تغيّر المناخ يهدّد بجعل أجزاء من العالم «غير قابلة للتّأمين»
تجاوزت خسائر التأمين الإجمالية الناجمة عن الكوارث الطبيعية حاجز الـ ١٠٠ مليار دولار في عام ٢٠٢٣، وذلك للسنة الرابعة على التوالي، بما يثير ذعر الشركات العاملة في القطاع.
في الولايات المتحدة، ادت عمليات إعادة تسعير المخاطر إلى ارتفاع كبير في أقساط التأمين، بحسب تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أشار إلى إيقاف عديد من شركات التأمين الأميركية الكبرى، بما في ذلك «ستيت فارم» و«هارتفورد»، موقتاً اكتتابها في وثائق تأمين المساكن الجديدة في ولاية كاليفورنيا.
وكان أحد العوامل المهمة الدافعة لذلك هو الارتفاع الحاد في تكلفة إعادة التأمين على الممتلكات ضد الكوارث أو التأمين لشركات التأمين.
وفي أوروبا، يحذر المسؤولون التنفيذيون أيضاً من أن أسعار التأمين سوف تتجه حتماً إلى الارتفاع بعد سلسلة من الأحداث المناخية القاسية في القارة. وكذلك في أستراليا، حيث أدى أكبر ارتفاع سنوي في الأسعار منذ عقدين من الزمن إلى جعل ١،٢٤ مليون أسرة تواجه «ضغوطاً على القدرة على تحمل تكاليف التأمين على المنازل»، ارتفاعاً من مليون أسرة في العام السابق، وفقاً لمعهد الخبراء الإكتواريين في البلاد.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن كل هذا يضيف قدراً أعظم من الإلحاح والاهتمام إلى التحدي الذي توقعه الناشطون في مجال البيئة منذ فترة طويلة، وهو أن تغير المناخ سيجعل أجزاءً من العالم «غير قابلة للتأمين».
وأوضح التقرير أن كبار المسؤولين التنفيذيين في الصناعة كانوا واضحين في الربط بين الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن النشاط البشري ومشكلات القدرة على تحمل تكاليف التأمين.
ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لشركة «سويس ري»، كريستيان مومنثالر، قوله: «هذه هي المرة الأولى التي نعيد فيها بالفعل فاتورة تغير المناخ إلى المستهلك»، مشدداً على أن ارتفاع أقساط التأمين كان بمثابة نوع من أسعار الكربون على المستهلكين، مع ارتفاع التكاليف الناتج من «عيشنا بالطريقة التي كنا نعيش بها». وأضاف: «لكن بالطبع المستهلكون لا يحبون ذلك، ولا يحبه السياسيون أيضاً».
وكثيراً ما يسلط المسؤولون التنفيذيون في قطاع التأمين الضوء على الكيفية التي وضع بها القطاع نموذجاً للمخاطر المناخية لعقود من الزمن. لكن بعض الشخصيات البارزة في القطاع تقول إن الصناعة تخلفت عن الركب عندما يتعلق الأمر بفهم التهديد الذي تتعرض له القدرة على تحمل التكاليف من التأثيرات المناخية.
ونقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي في إحدى شركات التأمين الكبرى، متحدثاً شرط عدم الكشف عن هويته، قوله: «لقد دفنت صناعة التأمين رأسها في الرمال في ما يتعلق بتغير المناخ.. إنه ألم هائل حاولنا تجنبه.. وسوف نقضي السنوات القليلة المقبلة في النظر إليه، وسوف نكتشف كيفية القيام بالأشياء الأفضل».
ويقول إرنست راوخ، كبير علماء المناخ في شركة «ميونيخ ري»، أكبر شركة إعادة تأمين في العالم من حيث إيرادات الأقساط: «لم يعد بإمكاننا وصف مثل هذه الأحداث (الكوارث الطبيعية) بأنها ثانوية.. لقد وصلت في المجمل إلى مستوى إعصار كبير، أو إعصار استوائي، أو عاصفة شتوية».
ويضيف راوخ أنه بالنظر إلى البيانات على مدى عقود من الزمن، فإن هناك «اتجاهاً تصاعدياً كبيراً» في الولايات المتحدة وأوروبا للمطالبات التأمينية، حتى مع الأخذ في الاعتبار التضخم في تكاليف إعادة البناء بسبب أمور مثل ارتفاع تكلفة العمالة والمواد. ويقول إن العلم «يشرح جيداً» أن الحرارة والرطوبة في الغلاف الجوي تؤديان إلى ارتفاع وتيرة مثل هذه العواصف الرعدية وشدّتها.
بعض المديرين التنفيذيين في القطاع الخاص يلقي بعض اللوم جزئياً على شركات نموذج المخاطر التي تعتمد عليها شركات التأمين للتنبؤ بالخسائر، قائلين إن آثار المناخ تم التقليل من شأنها.
وقد أدى التراجع الكبير في سوق إعادة التأمين بعد سنوات من الأداء الضعيف إلى زيادة الشعور الملح بين شركات التأمين بضرورة إعادة التسعير.
وأفاد تقرير الصحيفة بأن تكلفة تغطية إعادة التأمين ضد الكوارث على الممتلكات، والتي تستخدم لتقاسم عبء مطالبات الكوارث الطبيعية، بلغت أعلى مستوياتها منذ جيل واحد. كما قامت شركات إعادة التأمين أيضاً برفع ما يسمى بنقاط الارتباط الخاصة بها بحدة – مستوى الخسائر التي يجب الوصول إليها حتى تبدأ شركة إعادة التأمين.
Comments are closed.