تتجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بمختلف قطاعاتها بما فيها قطاع التأمين التكافلي نحو التعافـي من أسوأ آثار جائحة كوفيد-١٩. كما أن قطاع خدمات التأمين التكافلي الذي يمتلك مؤخراً نظرة تطلعية متفائلة بالمستقبل، يحتل مكانةً فريدةً في قطاع التأمين نظراً لطبيعة عروضه المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
نتوقع ازدياد اندماج مزوّدي خدمات التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي، فالسوق مزدحمة ومجزأة إلى حد كبير مع حوالي ٦٠ شركة تأمين مرخصة في دولة الإمارات (التي تعد أكبر سوق تأمين في الخليج) وحوالي ٣٠ شركة في السعودية (ثاني أكبر سوق تأمين). وتُعدّ السعودية أكبر سوق في مجال التأمين التكافلي على وجه التحديد، حيث يتوافق جميع مزوديها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، في حين تُعدّ دولة الإمارات ثاني أكبر سوق للتأمين الإسلاميّ في المنطقة بوجود ١٢ مزوّداً.
في نفس الوقت، هزّت الجائحة ديناميكية نماذج أعمال مقدّمي خدمات التأمين من عدة نواحٍ. فكان بعضها إيجابياً، كانخفاض المطالبات المتعلقة بحوادث المركبات والحالات الطبية لأن الناس كانوا يقضون وقتاً أطول في منازلهم.
أدرك القائمون على قطاع التأمين أن الاندماج أصبح أولويةً، حيث تم اندماج اتحاد الخليج للتأمين التعاوني والأهلية للتأمين التعاوني في السعودية في كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٠، والاندماج بين دار التكافل ووطنية للتكافل في الإمارات.
وقد دأبت الجهات التنظيمية لسنوات عديدة على إدخال متطلباتٍ أكثر صرامة بشكل مطرد في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك كجزء من استراتيجية منفتحة تدفع معايير القطاع والابتكار وتحمي حاملي وثائق التأمين.
فمثلاً، توسع نطاق التأمين الصحي الإلزامي ليشمل عوائل المواطنين في السعودية، وأدخل التأمين الصحي الإلزامي لجميع الموظفين في أبوظبي ودبي، وزادت متطلبات رأس المال المدفوع لشركات التأمين في الإمارات.
إن قطاع التأمين التكافلي مؤهل لتحقيق النجاح، إذ نمَت أقساط التأمين لمقدمي خدمات التأمين التكافلي في دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة بين عام ٢٠١٨ إلى عام ٢٠٢٠ بنسبة مركبة قدرها ٥،٩٪ سنوياً، أي من ١٠،٦ مليار دولار أميركي إلى ١١،٩ مليار دولار، وهو أسرع قليلاً من معدل سوق التأمين ككل.
ويتمتع قطاع التأمين التكافلي بمكانة تؤهله للاستفادة من خصائصه الفريدة لخلق المزيد من الكفاءة، وتقديم حلول جديدة تتلاءم مع احتياجات العملاء في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. فالمنطقة في وضع يسمح لها بتوسيع تأثيرها في تشكيل النمو الدولي للتأمين الإسلامي أثناء اندماج مقدمي الخدمات، وذلك مع وجود أكثر من ٣٥٪ من أصول التكافل عالمياً في هذه المنطقة.
اتجاه آخر يتسارع في قطاع التأمين (بما في ذلك قطاع التأمين التكافلي)، ألا وهو الرقمنة. وهو تحوّل قد بدأ فعلياً قبل تفشي الجائحة، وصار أمراً ملحّاً بعد تحوّل شركات التأمين إلى نموذج العمل من المنزل. كما أنّ حاملي الوثائق الذين شهدوا تحولاً كبيراً ومفاجئاً من حيث اعتمادهم على الإنترنت لمختلف احتياجاتهم الحياتية بدأوا يطالبون بإلحاح بمنصات تأمين وحلول رقمية سلسة وفعالة، تتضمن تلقي تسعير بوالص التأمين، وتقديم المطالبات، ودفع أقساط التأمين، وتلقي إجابات سريعة ومرضية من مراكز خدمة العملاء.
تتجه العديد من شركات تكنولوجيا التأمين (منها مقدمو خدمات التأمين التكافلي) إلى توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء و«البلوك تشين» بطرقٍ تمكّن شركات التأمين من فهم أفضل لعملائها كمجموعات وأفراد.. وهذا بدوره سيمكن مزودي التأمين من الابتعاد أكثر عن نهج المنتج الواحد الذي كان معتمداً فيما مضى، واستبداله بحلول مبتكرة مخصصة لتلبية احتياجات العميل الفردية. وسيؤدي الابتكار التقني إلى خفض التكاليف بوجه عام، وتسريع إصدار وثائق التأمين ومعالجة المطالبات، وتمكين ممارسات أذكى في التسويق لكسب عملاء أكثر بموارد أقل.
تُعدّ الفترة الحالية جذّابة للدخول في هذا القطاع، حيث يتوقع نمو سوق التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي بمعدّل سنوي يبلغ ٣.٢٪ من ٢٦،٥ مليار دولار في عام ٢٠٢١ إلى ٣١،١ مليار دولار في عام ٢٠٢٦.
فعدة قطاعات تأمينية جاهزة للزيادة في النمو والتطور والتعقيد، ومنها قطاع الصحة بالتحديد، حيث تتحد المبادرات التنظيمية الداعمة مع تغيّرات سلوك المستهلكين التي رفعت الاهتمام بشراء التغطية التأمينية.
كما ظهرت آفاق جديدة للتأمين مع تزايد صلة نواتج التغير المناخي بقطاع التأمين، حيث نرى عدداً من المبادرات التنظيمية مثل التأمين الإلزامي لغير العاملين في الإمارات. ويتمتع مقدّمو خدمات التأمين التكافلي بوضع جيد يؤهلهم للازدهار في ظل هذا المشهد سريع التغيّر، كما تبرز جاذبية حلول التأمين الإسلامي مع إقبال المسلمين على التأمين في المنطقة.