تعديل قانون السرّية المصرفية بين الواقع والتطلعات

توصّل لبنان في الثامن من نيسان/أبريل ٢٠٢٢ الى اتفاق أوّلي مع «صندوق النقد الدولي» يتضمّن الخطوط العريضة التي تمهّد لإقرار اتفاق نهائي لبرنامج تمويلي يستفيد منه لبنان مدة ٤ سنوات بقيمة ٣ مليارات دولار، ليعود الصندوق ويعيّن فريديريكو ليما ممثلاً دائماً له في لبنان لمتابعة التنسيق مع السلطات اللبنانية والاشراف على تنفيذ المرحلة الاولى من الاتفاق الذي تم التوصل اليه.

تمرير خطة التعافـي المالي والاقتصادي شرط أساسي يفرضه صندوق النقد قبل التوقيع على الاتفاق النهائي مع لبنان بالتوازي مع إقرار موازنة العام ٢٠٢٢، اضافة الى تمرير قانون «الكابيتال كونترول» وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفـي، وإقرار تعديل قانون رفع السرية المصرفية في المجلس النيابي في جلسته التشريعية الاخيرة.

هدف هذا القانون هو رفع السريّة المصرفيّة تجاه السلطات الضريبيّة، بغية تمكينها من تتبّع عمليّات التهرّب الضريبي مع إعطاء القضاء صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة بشكل مباشر، من دون ربط هذه الصلاحيّة بهيئة التحقيق الخاصّة كما هي الحال الآن. كما يهدف هذا القانون الى رفع السريّة المصرفيّة تجاه لجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنيّة لضمان الودائع ودوائر مصرف لبنان بشكل عام ما يعني إمكان تعقّب المخالفات المصرفيّة والعمليّات المشبوهة التي تجري بين المصارف وزبائنها. وبموجب القانون على المصارف تسليم المعلومات إذا تلقت طلباً من السلطات القضائية في دعاوى التحقيق في جرائم الفساد والجرائم المالية، أو بطلب من هيئة التحقيق الخاصة أو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أو لجنة الرقابة على المصارف أو المؤسسة الوطنية لضمان الودائع أو مصرف لبنان أو السلطات الضريبية المختصة. كذلك يحظر القانون على المصارف فتح حسابات ودائع «مرقمة» لا يعرف أصحابها غير مديري المصرف أو وكلائهم، كما يفرض تحويل الحسابات المرقمة والخزائن الحديدية المؤجّرة الى حسابات عادية وخزائن تطبّق عليها كل متطلبات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. ويسمح القانون أيضاً بإلقاء الحجز على الاموال والموجودات في المصارف في بعض الحالات. في هذا السياق، يقدم رئيس نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان إيلي عبود بعض الملاحظات حول القانون الذي أقر في مجلس النواب، معتبراً ان «الزام المصارف عدم التذرع بسرّ المهنة وبسرية المصارف المنصوص عليها في القانون لناحية ضرورة تقديم جميع المعلومات المطلوبة فور تلقيها طلباً من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إستناداً الى القانون الرقم ١٧٥ تاريخ ٨ أيار/مايو ٢٠٢٠ وهو قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، مشدداً على «ضرورة تسليم هذه المعلومات عن وجود شكوك جوهرية لدى الإدارة الضريبية لحالات التهرّب الضريبي من قِبل المكلّفين قيد التدقيق والدراسة». كما يشدد عبود على «أهمية تضمين القانون نصاً واضحاً وصريحاً حول بدء تطبيقه منذ تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ومن دون أي مفعول رجعي، بهدف تعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد ولمنع استغلال النفوذ والسلطة من قِبل أي مسؤول أو موظف في القطاع العام، وبالتالي ردعه من الاستيلاء على المال العام وتحقيق أرباح غير مشروعة، وكان يجب أن يتضمن مشروع القانون مادة تنص على إلغاء السرية المصرفية لكل موظفي القطاع العام إبتداءً من رئيس الجمهورية والسلطتين التنفيذية والتشريعية، اي الوزراء والنواب، والقضاة والسلك العسكري». وينهي عبود بالتأكيد على «ضرورة أن يترافق إصدار هذا القانون مع قانون آخر يستفيد بموجبه المكلّفون أكانوا من أشخاص طبيعيين أم معنويين، من تسوية ضريبية حتّى تاريخ نفاذ هذا القانون».

في سياق متصل، تعتبر مصادر مصرفية وقانونية متابعة للملف أن قانون تعديل قانون سرية المصارف وقانون الاجراءات الضريبية وما يرتبط بهما، «يتّبع روحية إلغائية إطلاقيّة وتقييدية وإفلاسية، على غرار مشروع قانون الكابيتال كونترول، عوض ابتكار أفكار خلّاقة مبدعة»، لتعود المصادر وتؤكد ان قانون تعديل قانون سرية المصارف وقانون الاجراءات الضريبية وملحقاتهما، «ينطلقان وكأن ليس هنالك قانون رقمه ٤٤ صادر عام ٢٠١٥ وفيه ترفع السرية المصرفية عند الاشتباه جدياً في جرائم الفساد والتهرب الضريبي وسائر الجرائم المالية التي جاء المشروع لينصّ عليها، فيما كشفُ السرية يمكن أن يحصل بمقتضى المشروع المقترح من قِبل موظّف المالية أو قضاة النيابات العامة حتى الاستئنافية منها وقضاة التحقيق دونما معايير واضحة وضامنة للخصوصية. فبعد إقرار هذا القانون أصبح بالامكان إلقاء الحجز على الحسابات المصرفيّة بقرار من هيئة التحقيق الخاصّة، أو بقرار من السلطة القضائيّة». وتسأل المصادر عن «وسائل التظلم في حال إساءة استعمال المعلومات الخاصة أو حتى إساءة طلب هذه المعلومات فيما سيصبح بالإمكان الحجز على الحسابات المصرفية بقرار قضائي أو حتى إداري من دون اتّضاح وسائل المراجعة».