواحد مع نهاية شهر تمّوز/يوليو ٢٠٢٢. وقد قدّرت وكالة فيتش أيضا بأنّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي قد إنكمش بنسبة ٢٦٪ في العام ٢٠٢٠ وبنسبة ٥٪ في العام ٢٠٢١ مع توقّعات بأن ينكمش بشكلٍ إضافي في العام ٢٠٢٢، مع العلم أنّ الحركة الاقتصادية في القطاع الخاصّ بدأت تستقرّ. وقد أشارت الوكالة أنّ متوسّط تضخّم الأسعار قد بلغ نسبة ٢٠٠٪ سنوياً في العام ٢٠٢٢ (مقارنة بمتوسّط تضخّم أسعار بلغ ١٥٥٪ في العام ٢٠٢١ و٨٥٪ في العام ٢٠٢٠).

وقد علّقت وكالة فيتش على أنّ تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي قد رفع نسبة الدين العام من الناتج المحلّي الإجمالي إلى ٣٦١٪، وهو ضعف المستوى الذي سجّل في العام ٢٠١٩. في هذا الإطار، فقد علّقت الوكالة أيضاً أنّ مستوى الدين في العام ٢٠٢٢ وما بعد سيعتمد على أي معايير جديدة إعادة هيكلة للدين. وقد أشارت الوكالة أنّ صندوق النقد الدولي قد توقّع أن ينخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي إلى ١٢٧٪ في العام ٢٠٢٢ قبل أن ينخفض بشكل تدريجي إلى ١٠٠٪ في العام ٢٠٢٦. وقد قدّرت وكالة فيتش أن التضخّم قد تسبّب بتراجع قيمة الدين بالعملة المحليّة إلى ٤٩٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢١، وهي نسبة أقل من نصف تلك التي سجّلت في العام ٢٠١٩. في هذا الإطار، فقد أشارت الوكالة أنّ الحكومة اللبنانّية ذكرت أنّ الدين العام بالعملة المحليّة لن يُشمل في إعادة هيكلة الدين العام، كما ذكر في برنامج صندوق النقد. ولكنّ وكالة التصنيف قد علّقت على عدم اليقين حول مسألة إعادة هيكلة الدين العام بالعملة المحليّة كون المحادثات مع المستثمرين لا تزال متوقّفة وأنّ أي إعادة هيكلة للدين سوف تتسبّب بإصلاح شامل للقطاع المالي.

من جهةٍ أخرى، فإنّ موازنة العام ٢٠٢١ تظهر بعض التوازن بين إيرادات الدولة ونفقاتها، مقارنة بعجز بلغ نسبة ١١٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠١٩ في ظلّ تعليق خدمة الدين الخارجي، وتحويل مصرف لبنان للدين بالعملة الأجنبيّة إلى دين بالليرة لبنانيّة وعدم وجود موازنة بعد العام ٢٠٢٠. بالتفاصيل، فقد علّقت وكالة فيتش أنّ موازنة العام ٢٠٢٠ تظهر بعض التقشّف لجهة النفقات الحكوميّة مع بعض الزيادة في الإيرادات نتيجة زيادة نسبة التضخّم لاسيّما أنّ الرسوم الجمركيّة لا تزال تحتسب وفقاً لسعر الصرف الرسمي. وقد كشفت الوكالة أنّ صندوق النقد يتوقّع أن يزيد العجز المالي بنسبة ٧٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢٢ قبل أن يتراجع إلى نسبة ٢٪ في العام ٢٠٢٦ في حال تمّ إعتماد الإصلاحات المطلوبة في إتّفاق صندوق النقد.

من منظارٍ آخر، فقد كشفت الوكالة بأنّ عجز الحساب الجاري قد إنكمش إلى نسبة ١٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢١ مقارنة مع نسبة ٢٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠١٩ نتيجة تراجع فاتورة الإستيراد بنسبة ٣٠٪ وإرتفاع صافـي تدفقات التحويلات المالية وتعليق سداد الدين الخارجي. وتقدّر وكالة فيتش أنّ ضعف الطلب المحلّي وقلّة التمويل الخارجي سوف يخفّفان من عجز الحساب الجاري في العام ٢٠٢٢ .

أخيراً، أشارت الوكالة إلى أنّها ستعيد النظر إيجابياً بتصنيف لبنان في حال توصّلت الحكومة إلى إتّفاق إعادة هيكلة مع دائنيها ونجحت بتطبيق هذا الإتّفاق. كما ويمكن أن يعاد النظر إيجابياً بالتصنيف الإئتماني الطويل الأمد بالعملة المحليّة في حال إعادة هيكلة الدين لم تشمل الدين المحلّي. من ناحية أخرى، أعلنت الوكالة أنّها ستخفّض التصنيف الإئتماني الطويل الأمد بالعملة المحليّة إلى «C» في حال تمّ التوصّل إلى إتّفاق لإعادة هيكلة الدين بالعملة المحليّة وإلى «RD» في حال حصول تخلّف عن دفع هذا الدين من دون التوصّل إلى إتّفاق لإعادة هيكلته.