تكثر الصعاب أحياناً لغربلة قادة المال والأعمال والسياسات الصائبة، وها قد غربل وضع لبنان اليوم كلّ الخطط الفاشلة والزاعمي القيادة، واضعاً السيد سعد أزهري رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك لبنان والمهجر، في مصاف أهمّ قادة المصارف، وواضعاً المصرف بالتالي في قائمة المصارف الأكثر نجاحاً محلياً وعالمياً.
مصرف بهذا النجاح والإنتشار لا يمكن إلا ان يكون مرتكزاً على أساساتٍ وإدارةٍ متينة تولاها السيد سعد ازهري منطلقاً من مبدأ لا يؤمن ببناء نجاحٍ على حساب فشل. من العدل والمساواة بين العملاء إنطلق السيد سعد أزهري مطالباً بكلّ القوانين التي تنأى بالمصارف والمواطنين عن التدهور الناتج عن الإنهيار المالي والاقتصادي.
يتراءى للسيد سعد أزهري ان خطط الحكومة الجديدة تبدو أكثر عقلانية ومنطقية بحيث أنها تحاكي الواقع المرير الذي يتخبّط به قطاع المصارف الموضوع دائماً في المواجهة.
* ما التغيّرات التي شهدها القطاع المصرفـي منذ عام وحتى اليوم؟
زادت الأمور سوءاً إثر الاوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية المتردّية، التي أعاقت تنفيد الإجراءات الإيجابية، وحلّت مكانها الخطوات الخاطئة التي شكّلت دعسةً ناقصة على المستويات كافة. كنا طلبنا مثلاً فور حدوث الأزمة المالية تنفيذ قانون الـ Capital Control، الاّ اننا لم نلقَ آذاناً صاغية رغم ضرورة تنفيذه للمحافظة على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وتغطية الثغرات، فتدنى إحتياط الأموال الخارجية بشكلٍ كبير بحوالي الــ ١٧ مليار دولار ممّا يعني تفاقم الأزمة. أضف إلى ذلك، موضوع تدهور قيمة العملة اللبنانية.
من الجدير بالذكر هنا، أن إنفجار مرفأ بيروت أثّر كثيراً على التراجع الاقتصادي والسياسي الذي عانى من فراغ حكومي والأخطاء التي ارتكبتها حكومة تصريف الأعمال لعدم إدراكها السياسات الصائبة. لكننا نأمل خيراً في الحكومة الجديدة التي تألفت مؤخّراً والتي تحوي أصحاب الخبرات المتمرّسين ومن ضمنهم الطاقم الاقتصادي المخضرم الممتاز الذي بدأ بالمفاوضات الجديّة مع صندوق النقد الدولي وبتقديم إقتراحات حول قانون الـ Capital Control الذي يشكّل بوابة العبور نحو الإصلاحات المتوجّب تطبيقها لوقف هدر الأموال والنهوض مجدداً. نحن بانتظار القرارات وتنفيذ الخطوات اللازمة وموافقة مجلس الوزراء والمجلس النيابي على برنامج إصلاحي شامل وعقد إتفاقيات مع صندوق النقد الدولي. وعليه، فإنني متفائل بالإتجاه الفكري للحكومة ولكن يبقى التنفيذ هو الأهمّ.
إضافةً، هدر الوقت لم يكن لصالحنا، إذ كان بإمكاننا الحدّ من تفشي المشاكل واتساع الفجوة لو أننا بدأنا بالمعالجة المبكرة، ولكن الشروع بالمعالجة يبقى الأهم وإن بوقتٍ متأخّر.
* أتظنون أن التأخّر في المعالجة مردّه إلى رغبة المسؤولين في أن يلعب التضخم وتدهور سعر صرف الليرة والسحوبات من المصارف… دوراً في تخفيف حدّة الخسائر عن الدولة؟
لا يمكن حلحلة مشاكل ديون الدولة وتقليص المصاريف عبر إفقار الشعب ولا يمكن تحقيق فوائد الدولة على حساب مصائب قومها. نعم إنخفضت المبالغ المطلوبة بالدولار لإعانة الاقتصاد نظراً لانهيار سعر صرف الليرة، وبالتالي تقلّص حجم المصاريف المدفوعة بالعملة الوطنية مقارنةً لقيمتها بالدولار، ولكن وضع المواطنين في المقابل ساء جداً.
* مقاربة الفريق الحكومي مبنيّة على توزيع المسؤوليات على الدولة فمصرف لبنان فالمصارف فالمودعين… هل تؤيّدون هذه المقاربة؟
كانت الدولة في السابق تتهرّب من مسؤولياتها مخلّفةً وراءها خسائر جسيمة في البنك المركزي والديون المتوجّبة لليوروبوندز وعجز في إحتياط الدولار. غير ان هذه السياسة تغيّرت اليوم مع تبدّل الحكومة، حيث لاحظنا إلتزاماً أكبر في المسؤوليات. من واجب المصارف اليوم مساندة الدولة في برنامجها الإصلاحي وحماية أموال المودعين خاصةً الصغار منهم. أرى في هذا النهج الجديد منطقيّة وتجاوباً أكثر لا سيّما لإهتمام المسؤولين بآرائنا كأصحاب مصارف.
* لم نلمس منكم كمصرفيين ومن جمعية المصارف أية مبادرات بإنتظار تحرّك الحكومة… ماهي الأسباب؟
المشكلة لا تكمن بإدارة المصارف وقسم المخاطر، بل تكمن في وضع البلد المتدهور وإنهيار سعر صرف العملة. تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي يشكّل عادةً في كلّ دول العالم المرجع والدرع الواقي (Lender of Lost Resort) للدولة والمصارف من المخاطر والخسائر ويعتبر الملاذ والمرجع الآمن للقطاع المصرفـي (Zero Risk). عكس ما يتم تداوله اليوم، فالمصارف لم تُقرض المصرف المركزي بل لديها ودائع فيه ناتجة بمعظمها إما عن تعاميم صادرة عن المركزي أو إجراءات إتخذها في حينه.
لو أن إدارة مصرفنا مثلاً سيئة لكانت توجهت إلينا المصارف المركزية في البلدان الأخرى التي نتواجد فيها (١٢ بلداً) بالملاحظات، إلا أن هذا الأمر لم يحصل. مما يعني أن العصمة ليست في يد إدارة المصارف إنما في يد الدولة والمصرف المركزي اللذين يديران المخاطر. هناك إستغلال للمواقف لصالح جهات معيّنة ومحاولة لتلبيس المصارف تهمة التدهور الحاصل. إنطلاقاً من هنا، طالبنا بقانون الـ Capital Control كي لا يُترك موضوع الإستنسابية في يد المصارف التي توضع بذلك في مهب الرياح. نحاول جاهدين تطبيق أعلى المعايير الأخلاقية ولكن في النهاية ما من قانونٍ حامٍ لنا يقينا الخسائر والمخاطر.
وبما اننا لسنا أصحاب القرار، إقتصرت مبادراتنا على معاملة عملائنا والمواطنين بمساواة. لكن يجب التنويه أن قدرات المصارف تضاءلت كثيراً جراء الصعوبات والظروف المحيطة الحاصلة على مستوى البلد والتي من المتوجب معالجتها على مستوى سيادي يقضي بحلّ المسألة جذرياً عن طريق وضع خطة عامة شاملة موضِحةً الإتجاه الصائب.
* شهدت الودائع بالدولار تدنياً ملحوظاً، و يحاول المصرف المركزي اليوم إيجاد حلول تطال الودائع الصغيرة والمتوسطة عبر إصدار قراراتٍ معيّنة… لكن ماذا بخصوص الودائع الكبيرة، هل تبحثون مع أصحابها لتحويلها لأصولٍ من نوعٍ آخر؟
لا زلنا نجهل مصير سيولتنا الموجودة في مصرف لبنان والديون التي زوّدنا بها الدولة، فوفق أي حسابات أو تخمين يمكننا إدخال مودع كمساهم في المصرف!؟ إنه لتصرّف غير أخلاقي لا سيما وأننا لا نعلم ما سوف يتبقى لنا من أموال خاصة وما حجم خسائرنا. نتعاطى بعين العدل في هذا الموضوع دون إستغلال اي موقف قد يضرّ بالمودعين. إن ميزانيتنا لا تزال تصدر حسب سعر الصرف ١٥٠٧،٥٠ ل.ل. وبالرغم من إتخاذنا المؤونات وفق تعاميم مصرف لبنان، ولكن ستنخفض الأموال الخاصة للمصارف بحدّة نتيجة تراجع سعر الصرف الفعلي بأقل بكثير من ١٥٠٧،٥٠ ل.ل. مقابل الدولار.
* هل تبدّل موقفكم من جمعية المصارف بعد تبدّل نهج عملها؟
الجوّ العام ضاغط وصعب ومُستغَل من قبل بعض الفرقاء بهدف الدعاية والإعلام وتلبيس الخطأ حلّة الصواب بدل محاولة إيجاد حلول للمشاكل السائدة. في هذا السياق، من المتوجّب توعية الإعلام والصحافة وتوضيح الأمور بغية نقلها بصورة صحيحة للرأي العام دون تأثّر أو إنحياز قد يُسفر عنه هجوم على القطاع المصرفـي.
رغم أن سوء فهم القطاع المصرفـي ومبادئه خفّ الاّ أننا لا نزال نعاني من بعض الهجوم. يتم وضع المصارف في المواجهة دوماً مع الناس بالرغم من عدم تلقيها الحماية التي من شأنها بدورها حماية الاقتصاد. والأسوأ إلقاء اللوم والمسؤولية على عاتقنا لكسب الشعبية على حساب تدمير الاقتصاد مما يصعّب علينا تأدية واجباتنا بشكلٍ صحيّ وسليم.
* صدر عن حاكم مصرف لبنان مؤخّراً قراراً يقضي بإلزام المصارف بزيادة رساميلها. هل التزمتم بهذا القرار؟
تُعدّ التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي مُنزلة بالنسبة لنا، ونحاول دائماً إيجاد الطرق الأنسب لتنفيذها. طبقنا ونفذنا كل التعاميم التي صدرت عن مصرف لبنان وزدنا رأسمالنا وسيولتنا بنسبة تفوق النسب المطلوبة أي ٢٠٪ و ٣٪.
وفي هذا الإطار، أرى ضرورة وضع خطة حكومية تقضي بتوضيح كلّ ما يتعلّق بقوانين وأعمال المصارف.
* تبلورت الخطوط الأولية للخطة الحكومية التي تنصّ على بنودٍ قد تُرهق المصارف. هل المتطلبات الجديدة تفوق طاقتكم بما يعيق إستمراريتكم، أم أن الأمور لا تزال تحت السيطرة؟
بناءً على ميزانية كلّ مصرف، تتجلّى قدرته على التحمّل والإستمرارية. لكن على هذه الخطة أن تكون منطقيّة ومدروسة بشكل عميق للمحافظة على قطاع المصارف في لبنان والمحافظة بالتالي على إقتصادٍ سليم.
إن إتجاه الخطة الحالية يوحي بالمنطق والعقلانية، لكونها تحاكي الواقع مع الأخذ بعين الإعتبار ضمان ديمومة القطاع المصرفـي.
* تكلّلت الدعوى المقدّمة من أحد المودعين ضد بنك لبنان والمهجر بربحكم إياها. ما تفاصيل هذه الدعوى وما تعليقكم؟
رفع أحد المودعين اللبنانيين القاطنين في الخارج دعوى ضدنا في لندن، إذ أنه اراد تحويل أمواله منذ حوالي العامين من بنك لبنان والمهجر في لبنان إلى الخارج. لكننا عمدنا منذ نشوء الأزمة إلى عدم إتباع مبدأ الإستسابية ومعاملة العملاء على قدم المساواة وحصر التحويلات لتلبية الحاجات الإنسانية الملحّة.
بعد البتّ في القضية صدرعن المحكمة البريطانية “The high court of Justice Queen’s Branch Division” إنّ: “بنك لبنان والمهجر غير ملزم بتحويل مبلغ الـ٤،١ مليون دولار من مدخراته إلى الخارج، وإيفاء مصرفنا للوديعة بموجب معاملة عرض وإيداع فعلي لدى الكاتب العدل قانونية وتَحول دون مطالبة المصرف مجدّداً بإيفاء الوديعة بأي طريقة أخرى، ومبرأةً ذمة المصرف من أي حق أو مطلب إضافـي”.
أريد أن أثني هنا على شفافية وعدالة هذه المحكمة ومساواتها بين كبار وصغار المودعين. هذا القرار أنصفنا وشكّل سابقة في عهده وأكّد على التشدّد في تطبيق القوانين اللبنانية. أعود وأكرّر مطالبتي بتطبيق قانون
الـ Capital Control الذي يقينا شرّ المطالبات الإستنسابية.