زمن «عصفورية جهنم»

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «ان لا خيار للبنان الّا ان يكون مزدهراً وينمو نموه الطبيعي»، لافتاً الى «اننا في هذه الأيام السوداء، نرى ضوءاً ساطعاً يلمع في قطاع اقتصادي مهم ينمو ويكبر وينجح» وختم، خلال رعايته احتفال «اهلاً بهالطلة» الذي اطلقه وزير السياحة وليد نصار، مخاطباً الأخير بالقول «اخترتم للحملة شعارات من اغنيات لبنانية، ونتمنى منكم جميعاً ان تدعوا معي، اذا استمرينا في اختيار الاغاني كشعارات، الا نصل الى أغنية عالعصفورية».

في الواقع اننا في زمن «عصفورية جهنم»!!!

ينشغل العالم اليوم بعناوين عريضة تتمحور حول: الحرب الروسية في اوكرانيا، تعدّد الاقطاب في العالم، تراجع اليورو في مواجهة الدولار الى معدلات قياسية، بلوغ التضخم مستويات عالية لم يعرفها منذ عقود، ازمة سلاسل التوريد، ارتفاع اسعار الطاقة والمواد الغذائية الأولية، مواجهة كورونا والاستعداد لاوبئة جديدة قد تكون قاتلة… ويعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن تخصیص مبلغ من المال لدعم قطاع الفضاء واطلاق برنامج وطني لتطوير الأقمار الصناعية الحديثة… بينما نغرق في لبنان في مواضيع تافهة مملّة بفعل تفاهة «قيادات» أعمتها السلطة وأَغرتها الثروات فأهملت مصالح شعبها الذي بات يتخبط في مشاكل بدائية يتنقل بين «جهنم والعصفورية»!

بعيداً عن المشاكل (كهرباء، ماء، طرق، طاقة، طبابة…) نتوقف عند دخول البلاد في دوامة انتخابات رئاسة الجمهورية، والعهد على مشارف نهايته، وغياب المساعي لتشكيل حكومة جديدة للاسابيع الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية، فيما حكومة تصريف الاعمال عاجزة عن القيام بمهام جديّة واستثنائية، تسهم في وقف التدهور الحاصل عبر انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ووضع خطة مالية متكاملة للانقاذ المالي والنقدي والمصرفـي والاجتماعي العام.

عدم اقرار الموازنة والاستمرار وفق القاعدة الاثني عشرية! في زمن المتغيرات الكبرى، بسبب عدم القدرة على تحديد سعرٍ لصرف العملة المحلية وغياب الاتفاق على الدولار الجمركي، في ظل استمرار التوافق على مخصصات وتنفيعات ومزاريب هدر وسرقات لا تعدّ ولا تُحصى. فكيف لبلد في ظل أزمة كبيرة، ان يستمر من دون موازنة!

ام اننا سندعو، على غرار وزير الخارجية السابق جبران باسيل، الدول الكبرى للتعلم من تجربتنا والاقتداء بها!!..

غیاب ارادة الاصلاح المالي والاداري عن مفاهيم الطبقة السياسية الحاكمة، على رغم تقاریر صندوق النقد الدولي والمؤسسات العالمية والموفدين الرسميين والسفراء والخبراء… وكلها تدعو الی اجراء الاصلاحات كممرّ لا بد منه لكسب ثقة المجتمع الدولي كخطوة ضرورية للحصول على مساعدات وقروض وهبات تساعد هذا الوطن للنهوض من كبوته.

انجاز اللجنة الفرعية في لجنة المال والموازنة مشروع الحكومة لقانون السرية المصرفية، بعد ادخال تعديلات عليه، لا يعتبر انجازاً فعلياً، ذلك انه يهدف في الدرجة الأولى إلى معالجة تبييض الاموال وتمويل الارهاب والتهرّب الضريبي، ويتيح الوصول الى اسماء اصحاب الحسابات المعنية… على ان تبقى العبرة في التنفيذ؟

اضراب موظفي الادارة العامة وتقدیم لائحة بمطالب تعجز الدول الغنية عن تنفيذها:

الادارة العامة نفسها التي حصلت على سلسلة رتب ورواتب ادّت الى احداث عجز كبير في الموازنة وانهيار في المالية العامة، وهي نفسها الادنى انتاجية في العالم والاكثر فساداً، المحشوّة بالأزلام والاتباع والمحاسیب تقدّم سلسلة مطالب من شأن تنفيذها احداث انهيار اضافـي في قيمة العملة الوطنية وتضخم كبير… من دون اي انتاجية.

استمرار الازمة المالية والنقدية على حالها من دون خطة مالية متكاملة وخطة لاعادة هيكلة القطاع المصرفـي في ظل غیاب قانون الكابيتال كونترول واستمرار نزف الودائع في المصارف بموجب تعامیم تؤدي الی احداث «هيركات» بنسبـــة تزيد عن ٧٠٪.

واذا كان البعض يعوّل على الغاز والنفط في باطن الارض والبحر، يمكننا القول ان اسرائیل تباشر قريباً استخراج الغاز وتصديره الی اوروبا، فيما الدراسات وعملیات الاستكشاف لم تتم بعد في لبنان.

اننا في زمن «عصفورية جهنم» بلا منازع.