أَصدَرَ البنك الدولي مؤخّراً تقرير تحت عنوان «تأثير الحرب في أوكرانيا على التجارة والإستثمار حول العالم» والذي أظهر من خلاله تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، وخاصّةً من حيث التجارة والإستثمار. ووفقاً للتقرير، بدأت الحرب في وقت صعب للإقتصاد العالمي الذي شهد تباطوأ في الإنتعاش بسبب الركود الاقتصادي الناتج عن تفشّي فيروس الكورونا من جديد. وقد أشار البنك الدولي أنّ تضخّم الأسعار يرتفع في عدّة بلدان كما وأنّ بعض الدول قد قرّرت زيادة نسب الفوائد من أجل وضع حدّ لإرتفاع تضخّم الأسعار. في السياق نفسه، أضاف التقرير أنّ الإنقطاعات في التجارة والإستثمار سيضع سقفاً للنمو في البلدان قيد التطوّر وسيتسبّب بإرتفاع الأسعار، خاصّةً في البلدان التي ستفرض حظر تجاري لحماية إقتصاداتها. من منظارٍ آخر، فقد كشف البنك الدولي عن خمسة قنوات للتجارة والإستثمار المباشر وهي ناتجة عن الحرب في أوكرانيا والتي ستؤثّر على عدّة بلدان ألا وهي إنقطاعات في أسواق السلع الأساسيّة (وخاصّة المأكولات والمحروقات)، الشبكات اللوجستيّة وإمدادات التوريد والإستثمارات الأجنبيّة المباشرة وقطاعات محدّدة. وقد ذكر التقرير أنّ تجارة المأكولات والمحروقات هي أوّل من عانت من تداعيات الحرب. بالتفاصيل، كشف التقرير أنّ روسيّا وأوكرانيا هما من أكبر سبعة بلدان منتجة ومصّدرة للقمح والذرة والشعير وبذور دوار الشمس وزيت دوار الشمس. وبحسب التقرير، فإنّ معظم هذه المنتجات تصّدر إلى شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبّا والصين (التي تستورد الذرة من أوكرانيا). أوكرانيا هي مورّد أساسي لزيت دوار الشمس والذي يشكّل أكثر من نصف الإنتاج العالمي. وأضاف التقرير أنّ روسيّا هي مورّد كبير للمحروقات (النفط الخام والغاز الطبيعي) وللأسمدة والسلع الزراعيّة الأساسيّة. وقد أشار التقرير أنّ توقّف هذه الإمدادات يتسبّب بإرتفاع في الأسعار مع تفاوت التأثير بين الدول المصدّرة والدول المستوردة. بالتفاصيل، ودائماً بحسب تقرير البنك الدولي، فإنّ البلدان المصدّرة ستحقّق أرباح من إرتفاع أسعار السلع الأساسيّة وستتمكّن من زيادة إنتاجها وشحناتها، الأمر الذي سيغطّي جزء من تراجع التصدير من أوكرانيا وروسيّا. من جهةٍ أخرى، ستتأثر البلدان المستوردة بشكلٍ سلبيّ من تداعيات الحرب نتيجة الإرتفاع في الأسعار إذ أنّها تستهلك هذه السلع الأساسيّة كما وتستعملها في صناعة مواد وخدمات أخرى لتصدّرها. وقد ذكر التقرير أيضاً أنّ الإنقطاعات في الإمدادات هذه ستتسبّب بتداعيات سلبيّة على التجارة والرفاهيّة. وبالتالي، فقد أصدر البنك الدولي نموذج التوازن العام القابل للحساب (Computable General Equilibrium) لقياس مدى التأثير على التجارة والرفاهيّة. بالأرقام، فقد أظهرت أرقام البنك الدولي أنّ الدخل العالمي تراجع بنسبة ٠،٧٪، كما وكشف أنّ البلدان ذو دخل منخفض قد شهدت إنخفاضاً بنسبة ١٪ جرّاء التراجع في مستويات التصدير العالميّة لهذه السلع. كما وكشف النموذج أنّ المصدّرون الصناعيّون (كفييتنام، وتايلندا والمكسيك) شهدوا تراجع كبير في دخلهم الحقيقي (وخاصّةً في القطاعات المستهلكة للطاقة) فيما شهدت بلدان مصدّرة لمحاصيل (كتركيّا والبرازيل والهند) وتلك المصدّرة للمحروقات (كنيجيريا وبعض البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) إرتفاعاً في صادراتها، الأمر الذي خفّف من تأثير الحرب السلبي عليها. في المقابل، أشار البنك الدولي أنّ التدخّلات في السياسات التجاريّة تهدّد بزعزعة أسواق المواد الغذائيّة. بالتفاصيل، فقد ذكر السلبي عليها. في المقابل، أشار البنك الدولي أنّ التدخّلات في السياسات التجاريّة تهدّد بزعزعة أسواق المواد الغذائيّة. بالتفاصيل، فقد ذكر التقرير أنّ أوكرانيا وروسيّا مُجتَمعةً مسؤولة عن ٢٥٪ من صادرات القمح العالميّة و١٥٪ من صادرات الذرة والأسمدة العالميّة. كما وأضاف التقرير أنّ إنقطاع إمداد هذه السلع الأساسيّة سيتسبّب بإرتفاع في أسعار السلع الأساسيّة (إرتفع سعر القمح بأكثر من ٤٠٪ منذ بدأ الحرب). من جهةٍ أخرى، فقد كشف التقرير أنّه تمّ فرض ٥٣ سياسة تجاريّة جديدة (٦٧ إذا شملنا الإعانات) منذ بدء الحرب، كما وأنّ القيود على التصدير تشكّل ٣١ سياسة منها. وبحسب البنك الدولي، فإنّ هذه القيود على التصدير قد تؤدّي إلى أزمة طعام عالميّة، ممّا قد ينتج عنه ارتفاع في أسعار المأكولات لدى الدول المستوردة (وخاصّة البلدان ذو الدخل المنخفض وتلك ذو الدخل المنخفض والمتوسّط في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وفي الشرق الأوسط). وقد أشار البنك الدولي أيضاً أنّ العقوبات التي فرضت على روسيّا بعيد غزوها لأوكرانيا تسبّبت بزعزعة الربط التجاري بين هذين البلدين وأثّرت على لوجستيّات المنطقة. في هذا الإطار، فقد أشار التقرير أنّ علاقات روسيّا مع المرافئ الأوروبيّة قد إنقطعت ما إضطرّهم إلى إيجاد دول مستوردة أخرى لتصريف السلع الأساسيّة التي تنتجها روسيّا وأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أنّ بعض المرافئ في أوكرانيا والمطلّة على البحر الأسود قد تمّ هجرها أو مصاردتها، الأمر الذي حد من سبل التصدير.
وبحسب البنك الدولي، فقد تسبّبت الحرب بإقفال المجال الجوّي بين روسيّا و٣٦ بلداً الأمر الذي أدى إلى إعتماد طرق أطول وأكثر كلفةً للشحن الجوّي بين أوروبّا وشرق آسيا. من جهة إمداد التوريد، فقد أشار التقرير أنّه يوجد بعض القطاعات (خاصّةً في الإتّحاد الأوروبّي) التي تعتمد بشكلٍ حاسم على مواد مستوردة من أوكرانيا ألا وهي الحديد والصناعات الثقيلة وأشباه مواصلات (Semiconductors) للذكر لا للحصر. أمّا فيما يخصّ روسيّا، فقد كشف التقرير أنّ القطاعات التي تعتمد على مواد مستوردة من روسيّا تشمل الحديد والمواد الكيماويّة والأسمدة وسلع أساسيّة أخرى، ذاكراً أنّ أكبر الشركاء التجاريّين لروسيّا هم الولايات المتّحدة والصين وألمانيا والتي تستورد سلع أساسيّة روسيّة وتصدّر سلع عبر سلسلة القيمة العالميّة (Global Value Chain). يجدر الإشارة في هذا الإطار أنّ الإتّحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي ورابطة الدول المستقلّة ستتأثّر بشكلٍ كبير من الإنقطاعات التجاريّة، دائماً بحسب البنك الدولي. وأضاف التقرير أنّ الحرب من المتوقّع أن تحدّ من الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة في البلدان المجاورة وفي قطاع الطاقة. ووفقا للبنك الدولي، فإنّ البلدان المجاورة كأرمينيا ومولدوفا وجمهوريّة قيرغيزستان (حيث أنّ أكثر من ٢٠٪ من الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة الوافدة هي من روسيّا) قد تتأثّر من قلّة توافد الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة والخسائر على الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة الخارجة من روسيّا. في الإطار عينه، كشف التقرير أنّ البلدان الأوروبيّة (فنلندا وألمانيا والنرويج) هي مستثمر كبير في قطاع الطاقة في روسيّا وتعتمد بشكلٍ كبير على النفط والغاز الروسي. ولكنّ التقرير حذّر أنّ التأثير المباشر للحرب على الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة العالميّة قد يكون محدود كون روسيّا وأوكرانيا لا تلعبان دوراً بارزاً في شبكات الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة العالميّة. من جهةٍ أخرى، فإن التأثير غير المباشر قد يكون أقوى نتيجة درجة عالية من عدم اليقين والمخاطر الجيوسياسيّة التي قد تخفّف من ثقة المستثمرين.
وقد علّق التقرير أنّ تبعات الحرب على المدى الطويل لجهة التجارة والإستثمار حول العالم هي مربوطة بشكلٍ أساسي بكيفيّة تعاطي الحكومات مع التغيّرات في المناخ الجيوسياسي. وقد أشار البنك الدولي أنّ مخاطر بروز أضرار في نظام التجارة والإستثمار قد تزيد بشكلٍ سريع، يرافقها تراجع في مستويات العولمة. وقد علّق التقرير أنّه على الشركات أن تستجيب للصدمة من خلال إعادة تقييم للمخاطر الأمنيّة والتي بدورها قد تؤدّي إلى تغيّرات في هيكليّة سلسلة الإمداد العالميّة (Global Value Chain) مع إبتعاد شركات الإنتاج عن البلدان الأكثر خطورة، مع العلم أنّ العمليّة ستحصل بشكلٍ تدريجي عوضاً عن شكلٍ فوريّ وستؤثّر على القطاعات والمنتجات بشكلٍ مختلف.
أمّا محليّا،ً فقد أشار التقرير أنّ لبنان يستورد ٨٦٪ من حاجاته للقمح من روسيّا وأوكرانيا، كما ويستورد كميّات كبيرة من الحبوب وبذور دوار الشمس والفحم والمحروقات ومنتجات الفحم من البلدين. وقد ذكر البنك الدولي أنّ متوسّط إستيراد لبنان للقمح من أوكرانيا على فترة تمتدّ بين العامين ٢٠١٨ و٢٠٢٠ بلغ حوالي ٩٠ مليون د.أ.، وهو ما يشكّل ٦٧٪ من كميّة القمح المستوردة من لبنان.