نعمان أزهري كتابٌ مرجعي… طالعوه!

بقلم: جورج أبي صالح

ودّعت الأسرة المصرفية اللبنانية شخصيّة لبنانية عربية مميَّزة؛ شخصيّة متعدّدة الخصالِ والعطاءات، وذات مساهماتٍ خيّرة ومتنوّعة في أكثر من حقلٍ وقطاع. فالراحل الدكتور نعمان أزهري هو واحد من أبرز رجالاتِ الإقتصادِ والأعمالِ، ومن ألمع الروّاد المصرفيين الذين عرفهم لبنان والعالم العربي طوال نصف قرنٍ ونيّف.

ينتمي نعمان أزهري، السوري الأصل، الى نُخبة من الشباب العربي الذين أُتيحت لهم، في الأربعينات من القرن الماضي، فرصةُ متابعة تحصيلهم الدراسي العالي في أوروبا، فالتَحقَ بمعهدِ العلوم السياسية الشهير في باريس حيث نالَ إجازةً في الحقوق وأخرى في العلوم السياسية، قبل أن ينتقلَ الى جامعةِ باريس الأولى حيث نال شهادةَ الدكتوراه في الاقتصاد. ومنذ خطواتِه الأولى في عالمِ العمل، أي سنة ١٩٥١، اختار نعمان أزهري القطاعَ المصرفـي ميداناً لبناءِ وتكوينِ مساره المهني، فباشر العمل في أحدِ المصارف الفرنسيّة في مطلع خمسينات القرن الماضي، قبل أن ينتقلَ الى سوريا حيث أسس وترأس «مصرف الشرق العربي»، أحد أكبر المصارف في سوريا آنذاك، ثم الى لبنان، المتميز (آنذاك أيضاً) بنظامه السياسي الديموقراطي نسبياً وباقتصاده الليبرالي وانفتاحه الثقافـي.

ومنذ مستهل سبعينات القرن الماضي، تولى الدكتور نعمان، الذي كان قد تشبع بمزيد من الخبرة المهنية المكتسبة في العالم العربي والخارج، إدارة دفة بنك لبنان والمهجر، الذي كان قد أسسه عام ١٩٥١ الرئيس الحاج حسين العويني والشيخ بطرس الخوري والسادة جورج معلوف ونجيب يافت وجوزي خليل وجان سكاف.

وعليه، يكون نعمان ازهري الذي راكم خبرة مصرفية امتدت على سبعة عقود يستحق بجدارة لقب «عميد المصرفيين اللبنانيين».

وطوال تلك العقود، تم تجديد الثقة بشخص الدكتور أزهري ليستمر في رئاسة مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر، الذي نما وتطور في عهده، وتحت إشرافه، ثمّ بمشاركة أنجاله الثلاثة، وبمعاونة صفوة من الكوادر المصرفية الى أن بات هذا البنك يحتل مركزاً طليعياً في القطاع المصرفـي اللبناني، وصار نواة أساسية صلبة لمجموعة مصرفية وتأمينية تلعب دوراً ناشطاً في تمويل الإقتصاد اللبناني بقطاعيه العام والخاص، كما في ربط لبنان المقيم في لبنان المغترب، وفي توفير فرص العمل للشباب اللبناني والعربي وتأمين تدفقات مالية وافدة الى البلد والمساهمة في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيه.

لقد شكّل الدكتور نعمان أزهري مرجعية مصرفية وازنة، ذات موثوقية عالية، ساهمت على الدوام في بلورة كل موقف أو مواكبة كل تحرك فيه مصلحة للإقتصاد اللبناني بعامة وللصناعة المصرفية بوجه خاص.

كان نعمان أزهري رجلاً يتمتع بحسّ الأعمال وحسن القيادة، بروح الجدية والمثابرة، بدماثة الخلق وطيب المعشر، بصلابة الإرادة وبعد النظر، وبحرص شديد على استقرار لبنان ومنعته ونموه وعلى دوره الحيوي الفريد في محيطه الإقليمي.

وقد وظف كل ما يملكه من رصيد شخصي، محلّياً وخارجياً، ومن خبرة ودراية، في خدمة وطنه وعالمه العربي الواسع. وهو، رغم انشغالاته المهنية الكبيرة، لم يتوان عن تخصيص فسحة من الوقت للتأليف، فصدرت له ثلاثة كتب ضمنها، الى سيرته الذاتية الغنية بقصص النجاح والعبر المنورة، بعض أهم أفكاره في الشؤون المالية والمصرفية، فأثبت بذلك أنه رجل تفكير وتدبير في آن.

نعمان أزهري مصرفـي محترف أدرك أن القاعدة الأولى في العمل المصرفـي السليم هي التحوط للمخاطر لا التهافت على الربحية، بأي ثمن، وأن السمعة الطيبة للمصرف ولأعضاء مجلس إدارته وكوادره هي، الى جانب الكفاية، رأسماله الأثمن والأبقى.

للأسف، يرحل نعمان أزهري في وقت يعاني القطاع المصرفـي اللبناني أشدّ وأخطر أزمة في تاريخه، ولعل رحيله وخروج معظم أبناء جيله وأمثاله من قيادة هذا القطاع يشكل التحدي، بل الامتحان الأكبر لكل الذين يتولون الآن دقة هذه القيادة، بالوراثة أو الاختيار.

نعمان أزهري كتاب مرجعي في علم إدارة المال والأعمال، طويت آخر صفحاته، والكل مدعو لمطالعة هذا الكتاب.

 

 

 

 

Comments are closed.