الاتفاق مع صندوق النقد مناورات أهل السلطة… والمصالح

اصدر نائب رئیس مجلس الوزراء، رئيس الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي، بياناً في النصف الاول من الشهر الجاري، قد يعتبر بمثابة الانذار الاخير قبل فشل المفاوضات مع الصندوق، بفعل المناورات التي تقوم بها السلطات اللبنانية وتؤدي الى تأخير تلبية الشروط المسبقة الخاصة بالاتفاق ساعياً الى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم قبل فوات الأوان.

مواقف عدة مستجدة دفعت بالوزير الشامي الى اطلاق هذا الموقف:

– اشتراط نبیه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، اقرار القوانين المرتبطة بالاصلاحات للدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ان الاتفاق شبه مستحيل على الاصلاحات المطلوبة في ظل هذا العهد تحدیداً، وقد لا يصار الى انتخاب رئيس جديد مما يجعل المجلس النيابي في حكم غير القادر على التشريع.

شروط عدة لم تتحقق بعد، لا بل فإن الشروط الاساسية مجمّدة، اهمها: اعادة هيكلة الدين العام الخارجي، اقرار قانون الكابيتال كونترول، اعادة‎ هيكلة القطاع المصرفـي، اعادة صياغة المؤسسات المملوكة للدولة، لاسيما في قطاع الطاقة، بهدف تقدیم خدمات عالية الجودة دون استنزاف الموارد العامة، اقامة نظام نقدي شفاف، اقرار موازنات عامة شرط تحقيق عجز أولي يبلغ ٤ في المائة من اجمالي الناتج الاجمالي، تحسين المالية العامة وخفض الدين العام من خلال تدابير مدرّة للدخل واصلاح اداري لضمان توزیع اكثر عدالة وشفافية للعبء الضريبي، اضافة الى إعادة بناء مصرف لبنان احتياطياته من العملات الاجنبية والحفاظ على سعر صرف موحد يحدده السوق…

– اطلاق نجیب میقاتي، رئيس مجلس الوزراء، مواقف ذات دلالات تنمّ عن رغبة في تعدیل بعض بنود خطة التعافـي المالي، لاسيما بالنسبة الى مصير الودائع ودور الدولة في تحمل الخسائر… في ظل حملة ممنهجة من مراكز قوى عدة على الخطة برمتها.

– موقف حزب الله من الاتفاق مع الصندوق: حيث يُعرب عدد من نواب الحزب وقيادييه عن رغبتهم في تعديل بعض بنود الاتفاق، وعدم رضاهم عن بنود أخرى، ووجود «حاجة إلى التمعّن في درس العديد من التفاصيل»، وكذلك «التعاطي مع الاتفاق عَ القطعة»… بما یؤشر الی معارضة واضحة ورغبة في التعديل!

اللافت ان اقرار الخطة في مجلس الوزراء تم علی رغم رفض وزراء الثنائي الشيعي التوقيع على استراتيجية الحكومة للنهوض بالقطاع المالي، كما اعتراض اللوبي المصرفـي على الخطة نفسها وعدم مصلحة المنظومة بمطالبات المحاسبة والشفافية… وقد برز ذلك واضحاً في قانون تعديل السرية المصرفية الذي وقّعه رئیس الجمهورية في ١١ آب/اغسطس الحالي، حيث أن تعديل هذا القانون، الذي صوّره البعض كانجاز، لم يأت بحسب شروط صندوق النقد الدولي، الذي كان واضحاً بضرورة جعل القانون الجديد يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد، وازالة العوائق امام اعادة هيكلة القطاع المصرفـي والاشراف عليه وادارة الضرائب وكشف الجرائم المالية والتحقيق فيها واسترداد الاصول…. وهذا ما لم يحدث، مما دفع بالدائرة القانونية في الصندوق للانكباب على دراسته ومراجعته وتقيیمه قبل رفعه الى مجلس ادارة الصندوق.

– الخشية في عدم اقرار القوانين الاصلاحية الاساسية، أو افراغها من مضمونها الاصلاحي في حال اقرارها، وعدم وضع آلياتها التنفيذية كما يجب، وذلك على غرار ما جری مع اقرار قوانين الهيئات الناظمة، وتحدیداً في قطاع الكهرباء.

كل المعطيات تشير الى عدم وجود نية حقيقية لدى المنظومة الحاكمة بابرام اتفاق مع الصندوق، وهي كما اتّبعت سياسة النعامة التي تخفي رأسها في الرمال وانكرت وجود ازمة اقتصادية ومالية ونقدية حقيقية، ها هي الآن تراهن على عامل الوقت لاستنزاف الودائع وتقليص حجمها وتوفير حلول آنية ومؤقتة… بهدف استمرارها في ادارة البلاد وعدم خسارة مواقعها او اجراء اي اصلاح جذري قد يحد من فسادها وقدراتها على التصرّف بمقدّرات البلاد والعباد.