بداية، غرق لبنان في مشاكله نتيجة غياب الدولة وسيادة مفهوم الطائفة باستقواء الخارج ولا يمكن لأي فئة رمي الحجر لانهم جميعاً في الخطيئة. والعاقل في خضم الازمات يبحث عن الحلول فيما الغوغائي يفتش عن كبش محرقة، ولا يعني ذلك ان الحلول لا تتضمن محاسبة ايادي الفساد.
نحن الآن نواجه خمسة انواع من الازمات هي: نقدية، مصرفية، مالية، اقتصادية وسياسية. الازمات الثلاث الاخيرة هي الاهم وحلولها رهينة التوافق على بناء دولة بالمعنى الصحيح والتي بصراحة لا اراها قائمة ولذلك يأتي التركيز على الازمة النقدية والمصرفية مع اقتناعي بانه يمكن احداث اختراق يخفف من حدة الازمة الحياتية مع ترابط تدريجي للحل النهائي مع مشروع بناء الدولة لاحقاً.
لا يغيب عن بالنا ان ما يقال عن سوء ادارة النقد هو في الحقيقة نصف الكلام اذ ان الصحيح ان ادارة النقد العجيبة منذ عام ١٩٩٣ كانت الانسب للتعايش مع الاوضاع السياسية البعيدة عن بناء الدولة ليس منذ ١٩٩٣ بل منذ عام ١٩٦٩ او اقله ١٩٧٥ ولا غرابة في ان نشير الى ان المستفيد الاول من هذه الادارة كانت الطبقة السياسية.
الازمة النقدية الحالية غير عصية على الحل غير ان الحلول لا يمكن ان تتعارض مع الدستور وهوية لبنان في النظام الحر والحفاظ على الملكية الخاصة. والمدخل الصحيح للحل هو الاعتراف بالمشكلة ومقاربة الحل من الرأس والاساس وليس من الاطراف بأسلوب الترقيع وتقطيع الوقت.
الازمة النقدية تحمل ثلاثة اوجه: ازمة مصارف، ازمة مودعين، وازمة سعر صرف وانظمة دفع.
المصارف اليوم هي في حال توقف عن الدفع وتخضع للقانون ٢/٦٧ وان مفاعيل القانون ١١٠/٩١ والقانون ١٩٢/٩٣ لم تعد وافية للمعالجة. لكن وضع المصارف في خانة التوقف عن الدفع مرده ان اموالها لدى مصرف لبنان او سندات الدين على الدولة غير قابلتين للتسييل السهل لمواجهة السحوبات من المودعين بالدولار الاميركي.
ازمة المودعين تتلخص بأن الاعراف والتسميات الجديدة بالدولار المحلي والسحب بالليرة على اسعار مصطنعة تتعارض مع القوانين وتنتهي الى سلبهم مدخراتهم وجنى عمرهم.
ازمة سعر الصرف تشير الى اختلال النظام النقدي والعودة الى انظمة الدفع النقدي الورقي في حين يتجه العالم الى انظمة الدفع الرقمي او حتى الافتراضي. اضافة الى ذلك، تفقد الليرة اهم عناصر الامان لها في استعمالها عملة ادخار واقراض وتسعير للقيم المادية والمعنوية.
لذلك، نأتي بالحلول من تعريفنا للمشاكل اعلاه، وما نطرحه هو في مصلحة كل الاطراف اي المصرف، المودع، مصرف لبنان، الدولة المستهلك، المغترب، الاسواق والاقتصاد. ستجري معالجة كل وجه من وجوه الازمة منفردة غير ان الترابط يظهر واضحاً في تفاصيل المعالجة لكل وجه من وجوه الازمة.
اولاً: المصارف
لا نستطيع التسليم بأن المصرف الذي لا يقوم باعمال التسليف ولا يسدد للمودع امواله ولا يلتزم بالنسب المالية والمعايير الدولية هو مصرف قابل للاستمرار محلياً ودولياً. ولكي يعود المصرف مصرفاً صحيحاً يجب ان يعتمد اصول العمل المصرفـي من ربحية وسيولة وملاءة ورافعة وحوكمة. ولكي ندفع بالمصارف الى الالتزام الكلي بالمعايير من خلال السلطة الناظمة اي مصرف لبنان يجب ازالة الاسباب الآتية من السلطة الناظمة ليعود البنك المركزي سلطة نقدية وسلطة ناظمة بيد حرة مطلقة ويعود المصرف مسؤولاً وملتزماً بالمعايير الدولية دون اعفاءات او مرونة.
لأجل ذلك، يكون الحل بأن يأسس مصرف لبنان مصرفاً محلياً لا رابط دولي له يقوم بشراء ودائع الافراد والمؤسسات والشركات غير المالية من المصارف بالعملة الاجنبية مع سجل حركتها منذ ٢٠١٩ باستثناء الودائع الجديدة ويحرر المصارف من الاعباء وخطر التعرض لحالات التوقف عن الدفع.
بالطبع هذا التحرر لا يعني عطاء مجانياً بل تدفع المصارف كلفته الصحيحية ويصار الى تغطية هذه الودائع المحولة من خلال تملك المصرف الجديد موجودات المصارف وفقاً للسلم الآتي:
– ايداعات المصارف لدى المراسلين باستثناء صافـي الودائع الجديدة
– سندات اليوروبوند وفقاً للقيمة الدفترية
– صافـي الودائع لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية على اساس القيمة الحالية بما فيها التوظيفات الالزامية
– الاصول العقارية تحت المادة ١٥٣ و١٥٤ والعقارات بالتخصيص بالسعر العادل او الدفتري ايهما اعلى
– العجز يغطى بقرض من المصرف الجديد
– يبقي المصرف محفظة القروض بكافة العملات والودائع بالليرة ويكون مراكز خدمة لعمليات التصفية للمصرف الجديد
– يلتزم المصرف ان يقوم خلال سنة بما يلي:
أ. تسديد العجز لصالح المصرف
ب. ضخ رأسمال جديد بنسبة ١٠٪ من الاصول على ان لا تقل عن ١٠٠ مليون دولار
ت. الالتزام بنسبة ملاءة ١٨٪، نسبة سيولة ١٥٠٪، رافعة مالية ١٠٪ وحوكمة تفصل مجلس الادارة عن الادارة التنفيذية
ث. عدم السماح بتكوين مركز قطع مدين او تجاوز المركز الدائن الموقوف بتاريخ التحويل
ج. كل من يتخلف تشطب رخصته ويصار الى تصفيته قضائياً وفقاً للقانون ٢/٦٧ او ذاتياً من خلال تملك البنك الجديد للموجودات وابقاء اعضاء مجلس الادارة مسؤولين عن العجز
ح. يحافظ مصرف لبنان على الاحتياطي بالاجنبي ومخزون الذهب لغاية سداد الودائع ويمكن استعمال العقارات العائدة له لخفض حساب البنك الجديد في دفاتره
ثانياً: المودعون
المقاربة تأتي من ثلاث زوايا: الحفاظ على الحقوق، عملة الوديعة واسترداد الوديعة.
الوديعة هي تلك العائدة للافراد والشركات من المصرف الجديد وتلك العائدة للمصرف الجديد من مصرف لبنان اضافة الى سندات اليوروبوند المحلية.
بالنسبة الى الايداعات لدى مصرف لبنان يمكن للمصرف الجديد شراء عقارات و/او برمجتها على شطور سنوياً ولمدة ٢٠ سنة، وكذلك سندات اليوروبوند. اما المودع لدى المصارف فهو يدرك ان وديعته محبوسة قسراً وانها ايضاً عرضة للضياع جزئياً او كلياً اذا تعرض المصرف لحال التوقف عن الدفع او تم تحويلها الى الليرة واستمرار حبسها. وان المودع، بعد مضي اكثر من سنتين على ازمة نقدية عامة تشمل السلطة النقدية، يستوجب حمايته من مخاطر افلاس مصرف دون آخر والتعامل على اساس المساواة بين المودعين لمخاطر التوقف عن الدفع.
لأجل حفظ هذه الحقوق اقترحنا نقل الوديعة الى مصرف خاضع فقط لتصفية ذاتية وعززنا موجودات هذا المصرف بالسيولة والعقارات وحفّظنا الايداعات لدى مصرف لبنان مع امكانية استبدالها جزئياً بعقارات وتحديد اجالها بحيث يمكن سحبها تدريجاً وبالعملة ذاتها مع امكانية اجراء سحوبات اضافية محددة اذا اراد سحبها بالليرة اللبنانية اختيارياً ووفقاً لسعر صرف الدولار في السوق. يمكن ان تمتد مدة السحب لفترة ٢٠ عاماً بمعدل ٢٪ سنوياً مع زيادته كل ٥ سنوات ومضاعفته اذا ترافقت السحوبات جزئياً بالليرة.
هذا الاقتراح يعيد المصارف الى حقيقتها وتستمر باموالها الخاصة الاضافية وفقاً للمعايير الدولية والا تخرج من السوق خلال سنة كما يعيد مصرف لبنان الى دوره الصحيح كسلطة نقدية وسلطة ناظمة لا حماية ولا رعاية ولا تغطية لمصارف عجز الامر الذي يحتم على وكالات التصنيف تجاوز القاعدة وتصنيف المصارف بدرجات اعلى من التصنيف السيادي.
ثالثاً: انظمة الدفع وسعر الصرف
لا يعالج سعر الصرف قبل اعادة تكوين القطاع المصرفـي ولن يكون بالامكان الانتقال من انظمة الدفع الورقية ما لم يتم تكوين شبكة دفع محلية موحدة بالعملة الوطنية القابلة للتحويل والتحاويل بحرية وسهولة.
يتضمن الاقتراح الخطوات التالية:
– فتح باب الترخيص لمصارف رقمية برأسمال بالعملة الاجنبية
– وقف المقاصة الداخلية بالعملة الاجنبية وحصر التحصيل النهائي من خلال الحسابات في الخارج
– عدم الايداع لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية مح حرية مصرف لبنان تحديد وتنظيم السيولة للمصارف بكافة العملات
– انشاء شبكة دفع محلية بيومترية بالعملة المحلية مع قبول السداد من خلال البطاقات الدولية وفقاً لاسعار الصرف المحلية مع حرية التحويل التلقائي
– اصدار بطاقات رقمية وبيومترية تكون مؤونتها بالدولار الاميركي وتستعمل داخلياً وخارجياً مع حرية التحويل من قبل حامل البطاقة وصاحب نقاط البيع على السواء اختيارياً وتلقائياً وفقاً لسعر السوق المعلن يومياً مع ابقاء عملة السداد محلية
– اصدار بطاقات رقمية وبيرومترية تكون مؤونتها بالليرة غير قابلة للتحويل الى الدولار تلقائياً تستعمل للتسديد المحلي
– تصفية مراكز القطع يومياً من خلال صندوق قطع يديره مصرف لبنان بحسابات محلية بالليرة ولدى المراسلين بالاجنبي
– التفاوض مع صندوق النقد والدائنين في الاسواق الدولية
– العمل ضمن مفعول المادتين ٧٥ و ١١٣ من قانون النقد والتسليف لجهة صندوق القطع وتغطية الفجوة الناتجة عن مراكز القطع الاجنبي
– الغاء قانون السرية المصرفية والعمل بجدية لتنفيذ القوانين رقم ٤٣ و٤٤ و٤٥/٢٠١٥
خلاصة، لبنان يجب ان يعود الى اصول العمل المصرفـي مستفيداً من ركيزتين ثابتتين هما العنصر البشري في ادارة المصارف والمغترب اللبناني الذي يتوق الى اعادة ثقته بقطاع مصرفـي يحظى بتصنيف دولي جيد. ان اعادة الثقة بالقطاع هو الكفيل باعادة الودائع واستقرار سعر الصرف ويجب الالتزام بهوية لبنان التاريخية فلا مصادرة للملكية الخاصة ولا اسواق موازية ملاحقة بوليسياً بل حرية في التحويل والتحاويل.
كل ذلك لا يعني عدم التدقيق بالعمليات المصرفية المشبوهة ولا في ملاحقة الثروات غير المشروعة دون ان يكون ذلك على حساب هدم الهيكل وتدوين سرقة اموال الناس بحجة التعافـي ومحاربة الفساد وما اقتراحنا الا تجميع للحسابات من اجل عمل ادارتها وتسهيل التدقيق بحركتها والهدف اعادة اموال المودعين.