توقع بنك قطر الوطني «QNB»، في تقريره، أن تؤدي جائحة «كوفيد-١٩» والصراع الروسي الأوكراني إلى إلغاء المحفزات الناتجة عن «الاعتدال العظيم» على المدى الطويل، مما سينتج عنه فترة أطول من «الركود التضخمي»، وهذا من شأنه أن يقوض كافة المساعي المتعلقة بالسياسة المالية والنقدية والتي تم اتخاذها خلال الجائحة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع النمو إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وأوضح التقرير الصادر عن البنك، أن الفترة التي تراوحت بين عامي ١٩٩٠ – ٢٠٢٠ شهدت ازدهاراً اقتصادياً عالمياً في ظل بيئة اقتصاد كلي يشار إليها عادة بفترة «الاعتدال العظيم»، وهي الفترة التي استفادت فيها الاقتصادات المتقدمة من اعتدال النمو وانخفاض التضخم.
وأضاف أن هذه الفترة مدفوعة بالعديد من الاتجاهات العامة أو طويلة المدى، بما في ذلك الرقمنة والعولمة والتصنيع في الوقت المناسب، واستقلالية البنوك المركزية.
ولفت إلى أن «الركود التضخمي» قد لا يكون مجرد ظاهرة مؤقتة مرتبطة باختناقات العرض الناتجة عن الجائحة والصدمات الجيوسياسية، فهناك تغييران رئيسيان يشيران إلى أن عوامل «الركود» العالمي قد تستمر لفترة أطول تتجاوز الدورة الحالية.
وأشار إلى أن أولى هذه التغيرات تدهور العلاقات السياسية بين القوى العالمية العظمى، مما يحول «المكاسب الجيوسياسية» السابقة الناتجة عن التكامل العالمي إلى «ركود جيوسياسي» وذلك بسبب زوال التأثير الإيجابي للعولمة.
ومن الأمثلة التي أشار إليها التقرير في هذا السياق، التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات الأخيرة ضد روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا.
وقال التقرير: «سيساهم هذا التنافس في إزالة التأثير الإيجابي للعولمة وسيقوض التصنيع في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى بروز الأجندة التي تنطوي على الحمائية، وسلاسل توريد «ذات الطابع المحلي»، والأمن الغذائي، وإغلاق الحدود أمام تدفقات الهجرة».
علاوة على ذلك، فإن التنافس كما يشير التقرير سيجعل الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للصدمات السلبية في جانب الإمداد، مثل الاضطراب في أسواق السلع الأساسية الذي أحدثه الصراع الروسي الأوكراني، ومن ثم، فإن «الركود الجيوسياسي» يؤثر سلباً على الإنتاجية وتدفقات التجارة والاستثمار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج. وهذا يوفر بيئة ملائمة لتراجع النمو وارتفاع الأسعار على المدى الطويل.
أما العنصر الثاني للمتغيرات الذي أورده التقرير، تمثل في أن الجائحة أدت مجددا إلى زيادة كبيرة في الدين العالمي، والذي بلغ بالفعل أعلى مستوياته على الإطلاق. «فمستويات الدين في الاقتصادات الكبرى مرتفعة للغاية، وهذا يجعلها أكثر عرضة للتأثر بدورة كبيرة من رفع أسعار الفائدة».
ورأى التقرير أن استمرار ارتفاع التضخم لفترة أطول سيؤدي إلى الحد من حجم ووتيرة تطبيع السياسة النقدية لكبح نوبات الارتفاع الحاد في الائتمان والركود المحتمل. بعبارة أخرى، فإن مستويات الديون المرتفعة ترغم البنوك المركزية الكبرى على تقليص تدابيرها المتعلقة بإدارة التضخم لضمان استقرار الائتمان والتوظيف.
وأوضح أنه بالرغم من تلميحات «التشديد» من قبل البنوك المركزية الرئيسية في الأشهر الأخيرة، فهناك مجال محدود لاستخدام السياسة النقدية لمحاربة التضخم بشكل أفضل. وبمرور الوقت، فإن ذلك سيساهم في استمرار الضغوط التضخمية.
ولفت التقرير إلى أن التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي هما المحركان الأقوى للنشاط في الاقتصاد الحديث. وعلى الرغم من اختلافهما، إلا أنهما يؤثران على جميع القرارات الرئيسية المتعلقة بأوقات وأماكن الاستهلاك والاستثمار.
وأوضح أن بيئة الاقتصاد الكلي المثالية تتطلب وجود مزيج من ارتفاع النمو وانخفاض التضخم، بمعنى حدوث تزايد في النشاط مصحوب باستقرار في الأسعار». ولكن يصعب تحقيق هذا «الاتزان المثالي» بين النمو والتضخم، وذلك بسبب العلاقة الطردية التاريخية بينهما على المدى الطويل، حيث يؤدي ارتفاع النمو إلى التوظيف والاستغلال الكامل للإمكانات، مما يؤدي بدوره إلى ضغوط على الموارد والأسعار.