انطوان عيسى

التزامات كبيرة وايمان اكبر

اثبتت الحروب والثورات التي وثّقها التاريخ انها وان بعد حين تفتح بوابة العبور الى النور بعد ظلمةٍ حالكة، والسيد انطوان عيسى، الرئيس التنفيذي الإقليمي لشركة Allianz لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المتسلّح بخبرةٍ فاقت الاثني وثلاثين عاماً في الشركة عينها لا يزال يؤمن بلبنانٍ افضل زاهياً وان بعد نكباتٍ وصراعات اثقلت تاريخه بالخيبات والتراجع، مؤكّداً ان ما يشهده لبنان اليوم ليس سوى معركة من حروبٍ عدة خاضها وخرج منها منتصراً.

من هذا المنطلق يحرص السيد انطوان عيسى على الابقاء على مقر الشركة في لبنان وتعزيز مكانتها عبر الوفاء بالتزاماتها ووعودها تجاه عملائها وشركائها لا سيما ازاء التضخم الاقتصادي والمالي وانفجار المرفأ ووباء كوفيد-۱٩. ويثق السيد انطوان عيسى بوجهة لبنان الاقتصادية التي كانت ولا تزال منصة ومنبراً مصدّراً للطاقات المميّزة.

في هذا الخضم، ينطلق السيد انطوان عيسى من مبدأ المساندة والاستنساب لتحديد النهج الجديد لأسعار بوالص التأمين بما يلائم العملاء والشركة معاً مضيئًا على تأثير تأرجح سعر صرف الليرة اللبنانية.

* قمتم بفعل ايمان تجاه لبنان وتجاه قطاع التأمين في ظل اوضاعٍ لا نُحسد عليها… هلاّ شرحتم لنا قصدقم من هذا الفعل؟

تعرّض قطاع التأمين اللبناني الى ثلاث ضربات موجعة اهمّها الازمة المالية. نعدّ من اكبر شركات التأمين على الحياة ومن اهم المستثمرين في لبنان في اليوروبوندز والقطاع المصرفـي حصراً، في حين كانت الاستثمارات خارج هذا النطاق ضئيلة، مما سبب خسائر فادحة. غير انّ وجود الشركة ضمن مجموعة كبيرة حصّنها من الانهيار، فعدنا لضخّ الاموال مجدّداً ودعم الشركة. تجدر الاشارة اننا كنّا من اوائل الشركات التي ضخّت الاموال واعادت الرسملة، بما بات يحاكي واقعها قبل الأزمة.

الضربة الثانية هي وباء كوفيد-۱٩، حيث كان من واجبنا كشركة تأمين تغطية هذا النوع من الحوادث، لكن الكلفة لم تكن مرتفعة مقارنةً بالاعباء والتكاليف التي حمّلنا اياها التضخّم الاقتصادي والمالي.

اما الضربة الاقوى فكانت انفجار المرفأ الذي استوجب تغطية تأمينية ما يقارب المليار دولار. تحوي الشركة على ٩٪ من السوق التأميني، مما يوازي ٨۰ مليون دولار من الخسائر. مع ذلك، لم نتوان عن الدفع والتغطية الفورية في مجال السيارات والممتلكات الى ان بلغنا حتى اليوم تغطية اجمالية للبوالص بنسبة ٩٨٪. وقد استطعنا رغم ذلك تخطّي المحن والعراقيل لإيماننا بضرورة اتمام واجباتنا كشركة تأمين على اكمل وجه والمساعدة وسط النكبات والكوارث ومساندة عملائنا الذين اولوا الوفاء لنا لسنوات عدة.

* انفجار المرفأ شكّل نقطة تحوّل لا سيما وانه تزامن مع أزمة الدولار. وفق اي نهج سعّرتم وتقاضيتم الاموال؟

كان همّنا الاكبر عند وقوع الانفجار في اليوم الاول ادخال المصابين الى المستشفى وقد نظّمنا مع “Nextcare” مركز اتصال لمساعدة المتضررين، كان هذا الأمر بالنسبة الينا اهم من التغطية التأمينية في حينها. اما في اليوم الثاني فقد شكّلنا وحدة عمل لمساعدة موظفينا المتضررين في التصليح والترميم، وفي اليوم الثالث وجّهنا اهتمامنا لناحية السيارات، فأرسلنا طاقم عمل الى المناطق المتضررة لالتقاط صور للوحات السيارات المحطّمة وتابعنا كل من هو مؤمّن لدينا وصلّحنا الآليات بالتوافق مع عدد من الكاراجات.

بمساعدة Allianz العالمية وخبراء من داخل وخارج لبنان استطعنا الشروع بتغطية الحوادث الصغيرة من دون اللجوء لمعيدي التأمين. بعد ثلاثة اسابيع وبعد التخمينات السريعة، بدأنا بدفع شيكات لولار بقيمة ٣٠،٠٠٠ دولار اي ما يوازي ٧٥٪ من التغطية بالدولار “Fresh”على سعر الصرف ٣٩٠۰ ل.ل. آنذاك.

اما في ما خصّ الحوادث الكبيرة وبعد مناقشات عديدة مع خبراء Allianz، قمنا بمبادرة جيدة دون انتظار التقارير وقائمة على الدفع للعملاء وفق خيارين: اما تغطية ٢٥٪ من الحادث وانتظار التقرير، اما اعطاء ٢٥٪ من قيمة البوليصة باللولار و٥۰٪ بالدولار “Fresh”. مضى بهذين الحلين ٩٧٪ من العملاء لا سيما اولئك الذين فضّلوا الحصول على ٧٥٪ من التغطية بدلاً من انتظار التقرير لسنوات، وكانوا بذلك من الشاكرين لنا. كذلك فتحنا حساباً بالدولار مخصص لحوادث انفجار المرفأ، حيث يدفع لنا المعيد فيه وندفع نحن من خلاله للعميل من دون ربح فلس واحد، والتقاريرالمدقَقة من وزارة الاقتصاد والمعيدين خير شهادة على شفافية اعمالنا وايراداتنا ومدفوعاتنا.

* هل من اشكالات حول بوالص التأمين على الحياة؟

تكبدنا خسائر كبيرة في هذا المجال من التأمينات ولكن Allianz العالمية ساعدتنا بتحمّل الخسائر وعدم تحميل عملائنا التكاليف وانما اضطررنا للدفع باللولار. تم التداول عن طريقة دفع حتّمت على العملاء بالدولار “Fresh” مقابل ايفائنا المستحقات باللولار، هذا الموضوع حسّاس جداً، اذ ان المرسوم ۱٥٠ لمصرف لبنان المتعلّق بالدولار “Fresh” صدر في ٩ نيسان/أبريل ٢۰٢۰، وبموجبه كل ما هو قبل هذا التاريخ يُدفع باللولار وكل ما بعده المتعلّق بالدولار “Fresh” اذا دُفع كأوراق نقدية او في الخارج. دفع معظم العملاء قبل هذا التاريخ عبر المصارف واما الباقون فدفعوا بعد هذا التاريخ باللولار. بالنتيجة تلقينا لولار ودفعنا لولار، ونحن حريصين جداً على خدمة عملائنا بجودة وشفافية عالية.

اعطي الاولوية لتأمينات الحياة التي تفوق بأهميتها التأمين على السيارات والاستشفاء، في هذا الخضم، دعونا العملاء للتحوّل نحو دفع البوالص المتعلّق بالدولار “Fresh” من دون فحوصات طبيّة ووفق الشروط والتسعيرة القديمة.

* تعمد معظم الشركات اليوم الى للانتقال لسياسة “الاموال “Fresh” ، هل تبنيتم هذه السياسة؟ وما تأثيرها على محفظة اعمالكم؟

خسرنا الكثير من محفظتنا التأمينية اثر تبني سياسة الدفع باللولار بدل الـ۱٥٠٠ ل.ل. رغم محاربة بعض الشركات لنا. تمسكّنا بمبادئنا وبولائنا لعملائنا الذين يبدون اهتماماً كبيراً بطريقة وتسعيرة التغطية. لا زلنا نوافق على القبض باللولار شرط تعديل السعر قليلاً، ونحرص على مجاراة عملائنا، بما يتلاءم مع الطرفين.

تبنّي هذه السياسة انعكس سلباً على محفظتنا التأمينية فخسرنا ما يوازي الـ۱٥٪ من الاقساط ولا يزال هذا الاثر مستمر عقب تدني قيمة القسط بتحويله من اللولار الى المتعلّق بالدولار “Fresh”. الا ان هذا الاثر قد ينعكس ايجابياً ايضاً لناحية سلامة الميزانية.

قسم من البوالص اصبح بالدولار “Fresh”، والقسم الآخر باللولار، واترقّب حتى نهاية هذا العام تحوّل ما يقارب الـ٧٠٪ من هذه البوالص الى الدولار “Fresh”، الى ان تصل الى ۱٠٠٪ في الـ ٢۰٢٣.

* ماذا عن خطوة اقامة مقر الادارة التنفيذية لمنطقة الشرق الاوسط في لبنان؟ وهل من نيّة للخروج من لبنان كما شيعت الأخبار؟

النيّة بإنشاء هذا المقر موجودة منذ العام ٢٠۱٤. كان لدينا قبل الازمة مشروع هادف الى تكبير مقرنا الرئيسي وانشاء مبنى جديد، المشروع لا يزال قائماً انما مؤجل بحكم تبدّل الاولويات التي حتّمت علينا منح الاهتمام للحوادث التي بلغ عددها ۱٦٠٠، فأقمنا وحدة ازمات في الطابق الارضي وجمعنا موظفين من كافة الادارات لتلبية حاجات العملاء.

ارى ايجابية في الاخبار المشاعة عن التهافت على شراء الشركة، مما يُثبت ارتفاع قيمتها. حين تشتد الازمات يقبل المستثمرون على الاستثمار بشركاتٍ ناجحة ذات اسمٍ لامع، الاّ انني انفي الاشاعة، فشركتنا غير معروضة للبيع والاعمال والالتزامات التي قمنا بها مؤخّراً لناحية وباء كوفيد-۱٩ وانفجار المرفأ والتدهور الاقتصادي دليل على ذلك.

تتجلّى القوة والصلابة في التجارب والتحديات وها قد اثبتت مجموعة Allianz عن قدرتها على خوض المعارك والخروج منها بانتصارٍ مدوّي مبني على تقديم اعلى جودة من الخدمات والوفاء المتبادل مع العملاء. تجدر الاشارة ان تاريخ البلاد لا يخلو من الازمات التي من شأنها ان تنتج قوّةً بعد ضعف، فقد مررت بالتجربة ذاتها منذ اربع سنوات في مصر، حيث تدنّت قيمة العملة، ولم نرضَ رغم ذلك ان نبيع فرع الشركة، بل ناضلنا وخرجنا من المحنة واصبحنا ثاني اكبر شركة تأمين في مصر بنسبة نمو ناهزت الـ٣٠٪.

مع ذلك، يجب التنويه الى اننا منفتحين في المستقبل لشراكات مع مجموعات جديدة داخل وخارج لبنان وللاندماج والاستحواذ والاستثمارات. فلدينا شراكات في السعودية مثلاً مع البنك السعودي الفرنسي وشركات اخرى في عدة بلدان مع مجموعات استثمارية تشكّل قيمة مضافة للطرفين.

* الخطط المالية الموضوعة من قبل الحكومة للخروج من الأزمة المالية تهدف دائماً الى اعادة هيكلة قطاع المصارف فأين قطاع التأمين منها؟ هل آذان وزارة الاقتصاد والتجارة صاغية لمشاكل هذا القطاع ؟

برهن وزير الاقتصاد والتجارة خلال لقاءاتنا معه عن حسن نية محاولاً جاهداً تلبية متطلباتنا كشركات تأمين، وطرح العديد من الحلول وبيّن الانفتاح على آراءٍ عدة. غير انّ العمل المنفرد والمستقلّ لأعضاء الوزارة لا يوحي بالمضي قدماً بالحلول والاجراءات، فالوزارة اصلاً معطّلة. نأمل ان يأخذ برنامج صندوق النقد الدولي منحًى جدّياً فيصار الى اعادة هيكلة كل القطاعات عموماً وقطاع التأمين خصوصاً الذي يستوجب دقة في الرقابة واعادة الاستحواذ والاندماج. في هذا السياق وخلال زياراتنا لمسؤولين رسميين، لاحظنا تحضيراً لقوانين جديدة ولحوافز مستحدثة تخص الاستحواذ والاندماج.

* كيف يتراءى لكم العام ٢٠٢٢؟

انظر بعين التفاؤل الى مستقبل لبنان رغم التضخم الاقتصادي الحاصل والشوائب. انا من مناصري الاقتصاد الحر والمنفتح على العالم العربي والدولي، فلبنان يملك اهم الطاقات البشرية والعلمية والسياحية والخدماتية والتكنولوجية المصدِرة للخارج. الخلل في نموذج العمل اللبناني يكمن في الارتفاع الكبير بنسبة الفوائد والسرقة اللذين اديا الى هذا الفشل الاقتصادي.

لا اؤمن بتغيير هوية لبنان الاقتصادية والتجارية والمالية الى صناعية، فهو غير مؤهل للمنافسة الاقليمية والعالمية في هذا الحال، ولا اؤمن كذلك بتحويله لبلدٍ زراعي اذ اننا لا نملك اراض شاسعة تخوّل الانتاج الوفير.

انظر الى لبنان نظرة ملؤها التفاؤل بمستقبل يعيد الازدهار الاقتصادي والبهاء لشركات التأمين. الغيمة السوداء “لا تخيّم” ولا بد لها في النهاية ان تعبر، لذا يجب علينا النظر بعين الامل الى لبنان الذي سيعيد المجد الى المصارف وشركات التأمين. لبنان كان ولا يزال منبراً للاقتصاد الحر ومصدّر للمصارف وشركات التأمين الناجحة الى الشرق الاوسط.

Comments are closed.