تحديات اقتصادية وتطلعات واقعية

بقلم: مارون مسلّم

بداية ٢٠٢١ كان الناس يتطلعون الى هذا العام بأمل كبير، فقد اكتُشفت للتّو لقاحات لفيروس كورونا المستجد، ولاحت في الأفق نهاية للجائحة التي تعصف بالكرة الارضية، وبدا كأن الاقتصاد العالمي يشهد انطلاقة جديدة… بيد ان قدراً كبيراً من ذلك التفاؤل الذي ساد في شهر كانون الثاني/ يناير ٢٠٢١ كان مبالغاً فيه، بحيث مرت أشهر العام ثقيلة على الاقتصادات مثخنة بالوفيات التي قاربت الملايين الخمسة.

مع بداية العام ٢٠٢٢ شاعت في ارجاء العالم روحٌ من التفاؤل والنظرة الايجابية، عكّرها متحوّر اوميكرون، الذي سرعان ما بدا، لعددٍ من العلماء والخبراء، وكأنه خشبة الخلاص من جائحة كوفيد١٩.

مجموعة من التحديات تواجه اقتصادات العالم خلال ٢٠٢٢.

تمثّل التوترات الجيوسياسية تهديداً للاقتصاد العالمي، نظراً الى العدد الكبير للازمات والتوترات السياسية حول العالم، لاسيما التوتر بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، بسبب التعزيزات العسكرية الروسية على الحدود مع اوكرانيا.

وفي حالة اقدام الرئيس فلاديمير بوتين على غزو اوكرانيا، سيفرض الحليفان الاميركي والاوروبي المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بما قد يشمل وقف خط أنابيب الغاز «نورد ستريم٢»، بما يؤدي الى نشوب ازمة طاقة عالمية وارتفاع تكاليف النفط، ويُجبر بالتالي محافظي البنوك المركزية على مستوى العالم لتسريع تشديد السياسة النقدية، اضافة الى امكان بلوغ عتبة الحرب العسكرية وتداعياتها الخطيرة.

اضافة الى التوتر في شرق اوكرانيا، تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توتراً بسبب الوضع في تايوان، خصوصاً في ضوء تحذيرات واشنطن لبكين من مغبة اي تغيير احادي الجانب للوضع الراهن في جزيرة تايوان، وما زاد من حدة التوتر، اعلان ادارة الرئيس جو بايدن المقاطعة الدبلوماسية لدورة الالعاب الاولمبية الشتوية التي تستضيفها بكين في شباط/فبراير المقبل، بسبب سجل حقوق الانسان في الصين، التي لم تقف مكتوفة الايدي إذ هددت واشنطن بأنها سوف تدفع ثمن قرار المقاطعة.

شهدت منطقة اليورو والولايات المتحدة ارتفاعاً في معدلات التضخم الى مستويات خطيرة لم تحدث منذ سنوات، بسبب نقص المواد الخام وارتفاع اسعار الطاقة. وقد أثار هذا الارتفاع فزع المستثمرين على مستوى العالم وسط حالة قلق من حدوث سيناريو ينطوي على اضطرار البنوك المركزية الى رفع اسعار الفائدة قبل الاوان من أجل كبح جماح ارتفاع الاسعار.

تشير التوقعات الى ان التأثيرات ستكون قاسية في الولايات المتحدة مع مؤشرات توحي بارتفاع التضخم بشكل اكبر، بسبب الانتعاش الاقتصادي السريع وعمليات التحفيز المالي الهائلة، اضافة الى نقص العمالة والامدادات، فيما الاوضاع ستكون افضل نسبياً في بلدان الاتحاد الاوروبي بمجرد سدّ الفجوة بين العرض والطلب على مستوى العالم.

اثّرت الاضطرابات التي عصفت بسلاسل التوريد سلباً على الاقتصاد ولعبت دوراً رئيسياً في ابطاء الانتعاش العالمي العام الماضي، حيث أدى التأخر في عمليات الشحن اضافة الى نقص الحاويات والانتعاش الحاد في الطلب مع تخفيف قيود كورونا، الى عرقلة حصول المنتجين على المكونات الاساسية والمواد الخام، لاسيما في قطاعَي السيارات ورقائق اشباه الموصلات. وحتى يتم نشر قدرات النقل البحري الجديدة ذات الصلة العام ٢٠٢٣ او تكييف سلاسل التوريد مع المتغيرات الحالية واللجوء الى عمليات النقل والشحن في اماكن قريبة… فإن مشاكل سلاسل التوريد ستستمر في الضغط السلبي على الاقتصاد العالمي العام الجاري.

استيقظ العالم والاسواق المالية على كابوس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي اثار حالة ذعر، اذ ظهر متحور جديد من كورونا وهو متحور اوميكرون في جنوب افريقيا، متسبباً في انهيار اسواق المال والسلع على مستوى العالم، مما اثّر سلباً على الاسواق العالمية خلال الاسبوع التالي من ظهوره. فيما سعى المستثمرون الى التحكم في التداعيات الاقتصادية لهذه السلالة الجديدة خاصة في ظل القيود الاخف نسبياً التي فرضتها معظم الحكومات مرة اخرى للحيلولة دون انتشار هذه السلالة.

تشير الدراسات الأولية ان اوميكرون اقل فتكاً من دلتا رغم سرعة انتشاره، وذلك بفضل المناعة الناجمة عن اللقاحات والعلاجات، بما دفع بعض الخبراء للتأكيد بأنه قد يطوي في نهاية المطاف، صفحة هذه الجائحة الجاثمة على صدور العالم منذ العام ٢٠١٩.

وفي انتظار ان ينجح العالم في تجاوز هذه التحديات والعودة الى مسيرة النهوض والنمو… نقول: كل عام وانتم بخير.