من الحرب العالمية الثالثة ضد الوباء الى الحرب العالمية الرابعة الباردة
لم يُبلسم بعد العالم جروحات الحرب العالمية الثالثة الصحية، في مواجهة جائحة كورونا «كوفيد-١٩»، حتى فوجئنا بالحرب العالمية الرابعة الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية، أوروبا وأكثرية بلدان العالم، ضد روسيا التي تشن حرباً ساخنة ضد أوكرانيا.
ندعوها حرباً عالمية رابعة باردة، لأن هذا الصراع تحوّل حرب عقوبات صارمة ضد روسيا، مما سيؤثر على نحو كبير على كل اقتصادات المنطقة. هذه العقوبات ليست مثل التي شهدناها ضد إيران أو كوريا الشمالية التي كانت لديها تأثير منضبط ومحلي. هذه المرة، العقوبات موجّهة ضد السلطات العظمى، والتي لديها نفوذ إقتصادي عالمي، مما سيؤثّر مباشرة على كل الإقتصادات الدولية والتبادل التجاري العالمي وخصوصاً الأوروبي.
إن حرب العقوبات الجديدة هذه هي عقوبات صارمة ومؤذية ستؤثر أولاً على كل سلاسل التوريد والإستيراد، أما فصل روسيا عن نظام «السويفت» – SWIFT العالمي، فسيُؤثر مباشرة على كل التوازن المالي والنقدي وكل التبادلات التجارية في المستقبل وخصوصاً كل الحسابات القديمة والديون المتعلقة وغيرها، والتي تُعدُّ بالمليارات لا بل بتريليونات الدولارات.
من جهة أخرى، سيكون لهذه الحرب الجديدة تأثير كبير على كل السيولة والتوازن المالي والنقدي والإجتماعي في العالم، وستؤثر مباشرة على كل العملات وخصوصاً العملات الصعبة، وسيلجأ الكثير من المستثمرين ورؤوس الأموال الى العملات المشفّرة Cryptocurrencies لمحاولة حماية سيولتهم وأموالهم. لقد شهدنا كيف هرعَ المستثمرون الروس وراء هذه العملات المشفّرة ليُحافظوا على بعض إمكاناتهم المالية.
على صعيد آخر، خسر المستثمرون ثقتهم بالإقتصاد العالمي، أكان بالعملات أم بالشركات، وسيلجأون ويستثمرون في المعادن ولا سيما الذهب والفضة والسلع الأساسية وحتى العقارات إذا شهدت خفضاً بالأسعار.
وسيشهد العالم انشقاقاً في اقتصاداته التي ستولّد اقتصادين منشقين ومستقلين من جهة الإقتصاد الأميركي والأوروبي والبلدان المتعاطفة معها، ومن جهة أخرى الإقتصاد الروسي الذي سيرتبط مباشرة مع الإقتصاد الصيني لمواجهة هذا الصراع المالي والنقدي والإقتصادي والإجتماعي وخصوصاً السياسي.
فهناك نقاط استفهام كبيرة، فالصراع الحقيقي والسؤال الأساسي هو مَن سيقود هذا العالم الجديد الذي يُعاد بناؤه ما بعد الوباء؟ وكيف ستتقوقع البلدان الكبيرة؟ وكيف سيكون هناك إعادة نظر وخلط للأوراق بين كل الإتفاقات القديمة وسنشهد شراكات جديدة وإنقسامات مستجدة.
في واقع الحال، الذي هو مؤكد أن هذا الصراع الساخن والبارد الجديد، سيولّد تضخماً كبيراً في العالم، وفقراً لدى الشعوب التي تتكل خصوصاً على الإستيراد. فمرة أخرى ستدفع الشعوب والإقتصادات الثمن الباهظ لهذه الإنشقاقات ومعارك النفوذ التي يشهدها هذا العالم الجديد.
في الخلاصة، لقد طُويت صفحة الوباء فجأة، وفُتحت أمامنا صفحة جديدة غامضة وهي صفحة الحروب والمواجهات، وإعادة هيكلة العالم في جميع النواحي، والتي ستولّد دماء وموتاً ودموعاً وقهراً وتهديماً وتدميراً ليس فقط في البناء، لكن أيضاً في الإقتصادات والتوازنات المالية والنقدية والتبادلات التجارية.
Comments are closed.