نشر معهد التمويل الدولي (IIF) تقريراً تحت عنوان «لبنان: تراكم التحدّيات» وذلك بتاريخ ٢١ تمّوز/يوليو ٢٠٢٢ يناقش من خلاله التحدّيات التي يواجهها لبنان. بالتفاصيل، فقد علّق التقرير بأنّ لبنان يمرّ بحالة شلل سياسي ما قد يؤجّل تطبيق الإصلاحات المطلوبة لتحرير مساعدات ماليّة بقيمة ١٥ مليار د.أ. على فترة ٤ سنوات من المجتمع الدولي (٣ مليار د.أ. من صندوق النقد الدولي و١٢ مليار د.أ. من مؤتمر سيدر). وقد أشار التقرير إلى أنّه يجب تشكيل حكومة وفاق لا تتأثّر بالخلافات السياسيّة من أجل تطبيق الإصلاحات اللازمة (ومن ضمنها التدابير التي تمّ الإتّفاق عليها مع الصندوق)، ما سيعزّز الثقة بلبنان على الصعيدين المحلّي والدولي. أمّا بالنسبة للإقتصاد اللبناني، فقد كشف معهد التمويل الدولي بأنّ الناتج المحلّي قد إنكمش بنسبة ٤٥٪ بين الأعوام ٢٠١٨ و٢٠٢١، كما وبلغ التضخّم نسبة ٢١١٪ على صعيد سنويّ في نهاية شهر أيّار/مايو ٢٠٢٢. كما وأشار التقرير إلى أنّ نسبة البطالة في لبنان قد إرتفعت من ١١٪ في العام ٢٠١٨ إلى ٣٠٪ في العام ٢٠٢١. وقد عدّل التقرير توقّعاته للنموّ في لبنان في العام ٢٠٢٢ ليصبح ٣٪ مدعوماً من حركة سياحيّة قويّة، وخاصّةً في فصل الصيف. وقد عدّل التقرير أيضاً توقّعاته لمعدّل التضخّم من ٩٦٪ إلى ١٥٦٪ للعام ٢٠٢٢ وذلك بسبب تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار وإرتفاع أسعار المأكولات والمحروقات. كما وأشار التقرير إلى أنّ العجز في الحساب الجاري (٢،٧ مليار د.أ.) وفي صافـي الرساميل (٢،٣ مليار د.أ.) سيسبّب تراجع إضافـي في إحتياطات مصرف لبنان (التي تستثني الذهب واليوروبوندز على ميزانيّة مصرف لبنان) إلى ٩ مليار د.أ. في العام ٢٠٢٢. وقد أشار المعهد إلى أنّه يمكن تعديل نسبة الإقتطاعات على الودائع، ذاكراً في هذا الإطار أنّه على الحكومة ومصرف لبنان تحمّل جزء أكبر من الخسائر الماليّة (والمقدّرة بحوالي ٧٣ مليار د.أ.). وقد أضاف التقرير بأن توّقعات الحكومة على المدى المتوسّط متحفّظة جداً، مشيراً في هذا الإطار إلى أنّ الاقتصاد قد يتعافى بشكلٍ سريع في حال تمّ تطبيق الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي وفي حال تأمين المساعدات الماليّة المذكورة آنفاً بقيمة ١٥ مليار د.أ. بين الأعوام ٢٠٢٣ و٢٠٢٦ (والتي توازي نسبة ٧٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي للعام ٢٠٢٢). وقد إقترح التقرير بعض الخيارات لتسهيل عمليّة سحب الودائع كتأمين جزء كبير من الودائع بالعملة الأجنبيّة بالليرة اللبنانيّة في إطار إتّفاق شامل مع صندوق النقد. في هذا الإطار، فقد أشار التقرير إلى أنّ هذا الإتّفاق سيزيد من مستوى الثقة، الأمر الذي سيضع لبنان على مسار تعافـي اقتصادي وسيساعد بتأمين إستقرار في سعر الصرف الموحّد عند مستوى أفضل من سعر الصرف المعتمد في السوق السوداء. وبالتالي، فإنّ الإفراج عن مساعدات صندوق النقد قد يساعد مصرف لبنان بتأمين سيولة كافية بالليرة اللبنانيّة للمصارف ما سيسمح لها بأن تلبّي الطلب على السحوبات بالليرة اللبنانيّة. وقد أضاف التقرير أيضاً بأنّ حصّة كبيرة من الودائع بالعملة الأجنبيّة (لفئة ٥٪ من المودعين الكبار والتي تتخطّى الـ٢٠٠ ألف د.أ.) قد تؤمّن من خلال صندوق لإستعادة الودائع (Deposits Recovery Fund) والذي قد يحمل شهادات إيداع تصدرها المصارف مقابل حساباتها مع مصرف لبنان مربوطة بمتوسّط فائدة بنسبة ٤٪ يدفعها مصرف لبنان وتودع في الصندوق لإستعادة الودائع. كما ويمكن تسديد جزء من الودائع الكبيرة من خلال تحويل ٥٠٪ من أيّ فوائض أوّليّة متوقّعة في الموازنة والتي يتم تحويلها إلى الصندوق (والمرتقب بأن تتخطّى نسبة الـ٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في السنة). وقد كشف التقرير عن خيارات أخرى لتعزيز موجودات الصندوق كتقديم الحكومة تلزيمات لشركات دوليّة لإعادة بناء وإدارة مرفأ بيروت على فترة ٢٠ عام وإنشاء صندوق عقاري وطني (National Real Estate Fund) والذي في حال تمّ إدارته بشكلٍ فعّال قد ينتج أرباح كبيرة. من منظارٍ آخر، فقد أشار معهد التمويل الدولي أنّه يجب تطبيق بعض الإصلاحات الأساسيّة التي تمّت مناقشتها مع صندوق النقد بأسرع وقتٍ ممكن حتّى لو لم تشكّل حكومة، ألا وهي الموافقة على قانون طارئ لتسوية قضايا المصارف، وإعتماد قانون السريّة المصرفيّة المعدّل، وإستكمال التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، وتوحيد أسعار الصرف، والموافقة على مشروع موازنة العام ٢٠٢٢ لإستعادة الإستدامة الماليّة، وتحضير وموافقة الحكومة على إطار مالي متوسّط المدى، وإعتماد قانون كابيتال كونترول رسمي. في هذا الإطار، فقد حثّ معهد التمويل الدولي لبنان أن يعيد هيكلة قطاعات الكهرباء والإتّصالات والماء، والمرافئ والشركات المملوكة من الدولة. وقد عرض معهد التمويل الدولي سيناريوهين للعام ٢٠٢٣، سيناريو متفائل وسيناريو متشائم. ويفترض السيناريو المتفائل بأنّ السلطات اللبنانيّة ستطبّق الإصلاحات الاقتصاديّة الملحّة والتي من شأنها تحرير المساعدات الماليّة الخارجيّة. في هذا السيناريو، قد يرتفع نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي إلى ٦٪ في العام ٢٠٢٣ وإلى ٨٪ في العام ٢٠٢٤ في حين يتوقّع أن يتراجع مستوى التضخّم إلى ما دون الـ١٠٠٪ بين الأعوام ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ وإلى ما دون الـ١٠٪ بين الأعوام ٢٠٢٥ و٢٠٢٦ نتيجة تحسّن قيمة الليرة مقابل الدولار وتوحيد سعر الصرف وتراجع أسعار السلع. وقد ينخفض العجز في الحساب الجاري من نسبة ١٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢٢ إلى حوالي ٣٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢٦ .
وقد أشار التقرير أيضاً إلى أنّه يمكن تسجيل فائض أوّلي في موازنة العام ٢٠٢٣ وما بعد، حيث من المتوقّع أن تتعافى إيرادات الدولة من ٩٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢٢ إلى ١٧٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام ٢٠٢٦، علماً بأنّ برنامج صندوق النقد من شأنه أن يضع دين لبنان على مسار إنحداري. وقد ذكر التقرير بأنّ لبنان قد يتمكّن من إستعادة مستوى الناتج المحلّي الإجمالي الذي سجّله قبل الأزمة خلال فترة ٤ سنوات (إرتفاع من ٢٣ مليار د.أ. في العام ٢٠٢٢ إلى ٥٣ مليار د.أ. في العام ٢٠٢٦). أمّا بالنسبة للسيناريو المتشائم، فإنّ الإفتراضات تتمحور حول عدم قيام الحكومة بتطبيق الإصلاحات الضروريّة المطلوبة ما سيلغي الإتّفاق مع صندوق النقد وسيتسبّب بإستنزاف إحتياطات مصرف لبنان (والتي قد تنخفض إلى ما دون المليار د.أ.) وبأنّ نسبة الدين العام ستفوق مستوى الـ٢٠٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في ظلّ غياب لأي إعادة هيكلة للدين أو إقتطاعات على اليوروبوندز. وقد أشار التقرير إلى أنّ لبنان سيعتبر دولة فاشلة (Failed State) كما هي حالة فينزويلا والصومال وسريلانكا مؤخّراً، مع توقّعات إنكماش إضافيّة للناتج المحلّي الإجمالي وتدهور أكبر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى ٤٠،٠٠٠ مع نهاية العام ٢٠٢٢ وإلى ١١٠،٠٠٠ مع نهاية العام ٢٠٢٦. وأخيراً، فقد علّق التقرير بأنّ خطر تفكّك لبنان في إطار السيناريو المتشائم مرتفع جدّاً وبأنّ الولوج إلى أكثريّة الودائع سيصبح صعباً.