مؤتمر دبي الدولي للتأمين بين التحديات والفرص

السعي لاستدامةٍ أشمل وبيئةٍ أفضل وتطوّرٍ أسرع

عُقد مؤتمر دبي الدولي للتأمين بدورته السادسة في ٨ و٩ آذار/مارس الجاري، في فندق ريتز كارلتون مركز دبي المالي العالمي بالتعاون مع Global Reinsurance تحت شعار «التكيف مع المتغيرات: التغلب على التحديات من أجل عالمٍ أفضل»، وبحضور أكثر من ١،١٠٠ مشارك من قادة قطاع التأمين في ٦١ دولة. تم التركيز في المؤتمر على مسائل محورية تشمل تحفيز النمو الاقتصادي واستقطاب المواهب للعمل في قطاع التأمين وتبنّي الحلول التكنولوجية ودعم المبادرات الهادفة إلى مكافحة التغير المناخي وخفض معدلات الكربون.

فنشرش فارس

اليوم الأول

افتتح اليوم الأول بكلمة ألقتها السيدة علياء الزرعوني، الرئيس التنفيذي للعمليات في مركز دبي المالي العالمي، قالت فيها : “يعتبر مركز دبي المالي العالمي القوة الداعمة لتطور ونمو سوق التأمين والاعادة في المنطقة، كونه يُعد الوجهة المُثلى والأكثر مصداقية لاستضافة مؤتمر دبي الدولي للتأمين بالشراكة مع Global Reinsurance. يسعدنا الترحيب بهذه النخبة المميزة من قادة قطاع التأمين المشاركة ونتطلع هذا العام إلى تنشيط الحوار بشأن العديد من القضايا المهمة، من بينها المواهب والتكنولوجيا وتغير المناخ سعياً لبناء مستقبل أكثر تكيفاً مع المتغيرات في هذا القطاع”.

تلا كلمة الافتتاح الكلمات الرئيسية التي ألقاها كل من السيدة Dame Susan Rice رئيسة المجموعة التوجيهية العالمية لمبادرة GEFI، والسيد Jerome Jean Haegeli كبير الاقتصاديين للمجموعة في معهد Swiss Re. وقد تحدثت رايس عن الدور الذي تلعبه الثقافة في تمكين القطاع من تحقيق نتائج أفضل للبيئة والمجتمع، أما هيغلي فقد تحدّث عن تأثر الناحية الاقتصادية بتغيّر المناخ وعن عواقب التقاعس عن العمل في مواجهتها. وقال: “إن تغير المناخ يؤثر على منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ حاد. لقد بدأت المنطقة في العمل على التخفيف من مخاطر المناخ ويجب الاستمرار بذلك”. وأضاف إن مثل هذه الأهداف يجب أن تتحقق في سياق ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة والديون والتوترات الجيوسياسية بما في ذلك الحرب في أوكرانيا.

جلسات العمل

بعد حفل الافتتاح، كانت استراحة وثم حلقة نقاش أولى تمحورت حول الأسباب العديدة الداعية لتفاؤل صناعة التأمين على الرغم من الظروف البيئية والاقتصادية والجيوسياسية المتقلبة، حيث أن هناك براعم خضراء من الفرص لهذه الصناعة. تناول المتحدثون مواضيع مختلفة: الأسواق الناشئة، ثورة المعلومات وايجاد الحلول. كشف سلمان عز الدين جيفري، الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في مركز دبي المالي العالمي، عن وجود اهتمام لافت من قبل شركات التأمين في ما يتعلق بأمن المعلومات، الذي يُعتبر من ضمن ستة محاور تركز عليها الشركات العاملة في المركز في الفترة الأخيرة. وفي ما يتعلق بموضوع الاستدامة، لفت جيفري إلى أن المركز أطلق العديد من المبادرات لوضع حلول جديدة للتمويل المستدام خلال المرحلة المقبلة، وهو بصدد تنظيم العديد من الجلسات الحوارية حتى موعد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP٢٨، الذي سيعقد في الإمارات في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري، لمناقشة موضوع الانبعاثات الكربونية والعمل على الحد منها. وأكّد جيفري أن قطاع التأمين والإعادة يعتبر من أكبر القطاعات في مركز دبي المالي العالمي. وتوافق المتحدثون على أنه من خلال اتباع نهج “متفائل باستمرار”، تصبح المشكلات التي يواجهها القطاع والمتعلقة بالقدرة والشروط والأحكام والتغطيات وغيرها، وسيلةً لاكتشاف فرصٍ جديدة وتقديم العروض الخاصة بها. كما تم التطرق الى أهمية الأسواق الناشئة كسوق الامارات حيث تكمن فرص عديدة لصناع التأمين، والى قدرة قاعدة البيانات في تطوير القطاع بدلالة نمو ونجاح ChatGPT  روبوت محادثة الذكاء الاصطناعي.

أما الجلسة الأولى فقد تعنونت “الاستدامة والتأمين” وبحثت امكانية صناعة التأمين استلام زمام المبادرة والابتكارعندما يتعلق الأمر بالتحول الصافـي الصفري (Net Zero Transition) وأجندة استدامة أشمل بالإضافة إلى تكييف نماذج أعمال الشركات ووضع معايير لرسم تقدمها، لا سيما وأن شركات التأمين والإعادة والوساطة تلعب دوراً مهماً في دعم الرحلات الانتقالية لمؤمّنيها وفي تحفيز التغيير وتحقيق التوازن الصحيح. وطرحت ايضاً احتمالية مكافأة المؤمن عليهم على تحقيقهم درجة عالية من الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي الجلسة الثانية تمت مناقشة “دور الابتكار في إطلاق التمويل المستدام والأخلاقي: توقعات الصناعة قبل مؤتمر COP٢٨ وكيف أنّ شركات التأمين تعدّ على خط المواجهة في أزمة المناخ“. وشرح المتحدثون ضرورة قيام القطاعات المالية بتوجيه رأس المال نحو الحلول المناخية، وكيف يمكن للابتكار في المنتجات وطرق ممارسة الأعمال التجارية أن يساعد في تمويل اقتصاد المستقبل. كما دعوا الى توحيد القوى في ما بين القطاعات والأطراف. وقد تحدثت رايس عن اقتراب مؤتمر COP٢٨ مؤكدةً أن صناعة التأمين يجب أن “تكون جزءاً من محادثات المناخ”، وأشارت الى أنّ موضوع المناخ والاستدامة أصبح يشكّل جزءاً هاماً من كيفية عمل المؤسسات واتخاذ القرارات من قبل الأفراد. وأضافت: “شركات التأمين هي مالياً على خط المواجهة لمخاطر المناخ. لذلك لديها رغبة قوية في تحسين المرونة المناخية، سواءً لمساعدة الأعمال التجارية أو التنمية المجتمعية”. وتناولت أيضاً مسألة “التحذير من التمويه الأخضر” وقالت في هذا الاطار: “تواجه الصناعة مخاطر حقيقية للغاية تتمثل في التمويه الأخضر، هذه مشكلة جديّة للغاية. ما لم تجتمع الصناعة لمكافحة الادعاءات الكاذبة أو المضخمة أو المضللة، فإننا نجازف بفقدان الثقة ولا يمكننا تحمل ذلك كصناعة. يجب علينا التأكد من أن التصنيفات التي ننسبها لمنتجاتنا حقيقية وأن يتم فهمها. قد لا يعرف الكثير في الصناعة أنهم يضرون البيئة، لذلك يجب أن نتّحد كصناعة لوقف ذلك”. كما تطرقت الى ضرورة “الحصول على الثقافة الصحيحة” والى أن جزءاً حيوياً من مكافحة تغير المناخ والعمل بشكلٍ مستدام يعتمد على امتلاك الثقافة التنظيمية الصحيحة.

الجلسة الثالثة تمحورت حول “أهمية تقييم مخاطر الزلازل في الشرق الأوسط“، في هذا الاطار قال الدكتور Arash Nasseri كبير المهندسين الرئيسيين في شركة Verisk: “إن شركات التأمين في المنطقة بحاجة ماسة لوضع خطط جدية لمواجهة الكوارث الطبيعية والزلازل المستقبلية”. وأكّد أن دول المنطقة العربية لا تزال بعيدة عن الكوارث الطبيعية والزلازل كالتي تحصل في أميركا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية، مع ذلك يجب الاستعداد جيداً لها من خلال رسم خطط واضحة للتغلب على الصعوبات التي قد تتعرض لها المنطقة عند وقوعها. وأضاف أن المنطقة تتمتع بصناعة غاز ونفط نشطة للغاية وهي إحدى المصادر الرئيسية لنجاحها، ولكنها من ناحية أخرى تتسبب في زيادة مخاطر الزلازل.

الجلسة الرابعة ناقشت موضوع ” كيف يمكن للصناعة جذب المهارات والمواهب التي تحتاجها والاحتفاظ بها؟“. وأشارت الى أنه عند معالجة فجوة المهارات التي تواجه صناعة التأمين في جميع أنحاء العالم، يتوجب على شركات التأمين والوساطة أولاً تبني التحول الذي حدث منذ الوباء العالمي. وطرحت اللجنة فكرة “فكر محلياً، واعمل عالمياً”، وكيف يمكن للصناعة جذب المهارات والمواهب التي تحتاجها والاحتفاظ بها من خلال إلهام المهنيين الصاعدين وتعزيز ثقافة أكثر تنوعاً وشمولية. وأكدت أنّ تنوع المهارات أصبح أكثر أهمية مع تطور صناعة التأمين ومع زيادة الطلب على مسؤولي المخاطر الرئيسية والموظفين الاكتواريين والاستدامة. وأنّ التكنولوجيا في صدد تغيير طريقة العمل، لكنها لا يمكن أن تضاهي اللمسة الإنسانية أو أهمية العلاقات داخل الشركة.

وقد اختتم اليوم الأول بحفل ترحيب في فندق الريتز برعاية شركة Link لوساطة اعادة التأمين.

اليوم الثاني

افتتح اليوم الثاني بالجلسة الأولى التي سلّطت الضوء على “التكافل  بين التحديات والفرص“، تطرق المتحدثون وبينهم السيد محمد سعد، مؤمن معتمد ومسؤول تنفيذي أول في Africa Re DIFC، الى أن التعاون بين مقدمي خدمات التكافل يعدّ أمراً ضرورياً إن كانت الصناعة المتخصصة تطمح بالوصول الى ذروة قوتها.

لكن وقبل كل شيء يجب أن تكون نماذج التكافل مستدامة مالياً بحيث توفر عائداً للمساهمين وأن تكون خياراً قابلاً للتطبيق لقاعدة أوسع من العملاء. ونوّهوا الى وجود شركتي تكافل فقط في سوق التأمين العماني، مما يجعل من الصعب للغاية قياس أفضل الممارسات. وأشاروا ايضاً الى ضرورة إعادة التصنيف، بما يسهّل عملية تسويق المنتج بشكلٍ أفضل كبديل مناسب للتغطية التقليدية. وأكدت حلقة النقاش إلى أن التكافل هو أكثر بكثير من مجرد تأمين إسلامي وأن هناك المزيد مما يتعين القيام به لتسويق الفوائد التي يقدمها لسوقٍ أكثر اتساعاً. ودعا المتحدثون الى الاتجاه نحو التفرّع في السوق وبالنظر في الفرص والصفات الأخلاقية التي يتمتع بها المنتج فتضفيه جاذبية أكبر.

أما الجلسة الثانية فقد تناولت “تحديات وفرص التأمين الصحي العالمي“. وتناولت مواضيع: الطفرة في النمو، والانتقال من رعاية المرضى الى الرعاية الصحية، تأثيرات وباء الكوفيد، محاربة التضخم الطبي، الشباب والنمو. وتطرقت الى الوعي المتزايد بفعل فيروس كوفيد-١٩ والتحولات السكانية والتعزيزات التكنولوجية التي تحافظ على تفاؤل سوق التأمين الصحي. وتمت الاضاءة على أن المشهد الصحي الحالي مليء “بعبء المرض” الذي يحدث عن طريق أمراضٍ مختلفة، وعلى أن التوسع في البيانات أدى إلى جعل الرعاية الصحية أكثر قابلية للتنبؤ حيث تؤدي التكنولوجيا الطبية دوراً اساسياً في تطور القطاع وتتبّع المرضى عن بعد. وتطرق المشاركون بالحديث عن الفرص التي قدّمها الوباء رغم التعطيل الكبير الذي أنتجه في مجال التأمين الصحي . وقد أوضحوا أن التضخم الطبي يزداد في معظم الأسواق حول العالم بحوالي نقطتين إلى ثلاث نقاط عن التضخم العام كل سنة مما يؤدي حتماً الى انخفاض تكلفة المنتجات. ومن بين الحلول التي طرحت، تجنّب المواطنون للمستشفيات واللجوء الى الاستشارات عن بعد قدر الامكان. وتمت الاشارة الى أن التغيرات الديموغرافية باتت تشكّل إحدى التحديات، ويتمثّل التحدي الرئيسي الذي يواجه الشباب من حيث الصحة في القدرة على الحفاظ على التأمين الصحي.

الجلسة الثالثة والأخيرة كانت برئاسة السيد ياسر البحارنة الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لمجموعة Trust Re، وقد تناول فيها المتحدثون وبينهم السيد ضياء الصاوي، مدير أول في Chedid Re، السيد طارق حسين، رئيس الخطوط المتخصصة في Mena Re Underwriters ومحمد قطب المدير العام لشعبة المعاهدات في UIB، مسألة التحديات والفرص التي ضمت عناوين عدة منها: انقضاء أيام “رأس المال الحر”، الفن أم العلم، الاستخدامات المحتملة للذكاء الاصطناعي، القيادة البشرية والتأخر التقني.

التحدي الأول الذي ناقشه المتحدثون هو كيفية الحفاظ على انضباط الاكتتاب للمضي قدماً، وأشار البعض الى أن المفتاح الاساسي لتحقيق ذلك هو الاتساق في جميع المجالات، بدلاً من التركيز بشدة على المخاطر الفردية والأهمّ هو تصميم وبناء المحفظة وضرورة التسعير باستمرار. يعتقد البعض أنه لا ينبغي لشركات التأمين الاعتماد كثيراً على نماذج التسعير الخاصة بهم. بالنسبة لفئات الأعمال المتخصصة وإعادة التأمين، لا يزال هناك “فن” للاكتتاب يأتي مع الخبرة الطويلة والموهبة والعلاقات. وأشار أحد المتحدثين، أنه بعد سنواتٍ عديدة من السوق اللينة في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها، قد يكون الافتقار إلى “رأس المال اللين وشبه الحر” بمثابة صدمة للسوق الأساسية. يزداد سوق إعادة التأمين صلابة على الصعيد العالمي، حيث تقل القدرة المتاحة، ويزداد التسعير بشكلٍ جامح وتتشدد الشروط والأحكام. كما أن هناك فجوة كبيرة بين

تسعير التأمين وإعادة التأمين. وعن الذكاء الاصطناعي أعرب أحد المتحدثين عن حماسه لرؤية التأثير الذي سيحدثه هذا الذكاء في تخفيف المخاطر وإيقاف المطالبة من الحدوث منذ البداية وانعكاسه على السعر. وأردف أحدهم أن الذكاء الصناعي لا يمكنه أن يُسيّر إلاّ من قبل الانسان والى أنّه “في النهاية هو عقل شخص ما كان يفكر في الصيغ ويبتكرها. إنه ذكاء بشري يتم وضعه في نظام ويتم بيعه على أنه ذكاء اصطناعي، إنه ذكائي. سيظل التأمين دائماً مزيجاً من الفن والعلم، والحصول على هذا التوازن الصحيح هو المهم”. وأشار متحدث آخر إلى أن الذكاء الاصطناعي في التأمين لا يتم تصميمه كصانع قرار يتعلق بالمخاطر، بل للمساعدة في عملية صنع القرار.

بينما ينبثق الذكاء الاصطناعي باعتباره كلمة طنانة رئيسية في مجال التكنولوجيا، تحدثت حلقة النقاش على نطاق أوسع عن الفرص التي تقدمها التكنولوجيا وعن إخفاقات الصناعة في بعض الأحيان. وأوضح أحد المتحدثين أن صناع التأمين من واجبهم تبني التكنولوجيا الحديثة المناسبة وتطويرأنظمتهم للقيام بعملٍ أفضل وتسهيل مهمّة الاكتتاب للوصول الى المستوى المطلوب من التطوّر.

بعد يومين حافلين بالمواضيع الشائكة والاجتماعات المكثّفة والحلول المقترحة، اختتم المؤتمر بحفل غداءٍ جمع كل المشاركين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments are closed.