تطالعنا بين الحين والآخر وبصورة متكررة مؤخراً حوادث وكوارث مؤسفة سببها الحريق وكان أكثرها مأساوية الشهر الماضي وهو الحريق الذي حدث في كنيسة أبوسيفين في حي إمبابة الشعبى بالجيزة غربي القاهية، وهو الحريق الذى أسفر عن مصرع ٤١ شخصاً بينهم ١٥ طفلاً وإصابة ١٦ آخرين، وبالأمس القريب حادث ضخم آخر في كارفور الإسكندرية، ولحسن الحظ لم يسفر عن وفيات ولكن من المتوقع أن تقدر خسائره المادية بالملايين.
وأشار، إلى أن تلك الحرائق تسبب الضرر المادي على مستوى الأفراد والمؤسسات وكذلك على المستوى القومي، حيث ان الخسائر هي في النهاية خسائر للاقتصاد القومي.
والسؤال الذي يثور دائماً: ما الذى يمكن ان يقدمه قطاع التأمين من مساعدة في هذا الأمر والى اي مدى نقيم نجاعة التأمين هذا؟
سنحاول الأجابة على تلك الأسئلة في إيجاز مع وضع عدة توصيات نأمل ان تؤخذ في الاعتبار من كل الجهات ذات الصلة.
في البداية يهمني التأكيد على أن المعرفة العالمية بتأمين الحريق حدثت منذ اكثر من ٤٠٠ عام وتحديداً في العام ١٦١٦ نتيجة مباشرة لحادث حريق ضخم استمر ثلاثة أيام وقضى على الكثير من المنازل في العاصمة البريطانية لندن، والذي كان ناقوس خطر دفع الجميع نحو التأمين، ونحن في مصر نتمنى السلامة ونأمل أن نسرع بالنظر الى التأمين كأحد أهم العوامل التي تساعد في دفع الخطر المادي الناتج عن الحريق.
حوادث الحريق في مصر
وبنظرة سريعة على أخطار الحريق في مصر نجد أنه وفقاً للإحصائيات المنشورة فإن معدل الحوادث شهد زيادة ملحوظة ابتداءً من العام ٢٠١٩ وان كان حدث نقص طفيف فى العام ٢٠٢١، الا انه يظل مرتفعاً والمأمول ان يقل عدد الحوادث سنوياً ولا يزيد، علماً بأن اعداد الوفيات في عام ٢٠٢١ بلغت ٢٥٢ حالة بزيادة ٣١٪ تقريباً بالمقارنة بوفيات عام ٢٠٢٠.
ومن المتوقع ان تكون نتائج عام ٢٠٢٢ اكثر كارثية نظراً لما تم ملاحظته حتى الآن من حوادث كبيرة وتعد القاهرة هى أكبر المحافظات فى أعداد الحرائق بنسبة تصل إلى ١٣،٣٪ من إجمالى الحرائق تليها الجيزة بنسبة ٧،٤٪ في عام ٢٠٢٠.
كما أظهرت الإحصائيات أن السبب الرئيسي للحريق يرجع إلى الإهمال بنسبة ٥٠٪ تقريباً، يليه الحريق العارض بنسبة تصل إلى ٤٧٪.
وتظهر مسببات الحريق أن الماس الكهربائي مسبب لنحو ٢٠٪ من الحرائق بينما الحرائق الصناعية تزيد على ٥٧٪. ويظهر شهر أيار/مايو هو الأعلى من بين شهور السنة بنسبة ١١،٣٪ يليه شهر حزيران/يونيو بنسبة ١٠٪.
التقييم الكمي لخسائر الحريق
في الحقيقة لم يتوافر لدينا إحصائيات دقيقة عن خسائر الحريق للاقتصاد الوطني ككل، ولكن بطريقة افتراضية يمكننا تقدير ان الخسائر تصل الى ٧،٥ مليار جنيه في العام ٢٠٢٠ وهو ما يوازي ٦٢٥ مليون جنيه شهرياً او يمكننا القول بأنه مع كل إشراق شمس تفقد مصر ما يزيد على ٢٠ مليون جنيه وهو رقم كبير جداً يمكننا التقليل منه بصورة كبيرة خاصة مع وجود مقومات تساعدنا في ذلك وصناعة تأمل في تقديم خدماتها للاقتصاد القومي كما سنوضح أدناه.
وهذه بالطبع الخسائر المادية للممتلكات ولا تشمل تلك الأرقام أي تعويضات للمتوفين او المصابين والذي يسبب خسائر مزدوجة لفقدان العائلة لعائلها ومصدر دخلها وبالتالي يلقى العبء على الدولة لتعويضهم وإدراجهم في انظمة الإعانة مثل حياة كريمة.
دور التأمين في التعامل مع اخطار الحريق
من المسلم به ان التأمين بصورة اساسية يقدم التعويض المادي الكافـي بغرض الحفاظ على الأصول والاستثمارات، مما يساهم في استمرارية عملية النمو وتشجيع المستثمرين ورجال الأعمال على استكمال أعمالهم دون تخوف.
وفي رأينا يخطىء من يظن أن هذا هو جُل الفائدة من التأمين اذ ان العامل الأهم هو «ارشادات تقليل الخطر» أو ما يسمى بـ«Risk Control» وهو يتم عادة بالمجان بانتداب شركة التأمين لمهندس متخصص في تقييم الأخطار يقوم بمعاينة المكان المطلوب التأمين عليه وعمل التوصيات اللازمة لتحسين الخطر ولتفادي وقوع الحريق، كما وانه من المعتاد ان تقوم الشركات بمتابعة تنفيذ تلك التوصيات للتأكد من تقليل الخطر وهو ما يشكل عامل إضافـي في سبيل تحسين مواجهة الأخطار، ويعمل التأمين أيضاً على إعطاء حوافز (في صورة تخفيض في الأسعار) لاستكمال اجهزة مكافحة الحريق في المحل المطلوب التأمين عليه.
ويهمني التنويه إلى ان وثيقة تأمين الحريق النمطية في مصر تقدم عادة تغطية إضافية ضد الأخطار الطبيعية (أمطار – أعاصير – زلازل.. إلخ) وهو ما يمكن أن ينظر اليه من ناحية الحماية من أغلب الأخطار المصاحبة للتغيرات المناخية والتي نلاحظها على اختلاف الفصول الزمنية، كما وانها يمكن ايضاً ان تقدم تغطية ضد توقف الأعمال مما يعوض اصحاب الاستثمارات عن مافاتهم من ربح او عائد بالإضافة إلى تغطيات المسؤوليات المتعلقة بحوادث الحريق مثل الوفيات والإصابات الجسمانية.
يبقى القول بأن سعر التأمين عادة هو سعر زهيد جداً في أغلب الأحوال، حيث يكون القسط نسبة من العشرة آلاف بمعنى ان مبلغ مليون جنيه يتم التأمين عليه بمبلغ في حدود ٥٠٠ إلى ٧٠٠ جنيه (ويمكن ان تزيد في حالة زيادة نسب الخطورة) شاملاً كما سبق توضيحه الأخطار الطبيعية وربما المسؤوليات الناشئة عن الحريق. وربما يرجع احجام البعض عن تأمين الحريق الى المفهوم الخاطىء عن تكلفة هذا النوع من التأمين الهام جداً بينما هو لايزيد على ٢ جنيه يومياً لتأمين مبنى بمبلغ مليون جنيه.
وفي إيجاز أتقدم ببعض التوصيات لمعالجة اخطار الحريق بصورة عامة وربما يتسع المجال في مقالات قادمة لسرد وشرح تلك التوصيات بصورة مفصلة، والتي ناقشها المتخصصون في دراسات كاملة ومستفيضة.
على كل منشأه أن تراجع طرق التحكم في الأخطار وإذا كان يلائمها تقوم بعمل التأمين اللازم.
– مراعاة عوامل السلامة في الإنشاء والتركيبات الكهربائية بصورة خاصة مع التأكد من كفاية الأحمال خاصة في فصل الصيف نظراً لزيادة التحميلات على الوصلات الكهربائية
– قيام المنشأه بصورة دورية بعمل تدريبات على التصرف أثناء الحريق «fire drill»
– بالنسبة للمنشآت الصناعية يجب فصل المواد الخطرة عن خطوط الانتاج
– بالنسبة لدور العبادة والأماكن التي بطبيعتها يتواجد فيها اعداد كبيرة مثل المسارح ودور السينما يجب التأكد من إيجاد مخارج بصورة واضحة وان تكون تعمل بكل كفاءة
– التأكد من كفاية وصلاحية أجهزة مكافحة الحريق واختبارها بصورة دورية.
Comments are closed.