بنك الكويت المركزي يفتح تراخيص البنوك الرقمية

في إطار حرص بنك الكويت المركزي على ترسيخ الاستقرار النقدي والمالي، في ظل بيئة عمل تشهد تعقيدات متزايدة ومخاطر متنامية، وسعيه الدؤوب إلى دعم استفادة القطاع المصرفـي والمالي من التقنيات الحديثة على مستوى نماذج أعمال القطاع، وعلى مستوى بيئة عمله، في ضوء ما تعيشه الصناعة المصرفية والمالية اليوم من تحولات جذرية تعيد صياغة نماذج أعمالها، أقام بنك الكويت المركزي لقاء افتراضياً أمس تحت شعار «التمكن والتمكين».

جاء ذلك في بيان صحافـي لمحافظ البنك د. محمد الهاشل، أشار فيه إلى الدور الرئيسي لـ «المركزي» المتمثل في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، وتمكين القطاع المصرفي والمالي، سعياً لاستدامة الرفاهية للجميع، ومن هنا جاء شعار «التمكن والتمكين».

وأضاف د. الهاشل أنه على جانب تحقيق مزيد من التمكن لتعزيز الاستقرار النقدي والمالي، فقد قام «المركزي» بتطوير أدوات تحليلية متقدمة وأطر عمل متطورة، سواء في مجال أبحاث الاقتصاد الكلي أو السياسة النقدية أو سياسات التحوط الكلي والجزئي، لرفع كفاءة التدخلات الاستباقية، لترسيخ الاستقرار النقدي والمالي، ولمزيد من الحوكمة المؤسسية أنشأ «المركزي» لجنة الاستقرار النقدي ولجنة الاستقرار المالي، وأسند إليهما مهمة الإشراف على تلك التدخلات الاستباقية وتنسيقها.

تمكين الصناعة المالية

وانتقل د. الهاشل للحديث عن تمكين الصناعة المالية، مشيراً إلى أن المؤتمر المصرفـي العالمي (صياغة المستقبل)، الذي عقده بنك الكويت المركزي في ٢٠١٩، شكل محطة لتسريع جهود التحول الرقمي على مستوى بنك الكويت المركزي، وكذلك على مستوى القطاع المصرفـي والمالي، حيث ترجم البنك نتائج المؤتمر إلى مجموعة من الخطوات العملية للحصول على نتائج ملموسة ومباشرة، بينها إصداره الإطار العام لمتطلبات الأمن السيبراني، وتوجيه البنوك لصياغة استراتيجيات مستقبلية، ومراجعة هذه الاستراتيجيات باستفاضة من جانب فريق مختص لدى البنك لاستكمال أي نواقص، وامتد هذا التوجيه كذلك إلى شركة شبكة المعلومات الائتمانية (ساي نت) بهدف تطويرها إلى مركز معلومات ائتمانية متكامل ومتقدم، ومن خلال تعاون وثيق بين «المركزي» وشركة الخدمات المصرفية الإلكترونية (كي نت) تم إعداد مبادرات للاستفادة من أحدث التقنيات، لتطوير البنية التحتية لأنظمة الدفع في الكويت.

وأكد أهمية الكفاءات البشرية في هذه المرحلة، مشيراً إلى توجيه «المركزي» معهد الدراسات المصرفية لتطوير استراتيجية للتدريب ورفع المهارات في القطاع المصرفـي لتوسيع القدرات الوطنية في المجالات الأساسية للصناعة المالية في المستقبل، مشيداً بسرعة تطبيق الحلول والخدمات المالية الرقمية في فترة ٢٠٢٠-٢٠٢١، التي شهدت فترات من الإغلاق لمواجهة جائحة كورونا، حيث وافق «المركزي» على ٧٤ منتجاً وخدمة رقمية خلال هذه الفترة، وكان القطاع المصرفـي يتمتع بجاهزية عالية لتقديم الخدمات الرقمية بأمان، بالاستفادة من إطار الأمن السيبراني الصادر عن البنك، إلى جانب تطويره البنية التحتية لأنظمة الدفع، مثل نظام التسويات الآنية الإجمالية RTGS، ونظام المدفوعات الحكومية الإلكترونية، ونظام المقاصة الإلكترونية، وغيرها.

وأشار إلى أن اللقاء الافتراضي يعرض جهود بنك الكويت المركزي، التي ركزت على أربعة أركان أساسية، هي التحول الرقمي في بنك الكويت المركزي، والعمل المصرفـي الرقمي (Digital Banking) والتقنيات المالية (Fintech)، وتمكين البيئة الرقمية، بما يخدم جميع مكونات الصناعة المصرفية والمالية.

منصة متكاملة

من جانبه، تناول مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي لتقنية المعلومات في بنك الكويت المركزي عبدالله الخزام عملية التحول الرقمي في البنك، مشيراً إلى أنها تعتمد على ٦ ركائز، تتضمن منصة بيانات متكاملة لاستخلاص المعلومات والتقارير رقمياً، ورؤية شاملة للجهات الخاضعة لرقابة البنك، وخدمات رقمية بالكامل بأعلى درجات الكفاءة، وقدرة على استشراف المستقبل والتنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية والمالية عبر أدوات متقدمة لتحليل البيانات بعمق ودقة، وتبني التقنيات المستقبلية لتشكل أساساً لمنظومة عمل رقمية جديدة، وأخيراً دعم كل ذلك بقدرات متميزة وهيكل تنظيمي مرن.

ولفت الخزام إلى آلية تطبيق الاستراتيجية الرقمية لبنك الكويت المركزي، والتي تضمنت ١٦ مبادرة تقودها ١٦ جهة في البنك، ويشارك في تنفيذها أكثر من ١٠٠ موظف من مختلف الاختصاصات، ويقاس أداؤهم وفق أكثر من ٦٠ مؤشراً محدداً بوضوح، تحت إشراف لجنة توجيه مركزية مع خارطة طريق مفصلة للسنوات الثلاث المقبلة.

تحفيز الابتكار

بدوره، أعلن مدير إدارة الرقابة المكتبية في بنك الكويت المركزي د. محمد الخميس انتهاء البنك من وضع إطار للعمل المصرفـي الرقمي، بهدف تحفيز الابتكار وتقديم تجربة غير مسبوقة لعملاء القطاع، مضيفاً أن الإطار التنظيمي هو نتيجة لدراسة شاملة للممارسات الرقابية المتبعة في أكثر من ٢٥ بنكاً مركزياً بخصوص البنوك الرقمية، وتحليل لتجارب ٤٠ بنكاً رقمياً حول العالم، لاستخلاص الدروس من نجاحاتها، والوقوف على جوانب ضعفها، والخروج بإطار عمل يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية.

وأوضح د. الخميس أن إطار العمل جاء ليسمح بتقديم الخدمات المصرفية الرقمية وفق ثلاثة نماذج أساسية للعمل المصرفي الرقمي، حيث يتيح المجال للبنوك القائمة لتقديم وتطوير خدماتها الرقمية عبر وحدات مصرفية رقمية ضمن تلك البنوك، أو بالتعاون مع طرف ثالث، أو من خلال تأسيس بنوك رقمية جديدة.

وأعلن فتح الباب لاستقبال طلبات لتأسيس بنوك جديدة، تقدم خدماتها رقمياً بالكامل، من خلال رخصة مصرفية عامة، وسيقدم البنك المركزي الدعم والتوجيه للمتقدمين، لشرح متطلبات التأسيس والرد على الاستفسارات، مؤكداً ضرورة توفر الرؤية الواضحة والمؤهلات الكافية للمتقدمين، بحيث تشكل البنوك الرقمية الجديدة قيمة مضافة للعملاء والقطاع المصرفـي والاقتصاد الوطني كله.

وأشار إلى أن متطلبات التقديم منشورة بالتفصيل على موقع بنك الكويت المركزي، كما حدد الإطار الزمني لتأسيس البنوك الرقمية، من خلال مهلة لاستقبال طلبات التأسيس تنتهي في ٣٠ حزيران/يونيو ٢٠٢٢، فيما سيعلن «المركزي» الطلبات المستوفية للشروط والمعايير مع نهاية العام الجاري.

إطار معزز

وكما اعتنى «المركزي» بالمؤسسات المصرفية الرقمية، حرص كذلك على دعم وتمكين شركات التقنيات المالية الحديثة، من خلال إطار عمل معزز لترخيص وعمل شركات التقنيات المالية في مجال خدمات الدفع والتمويل والعمليات والبنية التحتية، بهدف تعزيز التكامل بين البنوك وشركات التقنيات المالية، لإيجاد بيئة تشجع الخدمات المالية الرقمية وتدعم تطورها.

وفي هذا الشأن أشارت رئيسة وحدة الرقابة على نظم الدفع والتسوية الإلكترونية أنفال العسعوسي إلى أن بنك الكويت المركزي بهدف تمكين التقنيات المالية (Fintech) وتشجيع الابتكار، قام بتحديث الإطار التنظيمي لعمل تلك الشركات في مجال خدمات الدفع الإلكتروني والتمويل المصغر، بما يعزز التكامل بين البنوك وشركات التقنيات المالية وإيجاد بيئة تشجع الخدمات المالية الرقميّة وتدعم تطورها، مضيفة أن هنالك مجموعة من التطورات المتوقع إنجازها قبل نهاية العام، في ثلاثة مجالات رئيسية هي الدفع الإلكتروني، والتمويل المصغّر، والبيئة الرقابية التجريبية.

وبداية من الدفع الإلكتروني، أعلنت العسعوسي طرح مسودة لتعليمات جديدة في مجال الدفع الإلكتروني، متوفرة على موقع بنك الكويت المركزي، لاستطلاع الآراء حول تلك التعليمات، تمهيداً لإصدارها بصورتها النهائية منتصف العام الحالي، مبينة أن تلك التعليمات تهدف إلى تحفيز الابتكار وتشجيع المشروعات القائمة والناشئة في هذا المجال، من خلال قيام «المركزي» بالدعم والترخيص والإشراف مباشرة على هذه الشركات بما يمكنها من ممارسة نشاطها في بيئة تشغيليّة محفزة ويعزز تنافسيتها، وكذلك تحديد متطلبات رقابية تتناسب مع حجم المخاطر لتلك الشركات، إلى جانب تسهيل الوصول إلى البنى التحتية المكملة لأعمالها.

أما على جانب التمويل المصغر فقد ذكرت العسعوسي أن بنك الكويت المركزي يعمل مع الجهات الرقابية الأخرى على وضع إطار قانوني ورقابي يدعم الشركات الناشئة، لتقديم نماذج جديدة من التمويل، مثل عمليات الشراء بالدفع الآجل، مع المحافظة على أعلى معايير حماية العملاء.

ولفتت إلى دور البيئة الرقابيّة التجريبيّة لدى بنك الكويت المركزي في تمكين التقنيات المالية، لذا يحرص البنك على تطويرها باستمرار وفق أفضل الممارسات العالمية، مضيفة أن التحديثات الأخيرة في إطار عمل البيئة الرقابية التجريبية تحقّق مزيداً من الكفاءة في جميع مراحل البيئة الرقابية التجريبية، إلى جانب تقديم ورش عمل ولقاءات لدعم شركات التقنيات المالية الناشئة، إضافة إلى تسهيل الإطلاق التجريبي للمنتج أو الخدمة في السوق المحلي.

نهج حديث

في السياق ذاته، أكدّت رئيسة قسم السياسات والدراسات الفنيّة داليا السالم أهمية تمكين البيئة التقنية لتحقيق التحول الرقمي على مستوى بنك الكويت المركزي والقطاع المصرفـي والمالي، مضيفة أن منهجية البنك لإيجاد بيئة عمل حيوية للعمل المصرفـي الرقمي والتقنيات المالية تقوم على تبني نهج حديث ومرن للرقابة، وتشجيع الابتكار المسؤول والمستدام، والمساهمة في تطوير المعرفة الرقمية والتقنية.

وفي هذا الجانب أشارت السالم إلى أهمية تطبيق الإشراك الرقمي (Digital Onboarding)، حيث أصبح من الممكن للجهات الخاضعة لرقابة «المركزي» الاستفادة من الحلول المقدمة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية لتطبيق إطار عمل «اعرف عميلك» إلكترونياً، من خلال التحقق من الهوية الرقمية وتسهيل عملية مشاركة البيانات، إلى جانب قبول التوقيع الإلكتروني لتفعيل الخدمات والمنتجات رقمياً.

ولمزيد من تمكين البيئة التقنية أصدر بنك الكويت المركزي إرشادات للجهات الخاضعة لرقابته بشأن الاستفادة من الحوسبة السحابية (Cloud) لمزيد من الكفاءة وتوسيع البنية التحتية الرقمية، وزيادة القدرة على الاستفادة من الجيل الجديد من البرمجيات.

إلى جانب ذلك حدد «المركزي» مساراً واضحاً لتمكين العمل المصرفـي المفتوح في الكويت، وأنشأ لجنة توجيهية من البنك المركزي والبنوك لمباشرة التنفيذ، ووضع أطر العمل ومعايير الحوكمة في هذا المجال، بما يوفر للعملاء خدمات أفضل في بيئة قانونية آمنة مع الحفاظ على خصوصية بياناتهم وسريتها.

كما تناولت جهود «المركزي» مع البنوك وشركة كي نت لتطوير مدفوعات الـ QR code وإتاحتها في جميع نقاط البيع، فضلاً عن تحسين سرعة المعاملات مع الدول الأخرى وكفاءة تلك المعاملات عبر تطبيق نظام المدفوعات الخليجية الآني (آفاق).

وفي الختام، عقب محافظ بنك الكويت المركزي بالتأكيد على استمرار البنك في تطوير أعماله وتعزيز قدراته لأداء أدواره ومسؤولياته في ترسيخ الاستقرار النقدي والمالي، وتمكين القطاع المصرفـي والمالي، معرباً عن أمله أن تشكل خطوات «المركزي» في هذا الجانب فاتحة مرحلة جديدة من التقدم والتطور والابتكار في العمل المصرفـي والمالي في الكويت.

 

 

 

 

 

Comments are closed.