من الطبيعي ان يحتل اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل المساحة السياسية والاقتصادية والاعلامية الاولى، مع انتظار الانتخابات التشريعية في الكنيست التي تتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في ٣١ تشرين الأول/اكتوبر الجاري، نظراً لأهميته ودوره في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلدين.
في الواقع، نجح الجانب الأميركي، ممثلاً بالوسيط آموس هوكشتاين، في ارساء تفاهم لترسيم الحدود البحرية، فلم يضمن فقط استقرار حدود اسرائيل وأمن منشأتها البترولية، بل سلامة تدفق الغاز الى الجزء الشمالي للمتوسط وتنويع مصادر الطاقة اوروبياً، في زمن اعطاء الاولوية لأمن شبكات الانتاج ومرونتها على حساب خفض التكلفة والميزات التفاضلية للدول. التدخل الاميركي اعاد تثبيت دوره كناظم ووسيط وشريك فاعل، بعدما تمكن من ازالة المعضلة الامنية التي طالما شكلت خطراً امام استثمار الثروات البترولية في المنطقة. هكذا اضاف الرئيس جو بايدن نقطة في سلة اهدافه، في ظل الانعكاسات السيئة للحرب الروسية على اوكرانيا على الاقتصاد العالمي عموماً واقتصادات الدول الاوروبية خصوصاً، كما قرار اوبك بلس يخفض الانتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، على ابواب الانتخابات النصفية للكونغرس الشهر المقبل، وفي ظل اسوأ ازمة تضخم تضرب اقتصادات العالم كافة.
الحكومة الاسرائيلية وافقت على التفاهم الذي ضمن للدولة العربية بدء تدفق غاز حقل كاريش واستمرار عمليات التنقيب على حدود الخط ٢٣، في ظل اوضاع امنية مستقرة بفعل التفاهم الذي ضمن امن حدودها الشمالية، كما صوّرت الحكومة لمواطنيها ان في هذا التفاهم تطبيعاً جزئياً وغير مباشر مع لبنان الذي شكّل تحدياً وجودياً لها بفعل تركيبته المتنوعة.
نجح لبنان سياسياً في اعادة الاميركي الى البلد شريكاً فعلياً بمواكبة فرنسية كاملة، بما شكّل بداية لفك الحصار السياسي عنه ولو جزئياً، نفطياً، في تكريس حقوق جغرافية ابعد من خط هدف، حيث اعطى الاتفاق لبنان حقاً حصرياً في استثمار حقل قانا كاملاً على جانبي الحدود، وكلّفت شركة توتال بالتعويض على اسرائيل التي تنازلت عن حقها السيادي واحتفظت بحقها الاقتصادي- تفادياً للتطبيع المباشر، كما وضع التفاهم اطاراً مبدئياً للاستفادة من اي ثروة قد تكتشف لاحقاً في المناطق الاقتصادية من دون عرقلة وبرعاية اميركية، على ان يجري تبادل المعلومات عبر الوسيط الاميركي كي يحظى كل طرف بحصته في حال كان المرفق مشتركاً جغرافياً، منعاً للاستثمار الاحادي، على ان تحدّد الحصص بحسب نسبة موقع الثروة المكتشفة في النطاق الجغرافـي لكلتا الدولتين.
كيف ستتم ادارة عائدات الثروة النفطية المحتملة والتي ستتحول الى ثروة مالية في المستقبل؟
سؤال يشغل بال اللبنانيين في ظل استمرار الطبقة الحاكمة الفاسدة نفسها بتولي زمام الامور السياسية والمالية والنقدية.
اقرار الاصلاحات الشاملة وتطبيقها، على النحو الذي يطالب به صندوق النقد الدولي، يشكل اطاراً قانونياً لطمأنة المواطنين والمشككين، على ان تتم عملية التطبيق والادارة بشفافية وتجري مراقبتها ومحاسبة المسؤولين عنها في حال وجود اي خلل مع الاشارة الى ان عدداً من السياسيين ورجال المال والاعمال المرتبطين بهم، والذين تطغى على اعمالهم عمليات الفساد والسرقة والسمسرات، انشأوا شركات نفطية في الخارج، كمقدمة لادخالهم الى الساحة المحلية والعمل من خلالها، على جاري عاداتهم، في الغش والخداع والسمسرة والسرقات.
وجود صندوق سيادي بإدارة سليمة وشفافة استناداً الى قانون خاص يعدّ لهذا الغرض، بات أمراً مطلوباً قبل البدء باستخراج النفط والغاز. يهدف انشاء الصندوق للحفاظ على كامل قيمة الغاز المستخرج واستخدامه حصراً في استثمارات تأتي بأرباح سنوية تفوق مستوى التضخم بعد احتساب التكاليف الادارية للصندوق، الذي يجب ان يدار من قبل خبراء مستقلين على المستوى الدولي… ومن دون ذلك، ستتعرض عائدات الغاز لقرصنة الطبقة الحاكمة وأرباب النظام فتلحق بالودائع المفقودة وأموال المشاريع والصفقات في زمن ما بعد الطائف.