قطاع التأمين السعودي.. قصة نجاح بامتياز

بقلم: ورونا كومراج

شهدت أسواق الأسهم العالمية منذ بداية عام ٢٠٢٣ وحتى تاريخه ارتفاعًا ملحوظًا في الأداء متحدية مخاوف الركود العالمي. كما شهدت الأسواق الخليجية وهي أكبر الأسواق الإقليمية ارتفاعًا مماثلًا لتصبح ثاني أفضل الأسواق أداءً في المنطقة. ويأتي ذلك في ضوء تحسن أداء القطاعات الصغيرة مقارنة بتعثر أداء القطاعات الأكبر. وبالرغم من أن هذا الارتفاع في الأداء كان مدعومًا بأساسيات اقتصادية إلا أن التقييمات السوقية التي صاحبتها كانت متضخمة.

إلزامية التأمين الصحي للقطاع الخاص

يعد التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب في القطاع الخاص – الذي طرح لأول مرة عام ٢٠٠٦ ومن ثم تم تطبيقه لاحقًا على المواطنين – نقطة تحول بارزة في قطاع التأمين السعودي، بالرغم من أن النمو في القطاع كان متواضعاً مع بدايات تطبيق القانون بسبب اتباع الحكومة استراتيجية تنفيذ مرحلية وحذرة في الزامية تطبيقه، ما كان بمنزلة تجربة توعوية لشركات التامين خاصة فيما يتعلق بالتسعير. بحلول عام ٢٠١٥ ارتفعت أرباح شركات التأمين مثل بوبا بشكل ملموس وبدا مستقبل القطاع واعدًا، خاصة في ظل مشاريع التطوير في المملكة خلال النصف الأول من العقد والتي زاد فيها الاستعانة بالعمالة الأجنبية بشكل كبير.

إلا أن هذا النمو توقف في عام ٢٠١٤ مع هبوط أسعار النفط وتباطؤ الإنفاق الحكومي والمشاريع الاستثمارية، إضافة إلى جهود الحكومة في عودة الوظائف وانتشار وباء كوفيد إلى انخفاض حجم العمالة الأجنبية إلى الربع. تحسن الوضع الاقتصادي لاحقاً بعد انضمام نحو ١،٥ مليون شخص إلى القوى العاملة في عام ٢٠٢٢، مع استئناف الأنشطة الاقتصادية في فترة ما بعد وباء كوفيد.

مع هذا، كانت هناك فجوة واسعة بين أعداد الموظفين وأعداد المؤمّن عليهم، بالرغم من الرقابة المستمرة لضمان تطبيق القانون. ففي عام ٢٠٢٢ لم يحصل حوالي مليون موظف أجنبي و٦٧٤،٠٠٠ مواطن سعودي (بالإضافة إلى عائلاتهم) على تأمين الصحي. وهذا يشير إلى وجود فرصة جاذبة لتحقيق إيرادات أعلى إذا أخذنا في الاعتبار أن أقساط التأمين على المواطنين أعلى من الأجانب.

نمو العمالة

شهدت السوق السعودية انتعاشًا محدودًا بعد الإعلان عن المشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم، تبعتها فترة من الهدوء، ولكننا بدأنا نرى الآن تقدمًا بطيئًا في وتيرة العمل في هذه المشاريع. وفي المنطقة الوسطى، تبرز مشاريع ضخمة للبنية التحتية مثل مطار الرياض الجديد، فضلًا عن تقدم السعودية بطلب استضافة إكسبو ٢٠٣٠، وهو ما قد يسفر عن مزيد من الاستثمارات. إن مستقبل نشاط البناء يحتاج إلى الكثير من العمالة على مدى العشر سنوات القادمة لذا نتوقع نمو التأمين الصحي الخاص بمعدلات جيدة على المدى البعيد.

سيطرة الشركات الضخمة

استحوذت اثنتان من الشركات الكبرى وهما بوبا العربية والتعاونية على ٧٥٪ من إجمالي أقساط التأمين في عام ٢٠٢٢، ما أعطاهما قوة تفاوضية أمام مزودي خدمات الرعاية الصحية مما كان في صالح عملائهم، وذلك عن طريق طلب أسعار وخصومات أفضل بالإضافة إلى منحهما ميزة ملموسة عند التفاوض على العقود مع العملاء لما تتمتع به الشركتان من إمكانات أكبر مقارنة بمثيلاتها من الشركات الأصغر. ومن الجدير بالذكر أن حدة المنافسة السعرية بين الشركات الأكبر قد تراجعت مؤخرًا.

التحديات

يعتبر التضخم في أسعار الخدمات الطبية الناتج عن ارتفاع تكلفة توفير الخدمات الصحية وارتفاع نسبة الانتفاع من الخدمات من قبل العملاء من التحديات الرئيسة التي تواجه القطاع إلا أن – كما سبق ذكره – الشركات الكبرى قادرة على التفاوض للحصول على أسعار أفضل من مزودي الخدمة، واستخدام هذه الميزة لتمرير هذه الزيادة إلى العملاء (خاصة الشركات). وبالتالي، يتم احتواء تأثير معدلات الربحية، مع الأخذ في الاعتبار أن الشركات الأصغر ستعاني أكثر في مواجهة التضخم الطبي وارتفاع التكاليف التنظيمية.

إذاً، هل ستواصل أسهم قطاع التأمين ارتفاعها؟ تبدو العوامل الجوهرية لقطاع الصحة داعمًا لفكرة تحقيق إيرادات قوية خلال الخمس سنوات القادمة. وتساهم شركات التأمين بدور رئيس، خاصة أن المملكة تقف على مشارف عملية تحول تتماشى مع رؤية ٢٠٣٠. إن نمو أقساط التأمين الصحي في عام ٢٠٢٢ هو مؤشر لما سيحدث في المستقبل. وبالرغم من التحديات العديدة، فإن هذا القطاع قادر بمفرده على دفع صناعة التأمين إلى آفاق أعلى.

 

 

 

 

 

 

Comments are closed.