نبيل خوري

مواجهة التحديات وتفعيل الدور

تستمر شركة ASL – Air Sea Land في اطلاق العديد من الصرخات بهدف إنقاذ مرفأ بيروت والعاملين فيه والمتعاملين معه، لأن في إنقاذهم إنقاذاً لوسطاء النقل ومخلصي البضائع وشركات الملاحة، بما ينعكس ايجاباً على مجمل الاقتصاد الوطني.

السيد نبيل خوري رئيس شركة ASL – Air Sea Land، يتحدث حول الخسائر والتعويضات والقرارات التي اتّخذها مع مستثمرين آخرين بهدف إعادة إحياء دور مرفأ بيروت بكل مرافقه، مما يؤدي الى ضخ روح جديدة وايجابية في الاقتصاد الوطني.

نرى أن إعادة إعمار المنطقة الحرة قد إنطلقت في شكل جزئي…

– ماذا عن هذه الإنطلاقة؟ أين وصلت؟ وهل أنها نتيجة جهد شخصي أم بسبب حصول الشركات على تعويضات معينة؟

سأبدأ إجابتي من حيث أنهيت سؤالك. كلا، لم نتلق حتى الساعة أي تعويضات لا من شركات التأمين ولا من أي جهة أخرى، ولا حتى وعود بالتعويض، ونعم هي نتيجة قرار إتخذناه كمستثمرين، بهدف إعادة إحياء الدور التي كانت تلعبه والتسهيلات التي كانت توفرها المنطقة اللوجستية للتجار والمستوردين، أما عن الإنطلاقة الجزئية فسببها تنوع الخدمات التي كنا نقدمها في مستودعاتنا، فمنها من كان مخصصاً لمجموعة الـNVOs المتخصصين بتجميع المستوعبات المشتركة (Groupage Containers)، التي واجهت إشكالية كبيرة بعد الإنفجار، لعدم وجود أمكنة لإفراغ هذه المستوعبات بسبب الدمار الشامل الذي طال مستودعادتنا وكافة مستودعات المرفأ، والعقبات والتعقيدات التي واجهت عملية تخليص الإرساليات المشحونة ضمن هذه المستوعبات، التي نمت نسبياً بعض الشيء ربما بسبب الركود الحاصل من جراء الأزمات المتعددة التي مررنا بها، الأمر الذي دفع بالمستوردين إلى إعتماد أسلوب الإستيراد الحذر أي بكميات صغيرة بأقل من مستوعب كامل، هذا الواقع فرض الإسراع بعملية إعادة البناء دون إنتظار التعويضات والضمانات، ولهذا السبب كانت الإنطلاقة الجزئية للمستودعات المخصصة لهذه البضائع، أما باقي المستودعات التي كانت تعتمد على بضائع الوكالات التي تستورد بكميات كبيرة، أو تلك التي كانت متخصصة بخزن البضائع التي كانت ترد برسم إعادة توزيعها على دفعات أو ألى تصديرها إلى الخارج، فالأوضاع السائدة حالياً تفرض التريث لبعض الوقت على أمل أن تنشط هذه الوكالات من جديد.

أطلقتم صرخة نتيجة موانع وعقبات وصعوبات عدة…

– ما هي أسباب هذه الصرخة؟ وهل أدّت إلى نتائج معينة؟

أطلقنا العديد من الصرخات بهدف إنقاذ المرفأ والعاملين فيه والمتعاملين معه، لأن في إنقاذهم إنقاذاً لنا كوسطاء نقل ومخلصي بضائع وشركات ملاحة وكمستودعات لوجستية، لكني أعتقد أنك تقصدين الصرخة التي أطلقتها بعد أن علمنا بكتاب المجلس الأعلى للجمارك الذي دعا فيها المعنيين للشروع بإعداد خطة طوارىء في حال تعطل نظام نجم (النظام الجمركي المعلوماتي)، والدافع الأساسي للصرخة كان طلب المساعدة لنا ولمخلصي البضائع، ولإدارة الجمارك بسبب الأزمة التي تواجهها على صعيد التمويل كباقي إدارات ووزارات الدولة، التي وبالرغم من هذه الأوضاع إستمرت بالمداومة لتيسير وتسيير العمل في هذا المرفق العام والحيوي، على عكس العديد من الإدارات التي كانت تفاجئنا من حين إلى آخر بإضرابات كانت تعرقل وتؤخر إخراج البضائع من المرفأ، أيضاً صرختنا كانت لمصلحة المستوردين لتلافـي تأخير إخراج إرسالياتهم وتراكم رسوم تأخير المستوعبات التي تستوفى نقداً وبالدولار التي سوف تزيد من أسعار الكلفة التي سوف تطالنا بالنهاية كمستهلكين، والأهم لأن الخطة كانت تقوم كما ورد بكتاب جانب المجلس على إمكانية العودة لما كانت عليه الأمور بالعام ١٩٩٧، أي ربع قرن من الزمن إلى الوراء غاب أغلب جيل تلك الحقبة من الذين يمكنهم التعامل معها، لأن السواد الأعظم من الجيل الحالي من الموظفين في الجهتين، باشر حياته المهنية مع نظام نجم، علماً أن ما حصل، والصرخة كانت لمعالجة مشكلة آنية كانت على وشك الوقوع، إنما المشكلة الحقيقية والجوهرية، فهي أكبر بكثير وتحتاج إلى معالجة شاملة كي لا نقع بالمحظور لا في المستقبل القريب أو حتى بالبعيد.

أمّا عما إذا أدّت هذه الصرخة النتيجة المتوخاة، يمكنني القول (نعم)، لكني لا أريد الإدعاء وإحتكار الفضل، لأن مسؤولي الإدارة كانوا أيضاً يسعون لحل المشكلة، لكن قضية تأمين التمويل كانت العقبة التي ربما صرختي ساعدت أو سرّعت تدخل فريق من الأصدقاء أو الزملاء (لا أدري إذا يحق لي أو يرغبون أن أقول من هم) لتأمين التمويل اللازم وحل الأزمة التي لو حصلت لكنا اليوم بمكان آخر، فقط تخيل مرفأ مدمر بالكامل، دوائر إدارة الجمارك مشتتة وموزعة على أماكن عديدة متباعدة، وفوق كل هذا العودة إلى نظام الكتابة بخط اليد والتنقل من مركز إلى آخر بظل أزمة المحروقات وباقي الأزمات.

ماذا عن علاقتكم مع إدارتي الجمارك والمرفأ، وما هي التسهيلات أو التقديمات التي قُدمت لكم من قبلهم؟

العلاقة مع كلا الإدارتين أكثر من جيدة، لا بل يمكن وصفها بالممتازة، خاصةً بالفترة التي تلت الإنفجار وحتى الساعة، فالكل بالإضافة إلى ضباط وعناصر الجيش وجهاز أمن المرفأ، كنا وما زلنا نتصرف وكأننا فريق واحد، إنما لا يمكننا تجاهل الصعوبات التي واجهتنا مباشرة بعد الإنفجار وتداعياته خاصةً بعد التوقيفات التي طالت مدراء ورؤساء مصالح ودوائر، والتأخر بتعيين البدلاء، بالإضافة إلى أن المعينين بالتكليف لا يتمتعون قانوناً بكامل صلاحيات الأصيلين، يضاف إلى ذلك الحذر الشديد الذي يرافق اخذ القرارات من قبل الجميع، الأمر الذي يؤثر سلباً على حسن سير تصريف الأعمال، كما وأن وضع التشتت وتوزع الدوائر كما سبق وذكرنا، وتراكم الأزمات دفعة واحدة، وبخاصةً جائحة الكورونا التي فرضت الإقفال التام ببعض الأوقات، ونظام المداورة الذي ما زال مطبقاً حتى الآن، والذي زاد الطين بلة كان فقدان كميات هائلة من المستندات التي كانت موجودة بالعنبر ١٩ الذي كانت تشغله دوائر المحاسبة والمعاينة والترانزيت والمستودعات والمانيفست، الأمر الذي إستهلك وما زال يستهلك الكثير من وقتنا لإعادة إحياء هذه الملفات، للتمكن من إكمال باقي مراحلها ولتسديد وضعيتها.

كافة هذه العوامل عقّدت وصعّبت مهماتنا أجمعين، وإذا أردنا أن نتكلم عن التسهيلات، فيمكننا القول أن الإدارتين أعطتنا كل ما يمكنها أن تعطيه، لكننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير الذي يفوق قدرة الإدارتين حالياً على إعطائها، لا بل نحن وكقطاع خاص، قمنا ببعض الأوقات بإعمال مطلوبة من إدارة المرفأ، على سبيل المثال نحن من أزال الردميات التي نجمت عن الإنفجار، ونحن من غطى أكلافها بالإضافة إلى عملية كنس الأتربة والترسبات، ونحن من يسعى حالياً إلى تأمين الطاقة الكهربائية إلى المنطقة الحرة، ليس لأن الإدارات المعنية لا تريد أو لا ترغب، بل لأن لا قدرة ولا إمكانيات لديها، خاصةً وأنكم لا شك تعلمون أن نقابة المحامين تمكنت من إلقاء الحجز الإحتياطي على مداخيل المرفأ، وأن كبريات الشركات المتعاملة مع المرفأ ملزمة بتسديد المبالغ الضخمة المتوجبة عليها لصالح صندوق المرفأ في المحكمة، ولا ندري أين الحكمة بذلك، بمعنى أنك تطالبني بالتعويض عليك، ومع أحترامنا الكامل للهدف النبيل وراء هذا التصرف، فنحن من أكثر الناس تضرراً على الإطلاق صحياً ومادياً ومعنوياً، وطُرح علينا فكرة تقديم دعوى مماثلة على إدارة المرفأ، لكننا رفضنا الإقتراح، لأننا كنا وما زلنا ندرك أهمية عودة مرفأ بيروت للحياة وللعب دوره المهم في المحيط، وأيضاً، لأنك أذا افلستني أو ألغيت دوري، فمن أين لي إمكانية التعويض، ومن سيستفيد من إلغاء دور مرفأ بيروت المحوري والمهم الذي كان يلعبه، برأيي المتواضع لا أحد، بل كلنا سنتحول إلى شهداء أحياء، بينما إذا عاد المرفأ إلى سابق عهده، بظل المعينين الجدد، وتمت مراقبة المداخيل، ومراقبة كيفية صرفها، وعدم السماح إلا بالضروري منها، عملية التعويض تصبح ممكنة، فما نفع وجود المرفأ، وأي نوع من السفن سوف تقصده في حال تعطلت الرافعات الجسرية، والتي ربما سوف تتوقف بالكامل عن العمل قبل نشر هذه المقابلة اذا لم يتم إيجاد الحل والتمويل المطلوب. ومن أين سوف تُجمع أموال التعويضات، هناك مثل يقول «الرجوع عن الخطأ فضيلة».

أطلقتم صفة المغامرة على قراركم بإعادة الإعمار.

– ما هي أسباب هذا التوصيف، وبالتالي لماذا المغامرة أو المخاطرة في مثل هذه الظروف؟

إن قلت لك أن مجموعة ما، خسائرها تجاوزت بأقل تقدير الـ٥٠ مليون دولار أيام كان سعر الصرف ١٥٠٠ ليرة للدولار، لا تعويضات، حتى ولا وعود، لا مساعدات، ركود إقتصادي مخيف، قضية المصارف والودائع، إنهيار الليرة، عدم توفر الدولار، اليوم سعر صرف الدولار وصل إلى حدود الـ٢٠،٠٠٠ ل. ل.، إذا كان لديك ١٠٠,٠٠٠ دولار بالمصرف تحصلين فقط على ١٧،٠٠٠ دولار مقابلها نقداً، والمضحك أننا ما زلنا بإنتظار صدور الـ Hair Cut، رُفع الدعم جزئياً عن المحروقات والعديد من المواد الحياتية، بالوقت الذي ما زالت الرسوم والأتعاب التي نتقاضاها تستوفى بالليرة اللبنانية، وبالمقابل، من قام بإعادة الإعمار سدد كل ما توجب عليه نقداً وبالدولار، قطع غيار التجهيزات وبخاصةً الرافعات الشوكية أيضاً نقداً وبالدولار، لكن الأهم من كل ما سبق ذكره، هو أننا لم نتمكن من الحصول من أي مسؤول على أي شكل من الضمانات بعدم ذهاب إعادة إستثمارنا ضحية أي مشروع من المشاريع المطروحة لإعادة إعمار المرفأ، فألا يكفي ما أوردته ليصح توصيف ما نقوم به مغامرة؟.

أما لماذا علينا المغامرة بظل هذه الظروف، فجزء من الرد على هذا التساؤل أوردته بردي على السؤال الأول، لكن الأهم بالنسبة إلينا كان أيضاً الحفاظ أكبر قدر ممكن على فريق عملنا الذي قبل البقاء معنا ومشاركتنا هذه الأوقات الصعبة بإنتظار الفرج القريب، وكي لا نكون من المساهمين بزيادة عدد العاطلين عن العمل.

تفرض الأمور النقدية والمالية الحاصلة في لبنان وقائع جديدة تقتضي أنماطاً جديدة من التعاطي مع الزبائن والشركات.

– كيف تتعاطون مع هذه الوقائع الجديدة؟

الواقع أننا نواجه عوائق عدة ومتعددة ونواجه صعوبات شتى بالتعاطي مع الوقائع الحالية، فمن جهة عدم إستقرار بسعر صرف الدولار الذي وبفترة سنة ونصف تقريباً قفز من ١٥٠٠ ليرة ووصل إلى حدود ال ٢٠٠٠٠ ليرة، أي بزيادة ١٣ ضعفاً، والأوضاع الاقتصادية السائدة، فإن المتعاملين معنا يعتبروننا نحن ومخلصي البضائع (سمحت لنفسي بالتكلم عن مخلصي البضائع كوني فرد منهم) أننا من مقدمي الخدمات، وأن الرسوم المفروضة علينا وربما لأنهم يعتقدون أننا ندفع رواتب موظفينا على معدل ١٥٠٠ ل. ل.!! وبالتالي لا أعباء لدينا تذكر، ولهذه الأسباب لا يحق لنا بالمطالبة بتعديل وزيادة أتعابنا، قلة قليلة تفهمت وقدّرت أوضاعنا وقبلت بمرحلة سابقة زيادة بسيطة على أتعابنا، لكننا وبما أننا نعلم أن الكل يعلم أن حتى مقدمي الخدمات ملزمون بشراء اللوازم المكتبية من آلات تصوير وطابعات وأوراق وملفات ومحابر وما إلى ذلك منهم، أي من المستوردين الذين يرفض أغلبيتهم تعديل بدلات خدماتنا، بالإضافة إلى أننا والعاملين معنا، ألسنا بحاجة إلى شراء ما نحتاجه من مواد غذائية وإستهلاكية إلخ، والتي أصبحت تُسَّعر وتُعَّدل أسعارها على أساس سعر صرف السوق الموازية.

وكما سبق وذكرنا، فإن الكل بدون إستثناء عدّل بدلات خدماته وما بقي إلا نحن، لكننا وكمستثمري المستودعات اللوجستية قررنا تطبيق زيادة زهيدة بالدولار النقدي فقط لتأمين قطع الغيار لتجهيزاتنا التي لا يقبل تسديد ثمنها إلا نقداً وبالدولار، إنما وكمخلصي بضائع فالمباحثات جارية على قدم وساق للإتفاق على تعديلٍ لأتعابنا يمكننا من الصمود بالظروف الراهنة، وكلنا أمل بالتوصل إلى هذا الإتفاق بالرغم من توقعنا لبعض الصعوبات التي قد نواجهها.

كلمة آخيرة.

الكلمات لم تعد تجدي نفعاً، إنما يُقال «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل» وعليه الأمل أن يكون قد أصبح لدينا حكومة قبل نشركم هذه المقابلة، تكون قادرة على وقف هذا الإنهيار الحاصل على كافة الصعد والمجالات، وأن تكون شركات التأمين قد قامت بواجباتها تجاه المتضررين، وأن نلتقي وإياكم بالمرة القادمة بنظرة أكثر تفاؤلية للمستقبل.