وزّعت الحكومة اللبنانيّة على المجلس النيابي مؤخّراً ورقة برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي مع العلم بأنّ هذه الخطّة تشكّل إحدى متطلّبات صندوق النقد الدولي. ويهدف البرنامج بشكل أساسي إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخَلق الوظائف وتخفيض معدلات الفقر وتطوير الخدمات الأساسيّة في قطاعات الصحة والتعليم والطاقة. وتدعو الخطّة إلى تعزيز القطاعات الإنتاجيّة وخاصّة قطاع إقتصاد المعرفة نظراً لمساهمته الكبيرة في النموّ الاقتصادي على أن تتولى الحكومة تهيئة المناخ التنظيمي المناسب من تطوير للخدمات المالية الرقمية وتدعيم إطار الملكية الفكرية وتوفير خدمات إنترنت منخفض التكلفة وعالي السرعة وزيادة التغذية بالطاقة الكهربائية. وتهدف إستراتيجيّة النهوض هذه أيضاً إلى تأمين إستدامة للدين مع إتاحة المجال أمام الإنفاق الضروري في مجالات الحماية الاجتماعيّة والصحّة والتعليم والبنى التحتيّة. على المدى القصير، ذكرت الخطّة بأنّ موازنة العام ٢٠٢٢ تستهدف عجز بنسبة ٤،٤٪ من الناتج الإجمالي المحلّي وعجز أوّلي بنسبة ٣،٣٪ من الناتج الإجمالي المحلّي، مع العلم بأنّ هذا العجز من المفترض بأن يتحوّل إلى فائض بنسبة ١،٤٪ من الناتج الإجمالي المحلّي بحلول العام ٢٠٢٦ عبر تطبيق مجموعة من التدابير الماليّة تتمحور حول تحسين الإمتثال الضريبي وخاصّة للمكلّفين الكبار و توسعة القاعدة الضريبية بنسبة ١٠٪ سنويّاً وإصلاح السياسات الجمركيّة ورفع الضريبة على القيمة المضافة بشكل تدريجي من ١١٪ إلى ١٥٪. دائماً في الإطار عينه، تدعو الخطّة إلى تأجير الأصول والممتلكات الحكوميّة وفرض ضرائب على العقارات الشاغرة ومكافحة التهرّب الضريبي والبحث في تطبيق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ لبعض المؤسّسات الحكوميّة. على صعيد النفقات، تدعو الخطّة إلى تحسين فعالية الإنفاق الحكومي وتخفيض عدد المتعاقدين مع القطاع العام بنسبة ٥٠٪ وتحسين رواتب موظفي القطاع العام (مع العلم بأنّ الرواتب الحاليّة لا تكفي لتغطية كلفة النقل) وتوحيد أنظمة التقاعد لموظّفي القطاع العام. وستساعد هذه التدابير على خفض نسبة الدين العام من الناتج المحلّي الإجمالي من ٤٥٥٪ في العام ٢٠٢١ إلى تحت نسبة الـ١٠٠٪ مع نهاية العام ٢٠٢٦ وإلى مستوى الـ٧٦٪ مع حلول العام ٢٠٣٢ مع وجود إمكانيّة لتحقيق مستويات أفضل في حال تم تسجيل فوائض أوليّة أو نموّ إقتصادي أفضل من الأرقام المرتقبة في السيناريو المتحفّظ. دائماً في الإطار عينه، تشير الخطّة إلى ضرورة إعادة هيكلة دين اليوروبوند (البالغ ٣٣ مليار د.أ.) مع الإشارة أيضا إلى أنّ الدين بالعملة المحليّة يبلغ ٩٣ تريليون ل.ل. (أي ما يعادل ال ٣ مليار د.أ. عند إعتماد سعر صرف الـ٣٠،٠٠٠ ل.ل. للدولار) ما يرفع حجم الدين الذي يجب إعادة هيكلته إلى ٣٦ مليار د.أ. على الصعيد النقدي، تدعو الخطّة إلى توحيد أسعار الصرف (بالأرجح على سعر صيرفة في المرحلة الأولى) بالتزامن مع تطبيق برنامج مدعوم من صندوق النقد الدولي وإقرار قانون الكابيتال كونترول وهو ما سيساعد على إستعادة الثقة وكبح جماح التضخم وتحسّن سعر الصرف. على صعيد ميزان المدفوعات، ذكرت الخطّة بأنّ إنجاز المفاوضات مع صندوق النقد سيساعد لبنان على الحصول على تمويل خارجي وهو ما سيجعل المفاوضات مع حاملي السندات أسهل، بحيث سيصبحون أكثر تقبّلاً لفكرة خسارة جزء من ودائعهم في حال كانوا على يقين من أنّهم سيسترجعوا الجزء الآخر. أمّا فيما يختصّ بالقطاع المالي، فقد أشارت الخطّة إلى أنّ حجم الفجوة الماليّة يقدّر بـ٧٢ مليار د.أ. وبإنّ الإتفاق مع صندوق النقد يدعو إلى فكّ الترابط بين المصارف التجاريّة والمصرف المركزي والموازنة وإلى إستعادة الملاءة الماليّة لمصرف لبنان وإلى إصلاح وإعادة رسملة المصارف التي يتبيّن إنها قابلة للإستمرار. على ذلك، فإنّ إستراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي تتمحور حول مساهمة الحكومة في إستعادة الملاءة الماليّة لمصرف لبنان وإحترام التراتبيّة في توزيع الخسائر وتصفية المصارف التي تعتبر غير قابلة للإستمرار وحماية الودائع لحد الـ١٠٠،٠٠٠ د.أ. على شرط بأن يكون المصرف المعني قادراً على ذلك. إلّا أنّ الخطّة أشارت إلى أنّ حماية الودائع هذه لا تنطبق على الزيادة في الودائع بعد شهر آذار/مارس ٢٠٢٢ وإلى انّ الودائع التي تفوق الـ ١٠٠،٠٠٠ د.أ. سيتم تحويل جزء منها إلى الليرة اللبنانيّة فيما سيتم تحويل الجزء الآخر إلى أسهم للمساعدة في عمليّة الرسملة. أمّا بالنسبة لمساهمة الحكومة، فتنص إستراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي على أنّه بحسب برنامج صندوق النقد فإنّ الحكومة ستساهم بـ٢،٥ مليار د.أ. لإعادة رسملة مصرف لبنان. بالإضافة إلى ذلك، فتنص الخطّة إلى أنّه في حين بالمبدأ لا يجب أن يكون هناك ترابط بين الفوائض الأوليّة وخسائر القطاع المصرفـي، فإنّه يمكن تحويل بعض الإيرادات المستقبليّة إلى صندوق إستعادة الودائع في حال تمّ تطبيق برامج الإصلاح وبرامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص بطريقة تخفّض مستوى الدين إلى ما هو أدنى من النسب المتوقعة في برنامج إستدامة الدين. أمّا على صعيد الودائع، فتنص الخطّة على أنّ الحكومة تتواصل مع صندوق النقد لتحديد الودائع التي ستخضع للحماية، وبأنّ الفصل بين الودائع التي لن تخضع للحماية وتلك التي ستخضع سيزيد من مستوى الحماية لتلك الأخيرة. دائماً في الإطار عينه، فقد لفتت الخطّة إلى أنّ جزء من الودائع سيتم تحويله إيراديّاً إلى الليرة اللبنانيّة على سعر صرف أدنى من مستوى صيرفة على أن يتمّ ضبط هذه العمليّة لتفادي خلق سيولة زائدة بالليرة اللبنانيّة. دائماً في الإطار عينه، تدعو الخطّة إلى تأسيس صندوق لإستعادة الودائع والذي سيصدر حقوق ماليّة للمودعين مع تحويل جزء من أصول المصارف (كشهادات الإيداع في مصرف لبنان) وأيّة أموال غير مشروعة تتم إستعادتها إلى هذا الصندوق. أمّا بالنسبة لإعادة هيكلة المصارف، فإنّ لجنة الرقابة على المصارف ستعمل مع شركة دولية مرموقة على تقييم حاجات الرسملة لأكبر ١٤ مصرف (والذين يستحوذون على ٨٣٪ من أصول القطاع المصرفـي) على أن يتم توزيع الخسائر بالتراتبيّة على المساهمين وحملة سندات الدين وودائع الأطراف ذات الصلة وتحميل الخسائر المتبقيّة للمودعين الكبار. بالإضافة إلى ذلك، سيطلب من المصارف التي يتبيّة أنها قابلة للإستمرار ضخ رأسمال طازج ضمن فترة محدودة للإلتزام بمتطلبات بازل ٣ في حين سيتم تشجيع تلك التي لن تتمكّن من الإلتزام بمتطلبات رأسالمال على الإندماج مع بعضها البعض وإلا ستواجه خطر التصفية. على صعيد الحوكمة، شجعّت الخطّة على ضرورة مكافحة الفساد عبر تطبيق الإستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد وعلى ضرورة معالجة مشكلة شركة كهرباء لبنان ولاسيّما أدائها المالي عبر إلغاء الدعم لهذه المؤسّسة والذي كان سبباً رئيسيّاً في تراكم الدين العام عبر السنين. بناءً على ذلك، فإنّ الخطّة تدعو إلى رفع تعرفة الكهرباء في المستقبل القريب (ضمن فترة سنة) والتي تقلّ حالياً عن النصف سنت للكيلوواط ساعة وبالتوازي تحسين التغذية الكهربائيّة إلى ٨ – ٩ ساعات يوميّاً عبر إستجرار الطاقة والغاز من مصر والأردن.
وتدعو الخطّة أيضاً إلى زيادة التغذية الكهربائيّة إلى ١٦ – ١٨ ساعة يوميّاً في المدى المتوسّط وإلى ٢٤ ساعة في المدى الطويل (٣ سنين أو أكثر) عبر بناء معامل تعمل على الغاز أو على الطاقات المتجدّدة مع الطموح بأن تشكّل الطاقة المتجدّدة ٣٠٪ من إجمالي الطاقة المنتجة. وتشدّد الخطّة ايضاً على ضرورة تقليص الهدر الفنّي وغير الفنيّ والذي يبلغ حاليّاً مستوى مرتفع عند ٤٠٪ وعلى تركيب عدّادات ذكيّة بالتزامن مع تحسين التغذية. على صعيد الحماية الاجتماعيّة، ستتركّز الأولويات على دعم الفئات الأكثر ضعفًا مع الإشارة إلى أنّ تغطية البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً لا تكفي لمعالجة ظاهرة الفقر الشديد التي نجمت عن الأزمات المتعددة التي عصفت بلبنان مؤخّراً. وتمّت الإشارة في هذا السياق إلى أنّ الحكومة قد أطلقت مشروع شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ الذي ستستفيد منه ١٥٠،٠٠٠ أسرة والذي سيؤمّن التعليم لـ٨٧،٠٠٠ طالب كما وبرنامج التغطية الواسعة للمساعدات النقديّة الذي سيشمل هؤلاء الذين لا يستفيدون من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً. أخيراً على الصعيد الاجتماعي، ستسعى الحكومة إلى تطوير سجل إجتماعي وطني متكامل يُحقق التآزر بين جميع برامج الحماية الاجتماعيّة ويعمل على تجنب الإزدواج فيما بينها ويساهم بتوسيع نطاق تغطيّة برامج المساعدات الاجتماعيّة.
أمّا فيما يختصّ بالقطاع الخاص، فتنصّ الخطّة على الحاجة لتحسين بيئة الأعمال (مع العلم بأنّ لبنان من أقل الدول تنافسيّاً في العالم) وعلى تطوير الصادرات ودعم القطاعات الأخرى كالاقتصاد الرقمي والزراعة والصناعة والسياحة.