التنمية البشرية بين الجائحة والحروب

بقلم: مارون مسلّم

من متوسط العمر الى التعليم ومستوى المعيشة، تراجع العالم خمس سنوات في مجال التنمية، بسبب جائحة كوفيد١٩ ما تؤكد الامم المتحدة، معربة عن خشيتها من ان تؤدي الحرب في اوكرانيا الى تفاقم الوضع على المستويات كافة.

للمرة الاولى منذ تبنيه قبل نحو ثلاثين عاماً، انخفض مؤشر التنمية البشرية الذي يأخذ في الاعتبار متوسط العمر المتوقع والتعليم ومستوى المعيشة، لعامين على التوالي، في ٢٠٢٠ و٢٠٢١، وعاد الى ما كان عليه في ٢٠١٦، في اكثر من تسعين في المئة من دول العالم، وهذا يعني أن البشر يموتون مبكراً وهم باتوا أقل تعلیماً ودخلهم ينخفض. هذه المعايير الثلاثة، يمكن ان تكوّن فكرة عن سبب بدء شعور الناس باليأس والاحباط والقلق بشأن المستقبل.

بينما كان المؤشر يرتفع بشكل مستمر لعقود، عاد في العام ٢٠٢١ الى المستوى الذي كان عليه العام ٢٠١٦ «ماحیاً» بذلك سنوات من التطور. والسبب الرئيسي هو كوفيد١٩، الى جانب الكوارث المناخية التي تتزايد والازمات التي تتراكم من دون اعطاء السكان وقتاً لالتقاط أنفاسهم.

اندلعت حرب روسیا ضد اوكرانیا، وجائحة كوفيد١٩ لم تنته بعد وإِن كانت حدتها قد تراجعت كثيراً، مما اربك العالم سیاسياً واقتصادياً وترك آثاراً اجتماعية وحياتية سلبية في القارة الاوروبية خصوصاً ودول العالم على وجه العموم.

في مقابل الحرب العسكرية رفعت الولايات المتحدة الاميركية والبلدان الاوروبية لواء العقوبات الاقتصادية ضد روسیا، مما الحق ضربة اضافية بالاقتصاد الحر، بعد الضربات المتتالية التي تعرض لها بسبب الجائحة، وادی الى تراجع حركة التجارة والتداول الحر بین الدول.

بین موسكو وبروكسل وعدد آخر من العواصم العالمية، دفعت التصريحات الحادة لإشعال فتيل معركة الطاقة بين اوروبا، حیث هددت دول غربية، بينها أعضاء في الاتحاد الاوروبي، بتحديد سقف لسعر تداولات الغاز الروسي، كجزء من الاجراءات العقابية لموسكو على خلفية غزوها لاوكرانية، وهو ما ردت عليه قيادات موسكو على الفور بالتهديد بوقف التعامل مع الدول التي تفرض مثل هذه القيود، فيما اعتبر الرئيس فلادیمير بوتين ان تحدید سقف مجمل لاسعار الغاز الروسي من قبل الاوروبیين سيكون «حماقة» واضاف لن نرسل أي شيء على الاطلاق اذا تعارض مع مصالحنا، مصالحنا الاقتصادية في هذه الحالة، لا غاز. لا نفط. لافحم لا زیت وقود. لا شيء، داعياً الدول الاوروبية الى العودة الى رشدها… فيما استمرت جولات لمسؤولين بارزين للبحث عن بدائل تعويضية عن الطاقة الروسية، في وقت ازدادت فيه تسریبات التعاون الروسي  الصيني في محور جديد للطاقة يتحدى هيمنة الدولار.

لا زال التضخم سيد الموقف في اقتصادات العالم، بفعل ارتفاع اسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية  الاوكرانية، وارتفاع اسعار معظم المواد والمنتجات الاخرى بفعل تراجع عمل وفعالية سلاسل التوريد خلال الجائحة… وتعمد المصارف المركزية إلى مواجهة التضخم برفع اسعار الفائدة في شكل غير مسبوق…

وسط ازمات العالم هذه، يتخبط البلد الصغير لبنان بازماته السياسية والاقتصادية الحادة التي تبدأ من معركة انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة… ولا تنتهي بطوابير الذل امام محطات المحروقات والافران، مروراً بتضخم غير مسبوق وارتفاع حاد في معدلات الفقر والحاجة والعوز والهجرة الشرعية وغير الشرعية، في ظل انكار واضح من المسؤولين للازمة وعدم وضع أي أطر للحل في مواجهتها.

مرّ العالم بكوارث من قبل وحدثت نزاعات وحروب عدة… لكن تضافرها نواجهه اليوم يمثل انتكاسة كبيرة للتنمية البشرية.

 

 

 

Comments are closed.