نجحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في اقرار مشروع قانون موازنة ٢٠٢٢، في ظل اعتراضات عدة تاركة باب النقاش والتعديل للبنود المختلف عليها مفتوحاً امام المجلس النيابي، لكنها فشلت في تقديم مشروع متكامل متناسق يرقى الى مستوى الازمة الخطيرة التي ترهق البلد، بحيث غابت الرؤية الواضحة والمقاربة الشفافة والمصارحة الحقيقية لكيفية الخروج من الازمة، ناهيك عن وضع الخطوات العملية لذلك.
تشكل موازنة ٢٠٢٢ ركيزة اساسية من ركائز حوار الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، وهي بهذا المعنى فشلت في التأكيد على قدرتها على الايفاء بالتزاماتها المستقبلية بالاستناد الى تقييم قدرتها على جعل الدين العام مستداماً، فالصندوق يركّز على خفض العجز في اطار سياسة مالية متكاملة بالاضافة الى اعادة هيكلة النظام الضريبي وتحديد النفقات والواردات وتوزيعهما، فأتى المشروع هزيلاً يفتقر الى الواقعية ولا يذكر الدين العام ولا يقترح حلولاً لانهاء ازمة سداده المتعثر. اما من ناحية خفض العجز، فيرتكز المشروع على زيادة الايرادات عبر زيادة مقنّعة للضرائب والرسوم، عبر ربطها بسعر الصرف غير المحدّد، كما انه لا يبحث اطلاقاً في «ترشيق» القطاع العام المتخم وغير المنتج لخفض نفقاته.
تجزم النظريات الاقتصادية ان الزيادات الاضافية على الضرائب والرسوم تسبّب انخفاضاً في قيمة الدخل وحجم الاستهلاك، مما يؤدي الى انخفاض ايرادات الدولة من جهة وتشجيع عمليات التهريب من جهة اخرى، لاسيما وان حدود لبنان مشرّعة امام كل انواع المهربين.
وعلى رغم افتقارها للمعايير الانقاذية في زمن الانهيار الشامل فإن «الشعبوية» التي تتحلى بها معظم الطبقة الحاكمة في لبنان، تمظهرت بأبهى حُللها عبر تنصّل كتل ونواب منها، كان ممثلوهم داخل مجلس الوزراء وافقوا عليها. الحكّام الأغبياء يستمرون في غبائهم والمواطن يدفع الثمن.
فشل الحكومة في تقديم موازنة مقبولة من صندوق النقد، ترافق مع فشل توحيد سعر الصرف، وهو احد ابرز واشمل الاصلاحات التي يطلبها الصندوق.
حوّلت السياسة النقدية الفاشلة المضاربة على سعر الصرف عملية رابحة للمضاربين ومستمرة منذ بداية الازمة، في حين انه لا بد لأي عملية توحيد للسعر المعتمد من ان تبدأ بالاتفاق على نظام محدّد لسعر الصرف، تنطلق بعدها عملية تحديد حجم العرض والطلب على السوق الداخلية، ثم على سوق التعاملات الخارجية، مترافقاً مع قرار المركزي بالتدخل في سوق القطع لمنع المضاربات والاضطرابات، مع الاخذ في الاعتبار قدراته وامكاناته، في شكل لا يؤدي الى تكرار مأساة التدخل السابق.
كيفية توزيع الخسائر في القطاع المالي شكّل الفشل الاكبر وكشف عمق تفكير الطبقة الفاسدة الحاكمة حول كيفية تحميل المودعين معظم الخسائر، ففي حين ان المنهجية المعتمدة لتقدير الخسائر جاءت متماشية ومتماهية مع منهجية صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية دولية اخرى، فان العبء الاكبر للخسائر وقع في نهاية المطاف على عاتق المودع.
يدرك صندوق النقد الدولي الواقع اللبناني بتفاصيله، وهو راغب حقاً في مساعدة هذا البلد رحمة بشعبه ورأفة بالمستثمرين فيه… وهو لذلك يطالب الطبقة السياسية باجراء الاصلاحات واتباع منهجية رجال الدولة لا رجال العصابات والميليشيات وارباب الزعامات والاقطاعات…
في تقريره الاخير قال الصندوق «ان كساد الاقتصاد اللبناني من تدبير قيادات النخبة في البلاد بما يعرّض الاستقرار والسلم الاجتماعي للخطر على المدى الطويل».
لعبة التضخم والفساد والافقار والتجويع والاذلال… اتقنتها السلطة اللبنانية ولا تزال، وهي مستمرة في اتباع هذا النهج طالما ان الشعب لا يعلّق المشانق للزعماء.