القطاع الخاص يطرق أبواب الشركات العالمية بحثاً عن فرص استثمار… عن بُعد

على بعد أمتار قليلة من زحمة بشارة الخوري وعصبية السائقين المثقلين بـ «حِمل» الانهيار، كان رواد أعمال يرفعون لواء تحويل الأزمة إلى فرصة في «منطقة بيروت الرقمية BDD» فبمبادرة مشتركة بين القطاع الخاص وغرف التجارة وموقع Outerpond، أُطلقت الحملة اللبنانية الاختيارية للتلزيم والتعاقد «Lebanon outsourcing option»، وهي المبادرة التي تهدف إلى وضع الشركات المحلية على خريطة الشركات العالمية، التي تحتاج إلى الاستعانة بموارد وطاقات بشرية محلية تعمل معها عن بُعد.

يكفي الشركة أن تكون لبنانية شرعية، قديمة أو ناشئة، لتعلن عن نفسها على المنصة المجانية، وتنتظر ملاقاة قبول أو استحسان شركة خارجية، أو مؤسسة تمويلية للتعاقد معها. ساعتذاك تخرج الشركتان من المنصة للاتفاق على شروط وتفاصيل العقد، ولا يعود لوسيلة الاتصال أي دور. وقد بلغ عدد الشركات المسجلة على المنصة ٣٥٠ شركة، ٢٤٥ منها لبنانية تشكل ما نسبته ٧٠ في المئة، و١٥٠ أجنبية تشكل ما نسبته ٣٠ في المئة، وبقيمة صفقات مطروحة وصلت إلى المليون دولار قبل نحو أسبوعين.

الاستفادة من الأزمة

فرص نجاح هذه المبادرة لا ترتبط فقط بتراجع كلفة العمل في لبنان نتيجة الأزمة، إنما أيضاً بـ «النقص الكبير في المصادر الخارجية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية»، يقول أحد مؤسسي المبادرة، والمسؤول عن الملف في «تجمع رجال وسيدات الأعمال في لبنان – RDCL ريكاردو حصري. فالدولتان كانتا تشكلان معقلاً للعمالة عن بعد.

إلا أن مع استمرار الصراع وتراجع العرض، برز طلب عالمي للتعاقد عن بعد مع الشركات الماهرة والمحترفة وبكلفة متدنية. وهنا تأتي أهمية هذه المبادرة لتعبئة الفراغ وتأمين عقود عمل للشركات بـ «الفريش» دولار، تساعدها على التطور ومواجهة الأعباء وزيادة فرص العمل، وتحسين رواتب وأجور موظفيها».

التعاقد من شركة إلى شركة

ما يميّز تعاقد الشركات عن بعد من ظاهرة العمل الفردي للخارج، التي انتشرت كالنار في الهشيم في بداية الأزمة، أن منافعها أشمل، وقدرتها على الصمود والبقاء أكبر. فالمستخدمون في قطاع تكنولوجيا المعلومات والتصميم ورسم الخرائط والإعلان… وغيرها الكثير من المجالات، الذين صرفوا من عملهم أو استقالوا لانخفاض الرواتب، استطاعوا في مراحل الأزمة الأولى العمل عن بعد وتحقيق المكاسب. وقد استفادوا بحسب حصري «من تعاطف المغتربين وخلقهم منصات دعم، منها على سبيل الذكر لا الحصر jobs for Lebanon».

أمّا اليوم، ومع انهيار قطاع الطاقة بشقيه العام والخاص، ورداءة الانترنت والاتصالات أصبح الاستمرار الفردي مهمة شبه مستحيلة بالنسبة إلى الكثيرين. في حين أن «الشركات تملك المقدرة على تأمين البدائل من خلال الاستثمار بالطاقة المتجددة، أو حتى تحمل تكاليف الانترنت السريع»، يقول مدير العمليات التنفيذي في بيريتك Berytech رامي أبو جودة. «هذا ويؤدي ارتفاع عائدات الشركات من الخارج بالدولار النقدي إلى زيادة توظيفاتها وتكبير حجم أعمالها. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد وخلق فرص العمل ودفع الرواتب بالدولار وتحسين التقديمات». وبحسب أبو جودة، فإن هذه «الحملة تعزز تسويق لبنان في الخارج كمصدّر للطاقات والخبرات التي يشتهر بها، بسعر منافس. ولا سيّما في ما خصّ الاقتصاد الرقمي والابتكار والإبداع. وتفتح الباب في الوقت عينه أمام الداخل للتعرف إلى الفرص المتاحة في الخارج، وما تتطلبه من مهارات وقدرات. ونحن كـ «حاضنة أعمال» سنساهم بتقديم كل ما يلزم للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة لتصدير خدماتها وخبراتها إلى الخارج».

إلتفاف مفيد على الصعوبات

التعاقد الفردي مع الخارج، على أهميته، «لا يبني الاقتصاد»، يشدّد حصري. وقد بدأنا في «التجمع» العمل على بلورة فكرة تسويق القطاعات التي تستطيع العمل عن بعد من شركة إلى شركة. وذلك قبل أن تتقاطع الفكرة مع منصة outerpond التي أطلقها ناجي مبارك. ونظراً لكون المنصة كانت شبه جاهزة وبمرحلة متطورة انضممنا إليها. واليوم يصار إلى تطويرها وتشبيكها مع حاجات الجمعيات المختلفة، ورفدها بمختلف القطاعات الخدماتية والإنتاجية. كما يعمل فريق على تسويقها في الخارج، وتحديداً بين المغتربين اللبنانيين، من أجل تحفيز أكبر عدد من الشركات الأجنبية للتسجيل على المنصة وطرح فرص العمل». وبالإضافة إلى كون التعاقد من شركة إلى شركة يوسّع المنافع على جمهور أوسع، فإن «المنصة تأخذ برأي حصري» أهمية مضاعفة في ظل الصعوبات التقنية للحصول على جواز سفر في الداخل، والعراقيل السياسية في إمكانية حصول اللبنانيين على تأشيرة دخول «فيزا» إلى الكثير من الدول.

لحظة اتحاد

هذا الاتحاد بين الشركات في الداخل وبينها وبين الخارج «يمثل نقطة قوة هذه الحملة»، بحسب المنسقة العامة لشبكة القطاع الخاص اللبناني ريما فريجي. فـ «للمرة الأولى يتحول الكلام عن الاتحاد وتوحيد المواقف بهدف خدمة الشأن العام إلى أفعال على أرض الواقع. وهو ما سيساهم في إعادة تنمية الاقتصاد والتشجيع على الانطلاق بالمزيد من المبادرات، إلى أن يكون المسؤولون استقروا على رأي يفيد البلد والاقتصاد وينتشله من مأزقه». من جهته يرى عضو مجلس الإدارة في الرابطة اللبنانية لسيدات الأعمال فادي ميقاتي أن «المنصة ستشكل جسراً يربط بين الموارد اللبنانية البشرية المنتشرة في كل أنحاء العالم من جهة، والكفاءات اللبنانية في الداخل من الجهة الثانية». وستخلق برأيه «فرصة للشباب المتخصص في اقتصاد المعرفة، وتساهم بالحفاظ على الأعمال القائمة وخلق مجالات عمل جديدة، على الرغم من الأزمة الخانقة».

إذا كان الاقتصاد «مسبحة»، كل حبة تمثل قطاعاً مختلفاً، لا يعود مكان انقطاع الخيط يشكل فرقاً. إذ ستكرّ الحبات واحدة تلو الأخرى. وعليه فإن «مسؤولية الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات شرعية، مهما اختلفت نشاطاتها ومسمياتها الوظيفية هو واجب وطني»، برأي كل من اجتمع على فكرة المنصة من القطاع الخاص. و«ذلك من أجل ضمان استمرار الاقتصاد اللبناني وتهيئته للمرحلة المقبلة».